عاجل
الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

الصين الفائز الأكبر من انتصار "بشار الأسد" في سوريا.. مدشق مركزاً لوجستياً رئيسياً للصين وتضمن استثماراتها في الدول المجاورة.. تتمسك بعمليات إعادة الإعمار والمساعي الاقتصادية في الدول العربية

تحيا مصر

كتب الصحفي توم أوكونور، بمجلة "نيوزويك" الأمريكية، أن الصين قد تكون الفائز الأكبر إذا ما نجح الرئيس السوري بشار الأسد في إستعادة نفوذه على كل الأراضي السورية.

ويستهل أوكونور تقريره بالإشارة إلى أن قصف روسيا لمواقع المعارضة ودعمها المفتوح لنظام بشار الأسد في سوريا يعني أن دور موسكو في الحرب الأهلية التي اندلعت قبل ست سنوات كان محط الأنظار والاهتمام في عام 2017، ولكن تغيّر مصير الأسد يعود أيضاً إلى داعم آخر "أقل شهرة" وهو الصين.

خطة الصين للمنطقة
ويوضح أوكونور أن صعود الصين على الساحة العالمية ليس جديداً، بيد أن مؤتمر الحزب الشيوعي الذي عقد في شهر أكتوبر الماضي قد سلط الضوء على مدى قوة الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي خصص موارد واسعة لإصلاح الجيش الصيني وتطوير طرق التجارة التاريخية بين آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وفي كل تلك المساعي، من شأن عودة نفوذ الأسد في سوريا أن يصب في مصلحة بكين.

وينقل عن كمال علام، محلل عسكري سوري بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن في لندن، قوله إنه "يمكن أن تصبح سوريا مركزاً لوجستياً رئيسياً للصين؛ وبخاصة لأن تاريخها يُعد مفتاح تحقيق الاستقرار في بلاد الشام، وهذا يعني أنه ينبغي دمجها في خطة الصين للمنطقة. ومن الناحية الأمنية، إذا لم تكن سوريا آمنة، فإن الاستثمار الصيني في الدول المجاورة سيكون في خطر".

الروح الاستبدادية المشتركة
ويضيف علام: "ومن الناحية الثقافية يتوافق الطابع العلماني للحكومة السورية مع مبادئ الحزب الشيوعي، وقبل الحرب الأهلية كانت سوريا تحت حكم بشار الأسد مزيجاً من الاشتراكية واقتصاد السوق، مع التركيز بشكل خاص على التعليم والولاء للدولة أكثر من الدين، وهو أمر جاذب بالنسبة للصين وبخاصة في منطقة تشهد دولها صعود الأصولية الدينية".

ويلفت التقرير إلى أن الروح الاستبدادية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا تتماشى دائماً مع النظام الاشتراكي للصين، وقد أمدت بكين سوريا بمكونات الأسلحة منذ تسعينيات القرن العشرين على الأقل، ولكن العلاقات بين روسيا والصين ازدهرت بشكل كبير مع تولي بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده الرئيس حافظ الأسد في عام 2000. وخلال عام 2002، اقترحت الصين إنشاء مركز لانتاج صواريخ "سكود" في سوريا، وباتت الصين واحدة من أكبر خمس موردين للأسلحة التقليدية لسوريا خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2010، ولم يتوقف توريد الأسلحة في العام التالي عندما اندلعت الاشتباكات بين قوات الأمن السورية والمتظاهرين في الحرب الأهلية التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد.

الحرب الباردة الثانية
وعلى الرغم من انحياز الغرب وتركيا وبعض الدول العربية إلى مختلف جماعات المعارضة المسلحة التي طالبت بالإطاحة بحكومة الأسد في عام 2011، فإن موقف كل من الصين وروسيا قد منع التدخل الأجنبي خلال تصويت الأمم المتحدة في شهر أكتوبر للعام 2011. ولم تتردد روسيا في اتخاذ قرارها؛ حيث تعود العلاقات الوثيقة بين موسكو ودمشق إلى عام 1971 على الأقل، عندما تحالف الرئيس حافظ الأسد مع الاتحاد السوفيتي طوال الحرب الباردة.

وبحسب "نيوزويك"، اتخذ دعم الصين للأسد مساراً بعيداً عن الولايات المتحدة وروسيا (التي باتت الحرب الباردة الثانية بينهما وشيكة)؛ إذ ركزت الصين على تعزيز مصالحها في الخارج واستمرت في بيع الأسلحة وأرسلت عدداً محدوداً من الأفراد لتدريب القوات السورية، فضلاً عن التمسك بعمليات إعادة الإعمار والمساعي الاقتصادية. ولذلك يرى المحللون أن الصين لا تواجه المخاطر نفسها التي يتعرض لها الروس والإيرانيون ولم تشارك قواتها في القتال ولم تتكبد خسائر.

مخاطر عودة مقاتلي الإيغور
وعلاوة على ذلك، تشعر الصين بالقلق الشديد لأن قرابة 5000 صيني يقاتلون في سوريا بين صفوف الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، ولدى الصين مصلحة أمنية في استقرار سوريا. وخلال الشهر الماضي، أجرت وكالة "أسوشيتدبرس" مقابلات مع مقاتلين ينتمون لجماعة "الإيغور"، وهم أقلية عرقية مسلمة في الصين، اعترفوا فيها أنهم سافروا إلى سوريا للانضمام إلى الانتفاضة ضد الأسد لتحقيق هدف واحد وهو الاستفادة من التدريب لشن هجمات ضد الصين، بغض النظر عن بقاء الأسد أو سقوطه.

وينوه التقرير إلى أن سكان الإيغور يعانون من اضطراب أوضاعهم منذ فترة طويلة، وقد اتهموا الحكومة الصينية بقمع هويتهم الثقافية والدينية والعرقية، واتخذت بكين موقفاً متشدداً ضد الهجمات المسلحة المزعومة من الإيغور. ويعتبر الخبراء أن مخاوف الصين بشأن الإرهابيين المتشددين في سوريا متأصلة في مخاوفهم بشأن المتشددين الإسلاميين في الداخل.

الفرص المربحة
وعلى عكس الغرب الذي يتعامل بحذر مع محاولة موسكو لإنهاء الصراع السوري من خلال مفاوضات آستانة، احتضنت الصين المبادرة الروسية، وفي سبتمبر الماضي كانت الصين من الدول المرشحة لمراقبة المفاوضات. وخلال الشهر الماضي عقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي اجتماعاً مع بثينة شعبان مستشارة الأسد لبحث "دور أكبر في هذه العملية" للصين.

ويختتم تقرير "نيوزويك" بأن الصين بدأت بالفعل تأمين حصتها الاقتصادية في إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب، وهي لا تهتم بأن تسفر عملية السلام عن انتقال سياسي قوي لا يتضمن بشار الأسد، كما تطالب الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرين؛ إذ إنها أكثر اهتماماً بالاستفادة من الفرص المربحة عقب تغيير النظام في دولة تقع على مفترق طرق الشرق الأوسط والبحر المتوسط؛ فهي نقطة اتصال رئيسية لحزام الصين أو مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" الذي يستهدف إعادة بناء وتوسيع الطرق التجارية التاريخية للصين في جميع أنحاء آسيا ونحو أوروبا وأفريقيا، ولا شك في أن الصين تسعى وراء مصالحها التجارية والاستثمار في المستقبل.
تابع موقع تحيا مصر علي