عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

"أمل دنقل" شاعر الرفض.. صراع بين متكافئين الموت والشعر

تحيا مصر

"لا تصالح على الدم.. حتى بدم!.. لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ.. أكلُّ الرؤوس سواء؟.. أقلب الغريب كقلب أخيك؟!.. أعيناه عينا أخيك؟!.. وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك.. بيدٍ سيفها أثْكَلك؟.. سيقولون: ها نحن أبناء عم.. قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك" هذا هو شاعر الرفض امل دنقل وهذه هى قصيدته االرائعة الخالدة "لا تصالح" التى كتبها عندما عقد الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي صارت من وقتها أشبه بمنشور شعرى سياسى يتداوله ويردده الرافضون للصلح مع إسرائيل.

امل دنقل ابن محافظة قنا قرية القلعة مركز قفط، المولود فى عام 1940،"الجنوبى" الذى تحل اليوم ذكرى وفاته الثالثة والثلاثون حيث حط طائر الموت فى 21 مايو 1983 بغرفته رقم 8 بمعهد الاورام بالقاهرة، ليعصف بزهرة الشعر العربى الحديث، والتى ظلت تقاوم حتى اللحظة الاخيرة ضد مرض السرطان.

أنهى أمل دراسته الثانوية في قنا، ثم هبط إلى القاهرة ليلتحق بكلية الآداب، لكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول، وعاد أدراجه إلى قنا ليعمل موظفًا بالمحكمة، ثم عمل بين جمارك السويس والإسكندرية، لكنه كان دائم الفرار من قيود الوظيفة إلى الشعر فكان يقول "أنا لم أعرف عملا لي غير الشعر، لم أصلح في وظيفة، لم أنفع في عمل آخر"، توصل أمل دنقل إلى تلك النتيجة قبل أفول نجمه بثلاثة أيام فقط !

أطلق "دنقل" أول صرخة شعرية له عام 1969 في ديوانه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، وهو الديوان الذي جسد فيه الشعور العربي المحتقن عقب نكسة 1967، ثم تتابعت دوواينه "تعليق على ما حدث"، و"مقتل القمر"، و"العهد الآتي" و"أقوال جديدة عن حرب البسوس"

تزوج امل دنقل من الصحفية "عبلة الروينى" التى كانت تعمل بجريدة اخبار اليوم، عام 1978، حيث وصفته عبلة قائلة: "صخري، شديد الصلابة، لا يخشى شيئًا ولا يعرف الخوف أبدًا.. لكن من السهل إيلام قلبه"، كان امل دنقل متعدد الصداقات تجمعه صداقة خاصة مع الشاعر "نجيب سرور" والشاعر "عبد الرحمن الابنودى" والاديب" يحيى الطاهر عبد الله الذى رثاه دنقل بعد وفاته قائلا :
ليت "أسماء" تعرف أن أباها صعد..لم يمت
وهل يمت الذي "يحيى" كأن الحياة أبد

في معهد السرطان اكتمل "دنقل" شعريًا، وبلغ ذروة نضجه الشعرى عندما عبر عن معاناته مع المرض، وتصوراته عن الحياة، ولحظات ما قبل الموت، في ديوانه الاخير "أوراق الغرفة 8"، بنمط مختلف عن كل ما كتب من شعر، وهو ما عبّر عنه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قائلاً: "إنه صراع بين متكافئين.. الموت والشعر".
فيقول دنقل فى قصيدة "ضد من؟":
"في غُرَفِ العمليات.. كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ.. لونُ المعاطفِ أبيض..تاجُ الحكيماتِ أبيضَ، أرديةُ الراهبات، الملاءاتُ،لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن قرصُ المنوِّم، أُنبوبةُ المَصْلِ، كوبُ اللَّبن.. كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.. كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ.. فلماذا إذا متُّ يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..بشاراتِ لونِ الحِدادْ هل لأنَّ السوادْ..هو لونُ النجاة من الموتِ لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ".

مات امل دنقل، وترك ارثا شعريا فذا وفريدا يتغنى به كل من يرفض الظلم والديكتاتورية ونفاق المجتمع‏.

آه... ما أقسى الجدار
عندما ينهض في وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر... كي نثقب ثغرة
ليمر النور للأجيال... مرة !
ربما لو لم يكن هذا الجدار
ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
تابع موقع تحيا مصر علي