عاجل
الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

النائب محمد فؤاد يكتب: حديث ساويرس والفريضة الغائبة

د.محمد فؤاد عضو مجلس
د.محمد فؤاد عضو مجلس النواب

في الآونة الأخيرة، ظهر على الساحة جدال بدى و كأنه نوعا من المفاضلة بين الدماء البشرية من ناحية والدماء الاقتصادية من أخرى، فهناك من يرى أن المحافظة على حياة المواطنين وصحتهم يتأتى بالبقاء في المنازل خوفا من تفشي فيروس كورونا، وهناك من يحذر من تأثير ذلك السلبي على عجلة الاقتصاد، داعيا إلى عدم الاهتمام بالفيروس وممارسة عملية الإنتاج بشكل عادي.

للأمانة استوقفني هذا الأمر، خاصة مع التصريح بالخيار الثاني من قبل رجل الأعمال نجيب ساويرس، خلال لقاءه مع الإعلامية اللامعة لميس الحديدي، مطالبا بعودة النشاط الاقتصادي لطبيعته في أسرع وقت، محذراً من "دماء" إقتصادية حال استمر الحظر، وتوقف مجالات الإنتاج والسياحة.

وحتى أكون واضحا، فالرجل تحدث بواقعية في بعضا مما تفوه به، وهو الواقع الاقتصادي المرير الذي نتج عن إجراءات الحكومة لمواجهة الفيروس وحالة الإغلاق في الطيران والسياحة وغيره، إلا أن هذا الأمر ليس في مصر فقط ولكنه أزمة عالمية تواجه جميع دول العالم وعلى رأسها أكبر قوتين اقتصاديتين أمريكا والصين.

الحديث لم يتطرق إلى "الدماء" البشرية، التي سوف تنجم حال الاتجاه إلى مقترحه، والذي يدعو إلى استئناف الحياة بشكلها الطبيعي وعدم الالتزام بفكرة الحظر و غيره من إجراءات الحكومة لمواجهة الفيروس والحد من انتشاره، و إجراءات التباعد الإجتماعي التي باتت سمة مشتركة بين العديد من دول العالم.

فهذه الدول في البداية لم تتخذ ما يلزم لمواجهة الفيروس، مما سبب انتشاره بشكل كبير وتسجيل آلاف الوفيات، مما عطّل عملية الصناعة وأضر الاقتصاد بشكل إجباري، فالأمر الذي نتحدث عنه الآن كخيار متاح اللجوء إليه، أصبح في هذه الدول فرضا إجباريا.

أعلم أن تم التربص بالرجل على استناد من أنه رأسمالي يهدف فقط إلى مصلحته دون النظر إلى الإصابات التي سوف تنتج عما يطالب به، حيث أنه بدى وكأنه يتحدث من منطلق المصلحة دون التطرق إلى المسئولية العامة والإنسانية، فربما طرح ما يراه الحل العملي لاستئناف الحياة وتقليل الضرر الإقتصادي.

فعدد الإصابات في دولتنا أوشك على الوصول إلى 1000 إصابة، مما قد يتطلب معه سيناريو أكثر حزما وانغلاقا من الإجراءات التي طبقتها الحكومة، وإلا قد نواجه مصير غير محمود سوف يلوح لنا في الأفق، خاصة مع عدد السكان الكبير وحالة الازدحام المشهودة في الشوارع وأيضا الطقوس الاجتماعية التي سوف تزداد في شهر رمضان المبارك.

خاصة وأن السبب الرئيسي في انخفاض عدد الإصابات وحالة السيطرة المعقولة على الفيروس وانتشاره في مصر، مقارنة بدول العالم، هو بسبب هذه الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة بشكل عاجل، والتي بالطبع ترتب خسائر فادحة اقتصاديا على الحكومة قبل الأفراد.

كما أن أي سيناريو مبني على تفاقم عدد الإصابات والوفيات، -وهو حتمي حال الاستجابة إلى دعوات الممارسة الطبيعية للحياة-، سوف يقتل الدولة ويرهق المنظومة الصحية، ونصل إلى مرحلة لا نفاضل فيها بين الإنتاج أو الحظر، كما يفعل البعض الآن، ولكن المفاضلة بين مَن الأولى بدخول المستشفى وتلقي العلاج.

حالة انتشار الفيروس عالميا تذكر بما تم عام 1918، وقت انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية والتي خلفت ملايين القتلى جراء الإصابة بها، والسبب الرئيس في هذا الكم من الخسائر البشرية والمادية هو أن الحكومات وقتها لم تتخذ ما يلزم ضمن إجراءات المواجهة واكتفت بتقديم مساعدات اقتصادية محدودة وخشيت أن توقف الاقتصاد وعملية الإنتاج.

وأشير إلى ورقة بحثية حديثة -منذ أسبوع فقط-، قام بها عدد من الاقتصاديين في هيئة الاحتياط الفيدرالي، وأيضا جامعة ماساتشوستس للتقنية MIT، عن تبعات ما حدث اقتصاديا بعد الإنفلونزا الإسبانية، وذلك بالمقارنة بين مدن استمرت فيها الحياة بشكل عادي رغم انتشار المرض، وأخرى حرصت على اتخاذ إجراءات والفصل بين المواطنين "التباعد الاجتماعي"، ونتيجة ذلك لاحقا.

فوفق الدراسة، فإن بعض المدن مثل نيويورك وسانت لويس، أمرت بتقليل التجمعات واتخذت عدد من الإجراءات في هذا الصدد، في حين سمحت مدن أخرى، مثل نيو هافن وبافالو، بالتجمعات العامة، حتى بعد أسابيع من وصول الإنفلونزا إلى مستويات الأزمة، وتعاملت بشكل طبيعي.

ورغم توقع معدي الورقة البحثية أن المدن التي طبقت "التباعد الاجتماعي"، سيكون لها اقتصاد أسوأ ولكن معدل وفيات أقل، مقارنة بالمدن الأخرى، إلا أنه اتضح لاحقا أن الإجراءات التي اتخذتها هذه المدن والتي أنقذت الأرواح، تسببت في تعافي اقتصادي أسرع من المدن الأخرى.

فالدول التي سوف تتعافى سريعا من الأزمة الاقتصادية التي ظهرت بشكل طبيعي مع انتشار الفيروس، سوف تكون هي الدول التي حرصت على اتخاذ إجراءات احتزازية لمواجهته، ومن ثم فمصلحة الاقتصاد –إن فضلناها تجاوزا عن مصلحة البشر- تقتضي أيضا التوقف والالتزام بالحظر.

وبناء عليه، فلا بد من إجراءات أشد انغلاقا وحسما وصولا إلى قرار الغلق الكامل، حتى نسيطر على عدد الإصابات الذي بدأ في الزيادة بشكل متسارع في الساعات القليلة الماضية.. لقد أصبح الغلق الكامل هو الفريضة الغائبة والتي يجب أن نقيمها لنتفادى القفزة إلى المجهول.
تابع موقع تحيا مصر علي