عاجل
الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

يهود إثيوبيا يحبون البقاء في إسرائيل رغم القمع.. ما الأسباب؟

تحيا مصر

هبطت يوم الاثنين الماضي، في مطار بن جوريون بتل أبيب، طائرة تقل اثنين وثمانين مهاجرًا يهوديًا إثيوبيًا، ليصبحوا مواطنين في إسرائيل، بموجب ”قانون العودة“.

ربما لم يكن هؤلاء يعلمون أن الآلاف من سابقيهم من اليهود الإثيوبيين كانوا يتظاهرون في تل أبيب، قبل وصولهم بخمسة أيام فقط، احتجاجًا على ما وصفوه بالتمييز ضدهم.

الاحتجاج جاء على خلفية قتل شرطي إسرائيلي شابًا يهوديًا من أصول إثيوبية، يدعى ”يهودا بايدجا“، نهاية ينايرالماضي، أثناء حمله سكينًا في مدينة ”بات يام“ جنوب تل أبيب، فيما قالت عائلة القتيل إنه كان مصابًا بمرض نفسي.

صحيفة ”يديعوت أحرونوت“ العبرية نقلت عن أحد منظمي الاحتجاج، ويدعى ”داسلي تكلا“، قوله ”نواجه جهاز الشرطة، الذي يتصرف كعصابة إجرامية.. هذا الشرطي قاتل.. لقد انتقلوا من العنف إلى القتل.. قتلوا عشرة أشخاص حتى الآن.. ودولة وحكومة إسرائيل تفسران تسامحنا بأنه خوف“.

طمس ثقافة الشرقيين

في عام 1950 ألقى رئيس الوزراء، دافيد بن غوريون (1948 – 1953 / 1955 – 1963) خطابًا حول خطته لإيجاد مجتمع يهودي جديد متجانس، في ظل هجرة يهود إلى الكيان الجديد (إسرائيل) من خلفيات ثقافية متباينة شرقية وغربية.

وسمى بن غوريون خطته ”بوتقة الصهر“، وتقضي بدمج اليهود في آلية واحدة ينصهرون فيها معًا، لينتج عنها ”اليهودي الإسرائيلي الجديد“.

وسُمي اليهود الجدد، الذين كان يفترض أن يكونوا نتاج ”بوتقة الصهر“، باسم ”يهود الصابرا“.

وقال بن غوريون في خطابه ”في اللحظة التي يصل فيها يهودي من العراق إلى البلد يصبح يهوديًا عراقيًا ويركز على العراق، وعندما يلتقي يهودي عراقي بيهودي روماني في معسكرات المهاجرين سيشعران بالاختلاف وبالمسافة بينهما. ولن يكون بمقدورهما التواصل، فحياتهما مختلفة، ولا يمكنهما الاندماج والتجانس في فترة قصيرة“.

وأردف ”ما يحدث هو تجمع لقبائل مختلفة ومتباعدة، والأصح أنه تجمع لقطع ممزقة لا تجانس بينها، وجمعهم معا في بقعة أرض واحدة سيبرز الاختلافات والفجوات بينهم“.

لاحقاً، فشلت خطة بن غوريون؛ بسبب النظرة الاستعلائية والسلوك العنصري للطبقة الحاكمة البيضاء تجاه اليهود الملونين.

خطوات تمييزية

بحسب الباحث والمحاضر في جامعة حيفا، الدكتور أرييه كيزل، في كتابه ”الرواية الشرقية الجديدة في إسرائيل“ (2015)، فإن النخب الأشكنازية (من أصول أوروبية) نفذت خطوات تربوية، ضمن سياسة ”بوتقة الصهر“، شملت إجراءات تفضيل وتمييز مكشوفة وخفية، وبينها إجراءات ضد اليهود الشرقيين (سفاراديم).

بهذا الشكل جرى وضع مناهج تعليم رسمية اتسمت بأنها ذات طابع أوروبي بالأساس، ومنحت مكانًا صغيرًا جدًا لثقافة يهود الشرق، وبرز فيها نموذج ”الصابرا“ على أنه النموذج المطلوب لصورة اليهودي الجديد، أي الإسرائيلي.

أكثر يمينية

د. هنيدة غانم، مدير عام المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، قالت إن ”الهدف من بوتقة الصهر كان إيجاد مجتمع يهودي أوروبي، لكن ديناميكية المجتمع الإسرائيلي ذهبت إلى مجتمع مغاير، فهو يميل إلى التدين، وأقل علمانية وأكثر يمينية.. ففكرة بوتقة الصهر لم تكن ذات صلة بواقع اليهود حينها“.

وفيما يخص اليهود الإثيوبيين رأت أن ”لهم ظرفًا خاصًا أيضًا، فهم أقلية صغيرة ذات خلفية ضعيفة، يواجهون مشاكل مشابهة لما يواجهه المهاجرون الحاليون في دول أخرى، وتكيفهم مع المجتمع الجديد بطيء جدًا“.

وتابعت ”بالطبع هناك عنصرية مخيفة تجاههم، سواء بسبب لون البشرة أو مستوى قدرتهم على الوصول إلى المتطلبات للمنافسة في السوق الإسرائيلية“.

واستطردت ”فهم قادمون من خلفية محدودة ماليًا وأكاديميًا مقارنة بالمهاجرين الروس مثلاً، فالروس جاءوا مع خلفيات ورأسمال مال مكّن الجيل الثاني منهم من المنافسة بقوة، فضلاً عن كونهم من ذوي البشرة البيضاء، وهذا سهل اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي بسرعة“.

ويتألف المجتمع اليهودي في إسرائيل من اليهود الغربيين والشرقيين، وأضيف إليهم لاحقًا اليهود الروس والإثيوبيون.

وذكر مركز ”مدار“، في تقريره الاستراتيجي لعام 2017، أنه من الصعب حصر نسبة الشرقيين إلى الغربيين؛ لكن تقرير مركز الإحصاء الإسرائيلي لعام 2015 أفاد بأن اليهود الغربيين باتوا أقل من الشرقيين في إسرائيل، دون تحديد أرقام، ولم يشر المركز في التقارير اللاحقة إلى هذا الجانب.

حسب مركز الإحصاء يعيش في إسرائيل حتى نهاية 2017 حوالي 148 ألف شخص من أصول إثيوبية، منهم 87 ألفًا ولدوا في إثيوبيا، ونحو 61 ألفًا ولدوا في إسرائيل.

كراهية اليهود لليهود

يرى البروفيسور أوري ديفيس، الخبير في الشأن الإسرائيلي والصهيونية، في حديث للأناضول، أن ”العنصرية أو كراهية اليهود لليهود تتجلى في الممارسة الناتجة عن التاريخ السكاني للاستعمار-الاستيطاني الصهيوني-السياسي لفلسطين التاريخية، عبر الموجات المتتالية للمهاجرين الأشكنازيين الأوروبيين، وحتى تأسيس دولة الفصل العنصري- إسرائيل عام 1948“.

وأضاف ديفيس أنه خلال عقدين، بعد 1948، وصلت موجات من اليهود ”الملونين“ من أصول غير أوروبية، خاصة من دول عربية إلى إسرائيل، وعرفوا باسم اليهود الشرقيين (المزراحيم).

وأردف أنه رغم أن هؤلاء اعتبروا يهودًا لا تنطبق عليهم قوانين فرضت على عرب فلسطين، إلا أنهم تعرضوا لممارسات عنصرية طبقية من جانب الحكومة، التي يقودها السياسيون اليهود من أصول أوروبية.

وتابع أنه رغم مرور عقود على أكبر هجرة لليهود الإثيوبيين مثلاً (بدأت عام 1982)، إلا أن التمييز العنصري بين الأسود وغير الأسود ما يزال قائمًا بشكل راسخ.

فجوات ضخمة

من أشكال العنصرية ما كشفت عنه دراسة إسرائيلية أعدها البروفيسور يوفال البشان، عميد ”الكلية الأكاديمية أونو“، ونُشرت في أغسط 2018.

الدراسة أفادت بوجود فجوات ضخمة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين في سوق العمل الإسرائيلية.

وأوضحت الدراسة، التي نشرت القناة الثانية (الثانية عشرة حاليًا) جزءًا من نتائجها، أن 78 % ممن يتخذون القرار بقبول الموظفين الجدد في الوظائف الحكومية هم من اليهود الغربيين، مقابل 22 % من اليهود الشرقيين.

ويتولى 60 % من الأشكنازيين إدارة أقسام الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية، مقابل 40 % من الشرقيين.

وفي مكاتب المحامين المرموقة تبلغ نسبة المحامين اليهود من أصول غربية 84 % ، مقابل 16 % لليهود الشرقيين.

وفي سوق مدققي الحسابات تبلغ نسبة اليهود الغربيين 73 % مقابل 27 % للشرقيين.

وفيما يخص الرواتب، بينت الدراسة أن 69 % ممن يحصلون على رواتب عالية في الشركات الكبرى هم من اليهود الغربيين، مقابل 31 % من اليهود الشرقيين.

”الفهود السود“

تلك الممارسات السلطوية الأشكنازية، بحسب د. كيزل، أدت إلى رد فعل من جانب الشرقيين، تمثل في ظهور حركة ”الفهود السود“، التي اصطدمت مع السلطات عام 1971.

بعدها انتقلت الحركة إلى مرحلة السياسة الحزبية حتى عام 1977، عبر صعود حزب الليكود (يميني) للمرة الأولى إلى الحكم بتأييد واسع من الشرقيين، الذين سعوا إلى الانتقام من سياسة حزب ”المعراخ“ (العمل لاحقًا).

وتبع ذلك سلسلة من المحطات في نضال الشرقيين، وصولا إلى تأسيس حركة ”القوس الديمقراطي الشرقي“، الذي يُصف، مع هيئات أخرى، باسم ”الشرقيين الجدد“.

تغيير.. ولكن

في معظم مراحل ”النضال الشرقي القديم“ ضد الصهيونية، باعتبارها ”حركة التحرر للشعب اليهودي“، أو ضد ”شرعية الطابع اليهودي للدولة“، كان المطلوب هو المساواة في ظروف المواطنة بين الشرقيين والأشكناز، بحسب كيزال.

وترى غانم أنه ”يحدث تغيير بنيوي في المجتمع الإسرائيلي، فمن كانوا في هوامش المجتمع، كاليهود الشرقيين وسكان مدن التطوير (مدن هامشية)، تحولوا إلى المركز، ورغم محاولات الأشكناز تهميهشم، إلا أنهم موجودون الآن في قلب عملية صنع القرار“.

وأضافت: ”فمثلا 80 % من أعضاء الليكود حاليًا هم من اليهود الشرقيين، والشرقيون لهم أيضًا الحضور البارز في حزب العمل“.

وتابعت: ”كما توجد تغييرات ديمغرافية أخرى، فالمتدينون (الحريديم)، الذين كانوا على الهامش، برز دورهم مؤخرًا“.

لكن غانم استدركت بقولها إن ”الإحصاءات تفيد بوجود فجوات كبيرة ما تزال قائمة بين اليهود الغربيين والشرقيين، إذ توجد طبقات كبيرة تعاني من الفقر تتركز بين اليهود الحريديم مثلاً، ومعظم هؤلاء من أصول شرقية“.

ومع استمرار ذلك الواقع العنصري بين اليهود، تتواصل مطالبات اليهود الشرقيين بالمساواة مع اليهود الغربيين في بلد كثيرًا ما يعتبره مسؤولوه ”واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط“.
تابع موقع تحيا مصر علي