عاجل
الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

دور المخابرات المصرية فى حرب اكتوبر المجيدة

تحيا مصر

نحتفل فى هذه الايام بحرب اكتوبر المجيدة ، التى حققت النصر والعزة للمصريين والعرب ، وكانت انتصارا كبيرا فى شتى المجالات والعلوم العسكرية والمخابراتية والمعلوماتية ايضا ، وكانت درسا لاسرائيل لاتنساه مهما طال الزمن .

ينتابنى الفضول هذه الايام ان اتابع بعض الاعمال الدرامية الوطنية مثل مسلسل " رافت الهجان " ، والبحث فى بعض الكتب والمجلدات والوثائق عن دور المخابرات العامة المصرية فى حرب اكتوبر المجيدة ، ومما لاشك فيه لابد ان نوجه التحية والتقدير لكل ضابط وكل فرد يعمل فى جهاز المخابرات العامة المصرية بكل تفان واخلاص وتضحية وفداء من اجل الوطن العزيز مصر .

فصول مثيرة شهدتها الحرب الذكية بين القاهرة وتل أبيب للحصول على معلومات حيوية، فى الجانب العسكرى أو الصناعى أو المدنى، وبقدر ما نجحت إسرائيل فى زرع العديد من جواسيسها فى نسيج المجتمع المصرى من خلال استغلال نقاط الضعف تجاه المال أو الجنس أو المخدرات، استطاع جهاز المخابرات المصرية توجيه ضربات قوية إلى رجال الموساد، وزرع بدوره رجاله فى المراكز المهمة داخل الجيش أو فى مفاصل المجتمع أو بين تجمعات الصهاينة المؤيدين لإسرائيل فى العواصم المختلفة، بعضهم انتهت مهامهم وتم الكشف عن بطولاتهم مثل أحمد الهوان ورفعت الجمال وسامية فهمى ورفعت الأنصارى، إلا أن البعض الآخر ما زال سطورا فى ملفات «سرى للغاية» بأرشيف جهاز المخابرات، ينتظرون اللحظة المناسبة لإبراز خدماتهم التى أسندوها للوطن.

أحمد الهوان 
صانع الألعاب كانت أجهزة الأمن الإسرائيلية تراهن كثيرا على جمعة الشوان واسمه الحقيقى، أحمد محمد عبدالرحمن الهوان، خاصة بعد تدريبه من قبل المخابرات المصرية على طرق التعامل مع مسؤولى المخابرات الإسرائيلية حتى يصبح من أهم العملاء الذين تعتمد عليهم تل أبيب. وبعد حرب أكتوبر المجيدة زادت حاجة الموساد إلى الدور الذى يلعبه «الهوان» وسرعة إرسال المعلومات، ولذلك قرر إعطاءه أحدث أجهزة الإرسال فى العالم، الذى كان إحداها بالفعل موجودا بمصر، ولم تستطع المخابرات القبض على حامله، وهنا قرر الهوان بعد التنسيق مع رجال المخابرات المصرية، الذهاب إلى تل أبيب للحصول على الجهاز، وهناك قاموا بعرضه على جهاز كشف الكذب والذى تدرب عليه جيدا قبل سفره على أيدى رجال المخابرات، مما جعله ينجح فى خداعهم ليحصل على أصغر جهاز إرسال تم اختراعه فى ذلك الوقت ليكون جاسوسا دائما فى مصر. وبمجرد وصوله لمصر وفى الميعاد المحدد للإرسال قام بإرسال رسالة موجهة من المخابرات المصرية إلى الموساد يشكرهم فيها على الحصول على جهاز الإرسال، وبعد هذه اللحظة انتهت مهمة أحمد الهوان.

رجل الاعمال أشرف مروان 
الرجل الغامض أشرف مروان من أبرز العملاء المصريين وأكثر الجواسيس جدلا فى تاريخ الجاسوسية بين مصر وإسرائيل، لما عرف عنه بأنه كان عميلا مزدوجا حيث قدم لمصر وسوريا معلومات خطيرة جدا عن إسرائيل، وفى المقابل تقول إسرائيل إنه قدم إليها معلومات عن مصر. اهتمت الصحف الإسرائيلية اهتماما كبيرا بوفاة أشرف مروان واتهامه بأنه عميل مزدوج، فقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» فى تقرير سابق لها «إن هناك غموضا يكتنف وفاة مروان»، ووصفته بأنه كان عميلا مزدوجا ما بين المخابرات المصرية والإسرائيلية، وأنه كان يخشى على حياته منذ أن كشفت إسرائيل عام 2003 أنه عميل كبير للموساد. وقالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إن أشرف مروان عميل مزدوج أفشل تل أبيب فى حرب أكتوبر، وأيا كانت الأسباب وراء موته فإنه ترك بقعة سوداء تلوث تاريخ الجاسوسية فى إسرائيل بعد أن خدعها وجعل من هذه المؤسسة أضحوكة. وكان الجنرال إيلى زيرا، الذى تم إبعاده من منصبه كرئيس للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد فشل تل أبيب فى التنبؤ بالحرب عليها، قد كتب فى كتاب له صدر عام 1993، أن إسرائيل فوجئت بالحرب لأنها وقعت ضحية عميل مزدوج، غير أنه لم يذكر اسمه فى ذلك الكتاب، لكن الصحافة الإسرائيلية قامت بالإشارة إلى اسم أشرف مروان بعد ذلك.

رفعت الجمال الشهير بـــ" رافت الهجان " 
نجم الجاسوسية يظل الجاسوس المصرى «جاك بيتون» أو «رأفت الهجان» أو «رفعت الجمال» والاسم الأخير هو اسمه الحقيقى هو نجم نجوم حرب الجاسوسية بين مصر وإسرائيل حتى الآن، حيث نجح فى خداع إسرائيل على مدى 19 عاماً كاملة، تمكن خلالها من اختراق المجتمع الإسرائيلى بكل فئاته وطوائفه وطبقاته، وتكوين شبكة كبيرة للتجسس داخل إسرائيل لحساب مصر.. وبعد انتهاء المهمة الصعبة المكلف بها، نقل نشاطه التجارى إلى دولة ألمانيا، وهناك توفاه الله. ولم يضع «رأفت الهجان» مصر فى موقف حرج لكى تسعى لمبادلته بجاسوس آخر.. فقد أفلت من قبضة الموساد.. ولم تعرف إسرائيل حقيقته إلا بعد سنوات من وفاته، وتحديداً عام 1988. وكان اسم «رأفت الهجان» هو الاسم الذى أطلقة عليه الروائى صالح مرسى فى روايته عنه وفى المسلسل الذى حمل اسمه وذلك بديلا لـ«رفعت على سليمان الجمال» ابن دمياط، الذى ارتحل إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية عام 1954 حاملا روحه على كفه، وحقق الجمال نجاحات باهرة وبه استطاعت المخابرات المصرية أن تثبت عمليا كذب أسطورة التألق التى تدعيها إسرائيل لجهاز مخابراتها، وفور إعلان القاهرة لهذه العملية المذهلة طالبت الصحفية الإسرائيلية «سمادر بيرى»، فى موضوع نشرته بجريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية - آيسر هريتيل مدير المخابرات الإسرائيلية فى هذا الوقت، بنفى ما أعلنته المخابرات المصرية، وأكدت لمدير المخابرات الإسرائيلية أن هذه المعلومات التى أعلنتها القاهرة تثبت تفوق المخابرات العربية المصرية فى أشهر عملية تجسس داخل إسرائيل ولمدة تقرب من العشرين عاما. واستهدفت الصحفية من نشر هذا الموضوع عرض الحقيقة كاملة، حقيقة ذلك الرجل الذى عاش بينهم وزود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو 1967 وكان له دور فعال للغاية فى الإعداد لحرب أكتوبر 1973 بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط بارليف، كما أنه كون إمبراطورية سياحية داخل إسرائيل، ولم يكشف أحد أمره.
 وجاء الرد الرسمى من جانب المخابرات الإسرائيلية: أن هذه المعلومات التى أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هى إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد.. وأن على المصريين أن يفخروا بنجاحهم!. وبينما يلهث الكل وراء أى معلومة للتأكد من الحقيقة عن هذا المجهول المقيد فى السجلات الإسرائيلية باسم «جاك بيتون» بصفته إسرائيليا ويهوديا، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية موضوعا موسعا بعد أن وصلت إلى الدكتور «إيميرى فريد» شريك الجمال فى شركته السياحية «سى تورز» وبعد أن عرضوا عليه صورة الجمال التى نشرتها القاهرة شعر بالذهول، وأكد أنها لشريكة «جاك بيتون» الذى شاركه لمدة سبع سنوات وأنه كان بجواره مع جمع كبير من صفوة المجتمع الإسرائيلى عندما رشح لعضوية الكنيست الإسرائيلى ممثلا لحزب «مباى» الإسرائيلى «حزب عمال الأرض» ولكنه لم يرغب فى ذلك.
 وفور أن فجرت «جيروزاليم بوست» حقيقة الجاسوس المصرى وأنه شخصية حقيقية وليست من نسج خيال المصريين، كما ادعى مدير الموساد، حصلت الصحيفة أيضا على بيانات رسمية من السجلات الإسرائيلية بأن «جاك بيتون» يهودى مصرى من مواليد المنصورة عام 1919 وصل إلى إسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الأخيرة عام 1973، وأضافت الصحيفة بعد التحرى أن «جاك بيتون» أو رفعت الجمال رجل الأعمال الإسرائيلى استطاع أن ينشئ علاقات صداقة مع عديد من القيادات فى إسرائيل منها: جولدا مائير رئيسة الوزراء، وموشى ديان وزير الدفاع، وخلصت الصحيفة إلى حقيقة ليس بها أدنى شك، وهى أن جاك بيتون ما هو إلا رجل مصرى مسلم دفعت به المخابرات المصرية إلى إسرائيل واسمه الحقيقى «رفعت على سليمان الجمال» من أبناء مدينة دمياط بمصر.

سامية فهمى :
المناضلة الوطنية سامية فهمى سافر خطيبها ماريو لإيطاليا فاستقطبه الموساد الإسرائيلى ليعمل معهم كجاسوس عقب نكسة 67 فحاول دفع خطيبته سامية لذلك، فرفضت وفضلت التعاون مع المخابرات المصرية للإيقاع بماريو وشبكة التجسس التى يعمل معها، حتى استطاعت أن توقع بخطيبها وتكشف للمخابرات المصرية عن أكبر شبكة تجسس إسرائيلية فى إيطاليا تجند المصريين والعرب لصالح التجسس على مصر وسوريا.

السفير رفعت الأنصارى روميو المصرى
أطلق عليه «روميو المصرى» حيث كان شديد الوسامة والذكاء ومثقفا ودبلوماسيا ذاعت شهرته فى الأفق، تحدثت عن مغامراته النسائية مجلة «الهيرالد تريبيون» وكبرى الصحف والمجلات العالمية، حيث قالت إنه كان يخدع النساء بسحره ليحصل على معلومات خطيرة ليرسلها إلى مصر. وصل رفعت الأنصارى البطل المصرى الوسيم إلى كبار مسؤولى الجيش الإسرائيلى والمسؤولين فى تل أبيب بمساعدة النساء، حيث كشف عن موعد غزو إسرائيل فى لبنان عام 82 وخطة الاجتياح بالكامل، كما أبلغ الإدارة المصرية بميعاد الهجوم وأسلوب التنفيذ وهذا أدى إلى تأجيل الاجتياح.

كيبورك يعقوبيان الأرمنى الوطنى 

«كيبورك يعقوبيان» أو يتسحاق كوتشـك ولد فى مصر عام 1938 لعائلة أرمنية، ودرس فى المدارس المصرية وعند بلوغه سن العشرين توفى والده وأصبح العائل الوحيد للأسرة، فتوقف عن الدراسة وعمل بالتصوير حتى يستطيع توفير المال لأسرته. وعلى الرغم من عدم إكمال تعليمه فإنه كان يتحدث أربع لغات بخلاف اللغة العربية وهى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والتركية، وتم تجنيده بواسطة المخابرات العامة المصرية لزرعه داخل إسرائيل وتم تدريبه وإعداده لمدة عام كامل اشتملت على إجراء عملية ختان له، حيث إن اليهود يختنون ولم يكن هو كذلك، وأعطى هوية جديدة باسم «يتسحاق كوتشك» يهودى من مواليد عام 1935 فى اليونان، وسافر إلى البرازيل بناء على الخطة الموضوعة من جانب المخابرات المصرية فى شهر إبريل عام 1960 بحرا وبعد وصوله إلى البرازيل بشهرين اندمج مع الجالية اليهودية فى سان باولو، وفى نهاية عام 1961تقدم إلى مكتب الوكالة اليهودية بطلب هجرة إلى إسرائيل وتم قبول طلبه وأبحر من البرازيل إلى إسرائيل عن طريق إيطاليا ووصل ميناء حيفا فى منتصف عام1961. بعد انتهاء دراسته للغة العبرية فى إحدى الكيبوتسات طلبت المخابرات المصرية منه أن يتجند فى الجيش الإسرائيلى، وبالفعل تم تجنيده فى سلاح النقل لجيش الدفاع الإسرائيلى، وتدرب على قيادة سيارات النقل الثقيلة فى قاعدة عسكرية فى منطقة بيت نبالا بالقرب من مدينة اللد، ثم عين سائقا لأحد الضباط الكبار فى قيادة الدفاع المدنى وهو العقيد «شمعيا بكنشتين»، ومن خلال وجوده فى جيش الدفاع الإسرائيلى أرسل كما هائلا من المعلومات المهمة إلى المخابرات المصرية، ونظرا لخبرته السابقة كمصور، قام بتصوير أهداف عسكرية مهمة كما ورد فى الكتاب الإسرائيلى وباعتراف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التى اضطرت لإجازة طبع الكتاب. قبض على «يتسحاق كوتشك» بعد عدة سنوات من العمل مع المخابرات المصرية وأثناء محاكمته وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأنه حوت ضخم لا يمكن لأجهزة الأمن الإسرائيلية القبض على العديد مثله، وتم الحكم عليه بالسجن ثمانية عشرة عاما، قبل أن تتم مبادلته بثلاثة إسرائيليين كانوا قد اجتازوا الحدود المصرية بدون إذن.

شموئيل سامى باروخ المعلومات مقابل المال 
رجل أعمال إسرائيلى ولد فى عام 1923 بمدينة القدس بالحى القديم والده صيدلى والعائلة ثرية تعيش فى الحى اليهودى بالقدس منذ مدة طويلة، درس فى البلدة القديمة بالقدس، ثم درس فى المدرسة الزراعية بمنطقة برديس حنا ثم انتقل للدراسة فى كلية سانت جورج التابعة للكنيسة الإنجليكانية، ثم أنهى دراسته فى معهد النسيج بمدينة مانشستر فى بريطانيا، وفى عام 1958عاد إلى إسرائيل مع زوجته وعمل كناشط سياسى، حيث انضم إلى حركة سياسية جديدة فى ذلك الوقت تدعى «إسرائيل الشابة»، وتم تعيينه رئيسا للجنة المالية للحركة، وكانت هذه الحركة تعد نفسها للاشتراك فى الانتخابات السادسة للكنيست الإسرائيلى، وكان «باروخ» يرغب بشدة فى دخول الكنيست كعضو منتخب، وبعد إفلاسه فى عام 1963 قرر السفر وعائلته إلى سويسرا فى محاولة لتوفير سيولة مالية بشكل أو بآخر، حتى يعود لبدء نشاطه مرة أخرى فى إسرائيل، ووصل بالفعل إلى جنيف وأقام وأسرته لدى أحد أقاربه هناك، وعلمت المخابرات العامة المصرية بوجوده فى جنيف وبتفاصيل حياته بالكامل، ومنها حالته المالية المتدهورة، وتم تجنيده للعمل لصالح مصر من داخل إسرائيل، ورجع إلى إسرائيل هو وأسرته وقدم معلومات اقتصادية وسياسية مهمة من خلال اتصالاته ومعارفه لعدة سنوات، إلا أن رعونته وثقته الزائدة فى نفسه أدت إلى القبض عليه ومحاكمته وحكم عليه بالسجن ثمانية عشر عاما، أمضى منها 10سنوات ثم أفرج عنه خلال عفو لبعض السجناء وترك إسرائيل وسافر لإحدى الدول الأوروبية التى يعيش بها حتى اليوم.

عبدالرحيم قرمان العين الثاقبة 
ولد عام 1938 لإحدى العائلات العربية الثرية والمحترمة فى مدينة حيفا وكانت عائلته معروفة خلال الانتداب البريطانى بأنها عائلة محترمة ومعتدلة، وجاء ثراء هذه العائلة نتيجة امتلاكهم أراضٍ كثيرة فى مناطق الجليل الغربى ومدينة الكرمل، تلقى تعليمه فى المدرسة الثانوية فى حيفا وغادر قريته فى نهاية الخمسينيات وسافر إلى أوروبا، وتعرف على شابة فرنسية تدعى «مونيك» وتزوجها بعد أن أسلمت وعادا معا إلى إسرائيل، وفى عام 1967 غادر ومعه زوجته إلى فرنسا مرة أخرى من أجل تبنى ولد من أحد مخيمات اللاجئين فى الدول العربية، وتعرف على أحد المصريين الذى قدمه إلى أحد ضباط المخابرات العامة فاستطاع بعد فترة أن يجنده ويدربه للعمل لصالح مصر، وكلف بمهام مهمة للغاية، حسبما جاء بكتاب الجواسيس الإسرائيلى، منها تصوير سفن سلاح البحرية الإسرائيلى فى حيفا، وتصوير الصواريخ من طراز «جبرائيل» التى تطلق من البحر على أهداف بحرية، وكانت هذه الصواريخ من الأسرار العسكرية المهمة فى جيش الدفاع الإسرائيلى، كما كلف باختبار ملاءمة طريق حيفا عكا لإقلاع وهبوط الطائرات الحربية وقت الطوارئ، ومحاولة التقرب من اليهود، خاصة الذين يسافرون كثيرا للخارج، مع التركيز على العاملين فى القوات الجوية الإسرائيلية، وفى ربيع عام 1969 نجح قرمان فى تجنيد عميل جديد للمخابرات المصرية بناء على التعليمات الصادرة له، وجند توفيق فياض بطاح البالغ من العمر ثلاثين عاما، ويعمل موظفا فى جمارك ميناء حيفا، حيث رؤى ضرورة وجود أحد العملاء بصفة دائمة داخل الميناء لمراقبة القطع البحرية الإسرائيلية والإبلاغ عن كل المعلومات والتفاصيل عنها، وهو الأمر الذى تم بنجاح حتى نهاية عام 1970وقبض عليهما لعدم اتباعهما تعليمات الأمن المستديمة، وحكم على قرمان بالسجن لمدة اثنى عشر عاما واستأنف الحكم أمام محكمة العدل العليا التى حكمت عليه بستة عشر عاما بزيادة أربعة أعوام عن الحكم الأول، أما توفيق بطاح فحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات وظلا بالسجن لمدة أربعة أعوام، وقامت المخابرات العامة المصرية بتبادلهما، ومعهما آخران عام 1974مقابل مبادلة الجاسوس الإسرائيلى «باروخ زكى مزراحى» ثم قررا السفر إلى إحدى الدول الأوروبية للإقامة بها.

هبه سليم الصعود للهاوية 
هبة عبدالرحمن سليم عامر، وخطيبها المقدم فاروق عبدالحميد الفقى، الجاسوسة التى بكت من أجلها جولدا مائير حزناً على مصيرها، بعدما وصفتها بأنها «قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل»، وعندما جاء «هنرى كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكى ليرجو الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتخفيف الحكم عليها، كانت هبة تقبع فى زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الأمريكى، و تنبه السادات فجأة إلى أنها قد تصبح عقبة كبيرة فى طريق السلام، فأمر بإعدامها فوراً، ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التى باعت مصر ليس من أجل المال أو الجنس أو العقيدة، ولكن بعد أن تعرضت لعملية غسيل مخ، أوصلتها إلى إمداد تل أبيب بمواقع بطاريات الصواريخ الروسية الجديدة المضادة للطائرات، عبر خطيبها المقدم فاروق.

على العطفى جاسوس فى قصر الرئاسة 
تقول بيانات الجاسوس إن اسمه «على خليل العطفى» من مواليد حى السيدة زينب فى القاهرة عام 1922، الذى ارتبط من خلال عمله بشبكة علاقات قوية بكبار المسؤولين فى مصر، وكان فى مقدمة أصدقائه السيد كمال حسن على أحد من تولوا رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية، ورئاسة الوزراء فى مصر، وكان طريقه لتلك الصداقات صديق عمره الكابتن عبده صالح الوحش نجم النادى الأهلى فى ذلك الحين، والمدير الفنى للمنتخب الكروى المصرى وقتها، الذى جعله المشرف على الفريق الطبى للنادى الأهلى، فتعددت علاقاته، حتى أصبح المدلك الخاص لرئيس الجمهورية بدءاً من عام 1972. أحيل العطفى إلى محكمة أمن الدولة العليا فى القضية رقم 4 لسنة 1979، حيث أصدرت حكمها عليه بالإعدام شنقًا، لكن الرئيس السادات خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة فحسب، ورفض الإفراج عنه أو مبادلته رغم الضغوط السياسية التى تعرض لها وقتها من رئيس الوزراء الإسرائيلى «مناحم بيجن» الذى تعددت لقاءاته بالسادات خلال تلك الفترة، وهما يعدّان لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل.

انشراح موسى وزوجها ابراهيم سعيد شاهين الشهيرة بــ " دينا حليم " 

ولدت المصرية انشراح على موسى عام 1937 لاسرة متوسطة الحال ، وبرغم التقاليد المتزمتة فى ذلك الوقت دخلت الفتاة الصعيدية المدرسة وواصلت تعليمها حتى حصلت على الشهادة الاعدادية عام 1951 .

وبعد نجاحها بايام قليلة اراد والدها مكافاتها فاصطحبها معه الى القاهرة لحضور حفل عرس احد اقاربه ، لتلتقى فتاها الذى حرك فيها دماء الانثى وهو ابراهيم سعيد شاهين ابن العريش المولود عام 1929 ، الذى ما غادر الحفل الا وعرف عنها كل شىء ، وبعد ايام قلائل فوجئت به يطرق باب بيتها فى المنيا برفقته والده .

كان ابراهيم شاهين يعمل كاتب حسابات بمكتب مديرية العمل بالعريش ، بدا سلكه الوظيفى مغمورا يتعجل زيادة دخله بوسائل مشروعة وغير مشروعة الى ان وقع فى جريمة رشوة لطخت سمعته وحبس ثلاثة اشهر ، خرج بعدها ليكتشف مدى قسوة الظروف التى تمر به .

واجتاحت اسرائيل سيناء واحتلتها فى يونيو 1967 ، وسط هذا المناخ كانت المخابرات الاسرائيلية تعمل بنشاط زائد ، وتسعى لتصيد العملاء بسبب الضغوط المعيشية الصعبة وظروف الاحتلال ، وبالفعل نجحت فى استقطابه .

ولوح له ضابط الموساد الذى استقطبه باغراءات ما كان يحلم بمثلها يوما ، نظير اغراقه بالنقود وتامين حياته وذويه فى العريش ، وافق ابراهيم على التعاون مع الاسرائيليين فى جمع المعلومات عن مصر ، وتسلم كدفعة اولى الف دولار فى الوقت الذى لم يكن يملك فيه ثمن علبة سجائر .

وسافر شاهين الى بئر سبع وهناك تغير المشهد ، اذ تحول الى جاسوس لاسرائيل وعينا لها على وطنه ، وعندما رجع الى بيته محملا بالهدايا لزوجته واولاده ، دهشت انشراح وسالته عن مصدر النقود فهمس لها بانه ارشد اليهود عن مخبا فدائى مصرى فكافاؤه بالف دولار ، بهتت الزوجة البائسة لاول وهلة ثم سرعان ما عانقت زوجها سعيدة بما جلبه لها ، وقالت له فى امتنان كانوا سيمسكونه لا محالة ان عاجلا ام اجلا ، فسالها فى خبث الا يعد ذلك خيانة ؟ فغرت فاها وارتفع حاجبها فى استنكار ودهشة واجابته : مستحيل ، كان غيرك سيبلغ عنه وياخذ الالف دولار ، انت ما فعلت الا الصح .

لكن انشراح التى تعاونت مع زوجها فى التجسس على بلادها من اجل الدولارات وباعت شرفها لرجل الموساد الذى ضاجعته لم يستمر حلمها طويلا ، فى 24 اغسطس 1974 ، وصلت انشراح الى مطار القاهرة الدولى قادمة من روما ، وحين دخلت منزلها كان رجال المخابرات المصرية فى انتظارها بعد ان وصلوا لزوجها من خلال محاولته لارسال اولى برقياته لرؤسائه فى اسرائيل.

وتمكنت المخابرات المصرية من التقاط الذبذبات من خلال اختراع سوفيتى حينذاك ، حين وصلت الى منزلها وادارت اوكرة الباب وجدت رجال المخابرات المصرية فى انتظارها فوقفت بلا حراك ، وبالت على نفسها عندما تقدم احدهم ورحب بها بقوله " حمدلله على السلامة يا مدام دينا " .
فى اواخر الثمانينات استضافت الاذاعة الاسرائيلية سيدة اسمها ( دينا بن ديفيد ) وقد صرحت السيدة بانها فخورة بما قدمت لاسرائيل وللشعب الاسرائيلى ، هذه السيدة كانت انشراح موسى .

كما نشرت صحيفة يديعوت احرونوت عام 1989 موضوعا عن انشراح واولادها قالت فيه : ان انشراح شاهين (دينا بن دافيد ) تقيم الان مع اثنين من ابنائها بوسط اسرائيل وهما محمد وعادل بعد ان اتخذت لهما اسماء عبرية هى حاييم ورافى اما الابن الاكبر نبيل فقد غير اسمه الى يوشى .

وتقول الصحيفة أن دينا بن دافيد تعمل عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا وفى أوقات الفراغ تحلم بالعودة للعمل كجاسوسة لإسرائيل في مصر!، بينما يعمل ابنها حاييم كحارس ليلي بأحد المصانع، أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل وهاجر هو وزوجته اليهودية إلى كندا حيث يعمل هو وزوجته بمحل لغسل وتنظيف الملابس.

تمت محاكمة الخونة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وأصدرت المحكمة حكمها بإعدام إبراهيم وانشراح بينما حكم على ابنهما الأكبر نبيل بالأشغال الشاقة وأودع الولدان محمد وعادل بإصلاحية الأحداث نظرا لصغر سنهما، ونفذ حكم الإعدام في إبراهيم شاهين شنقا، بينما تم الإفراج عن انشراح وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.
وقد حولت قصتهم الى مسلسل " السقوط فى بئر سبع ".

هذه جزء من بعض الملفات والوثائق الموجودة فى المخابرات المصرية ، التى كان لها الفضل العظيم فى انتصار اكتوبر عام 1973 ، اردت فى هذه المناسبة العظيمة ان اسلط الضوء على دورهم الوطنى والتاريخى وان اوجه لهم تحية اعزاز وتقدير لما يقومون به تجاه الشعب المصرى والوطن من حمايته والتصدى لاية عنصر من العناصر المتامرة والحاقدة على الوطن .. تحيا مصر .
تابع موقع تحيا مصر علي