عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

وحيدون جداً !

تحيا مصر

فى بقعة الأرض المزدحمة بضوضاء الحياة هناك من تزدحم نفوسهم بأشلاء حياةٍ وبعض من السكون المخيف ، يفكرون كثيراً .. أكثر من طاقة العقل الاحتمالية ، تجدهم قريبين جداً منك ولكن تشعر أنك بعيد أشد البعد عنهم ، فهم وحيدون جداً حيثما وُجُدوا .. وفى الحقيقة هم لا يتذكرون متى امتهنوا بتلك الحالة .
لا تسأل الوحيدون جداً عن حالهم فهم دائماً وأبدأ فى أفضل حال ، فلهم أن يموتوا داخليا ألفين مرة عن أن يقولوا أنهم ليسوا بخير ، فهم فقط تعودوا أن يعالجوا خرابهم الداخلى وحدهم ، فلا تندهش حينما يرد أحدهم عليك قائلاً : "لا تقلق ، سأصبح جيداً وحدى" ، فذلك أمر أصبح اعتيادى لديهم .
ولا تسأل أيضاً لم هم وحيدون جداً مهما اندمجوا مع بشر عظماء ؟ فهم ببساطة كمثل وردة صغيرة وُضِعت فى مهب الرياح وحدها ... كانت تتمايل وتهتز وحدها تحاول أن تسند ظهرها المتعب جداً فإذ بها وجدت اللاأحد !
فذبلت هناك وحدها أيضاً وضعفت حتى الثمالة ولكن تبعاً لقانون استمرارية الحياة التى لا مفر منه غلفت نفسها بعطرٍ سميك لا ينهزم ، وغلفت وحدتها جيداً ، وباتت تقنع نفسها كل دقيقة أنها قوية وتستحق ما تبقى لها من حياة ، ولكن بعدها غصب عن إرادتها فقدت الثقة فى الكل عدا نفسها القوية التى ثابرت معها واستمدت منها العون ، كما أن بعدها أيضاً لم تعد هى !

التفاصيل الدقيقة ترهقهم جداً لعل هذا يعبر عن بقايا الحياة بداخلهم أو لعل هذا ما استطاعوا الاحتفاظ به من أنفسهم البالية عبر الزمن فتجدهم متمسكين بها بجدارة .
تجدهم أول من يحتضنوك برفق و يطبطبون بخفة على ظهرك المُسنَد إليهم حينما تسلبك الحياة شيئاً ما أو تذوقك طعم الخسارة .. وذلك لأنهم يعرفون جيداً مدى تأثير البكاء ليلاً وحيداً على الروح إلى جانب التشنجات الليلية والأرق ، فهم أول من يصرون على إخراج ما بك و يستحثونك على الكلام ، فهم أيضاً مدركون جيداً بتأثير الكتمان وعلاقته بإنهاك الجسد والأمراض المزمنة.
أما إن قررت أن تقترب منهم ففكر مراراً و تكراراً قبل أن تفعل ، لأنهم حين يشعرون بأى محاولة للبعد ثانيةً بعد القرب ، سيبعدونك عن طريقهم بلا شفقة ، سيبعدونك نهائياً ، فببساطة إن روحهم أكثر هشاشة من أن تتحمل خذلان جديد ، ولن يهمهم ذلك أبداً لأنك لن تكون أغلى أبداً ممن رحل !
إن كنت تظن أن يمكنك إصلاح الأمور ببعض من كلام التنمية البشرية المتفائل المنفتح على الحياة بكلتا ذراعيه ، فالأفضل لك أن توفر ثرثرتك لنفسك ، فهم مدركون أن الحياة ليست جميلة والبشر ليسوا أنقياء كما هم أصبحوا أيضاً ، فكل ما يعرفون أن الحياة صعبة جداً تستهلك كل قوتك لاجتيازها بأقل خسائر ممكنة ، وما ذلك الكلام المتفائل الجميل سوى عطور رخيصة الثمن تتجمل بها البشر وهم يعرفون أنها مزيفة .
لا ترهق تفكيرك وتشك فى إيمانهم ، فهم مؤمنون جداً يحاولون بكل جهدهم أن يتخطون ضعف أنفسهم ... يصلون بكثرة حتى يخلق لهم الرب كل فترة زمنية دوافع جديدة تجبرهم على الحياة ويخلق لهم أيضاً أشخاصاً جميلة تقول لهم : "ها نحن هنا بجانبكم" يتعجبون قليلاً من تأخر هؤلاء الجميلون جداً ، فلو كانوا هنا حيث دب أول عطب فى الروح لربما كان كل شئ سار على ما يرام ! ولم يصبحوا أبداً وحيدون جداً بائسون جداً !
ولكنهم تعلموا أيضاً ألا تمر على ألسنتهم ذلك الحرف العقيم الذى لا يجدى "لو" .. وذلك لأن الحياة علمتهم أن يتقبلوا الخسارات بروح رياضية ، ثم يتجهوا إلى النافذة مبتسمين بعض الشئ قائلين بصوت ناضج : "إنه القدر" .... ثم تنهيدة محملة بكل شئ .. ثم نظرة شاردة.
تابع موقع تحيا مصر علي