عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة الســلامـي تكتب عن مسلسلات رمضان: صورة المرأة "دونية" وأقل مما تستحق!

ألفة السلامي كاتبة
ألفة السلامي كاتبة صحفية

موسم جديد من الدراما المصرية التي لا تنصف المرأة بل تكرس العديد من المفاهيم الدونية وتعكس أفكارا وممارسات اجتماعية تسيء للنساء و تحتقرالمطلقات والأرامل والمتأخرات في الزواج وكأنهن سبة وعار.

لا يمكنني أن أتسامح مع مسلسلات تعاني من خلل في توجهاتها الفكرية وفي رسالتها التي تفتقد القيم التربوية والأخلاقية والإنسانية في وقت تعيد الدولة الاعتبار للمرأة ومساهماتها الاقتصادية والاجتماعية وتحاول إصلاح التشوهات القانونية والسلوكية الجائرة والظالمة لها طوال عقود سابقة. ومهما أحببت النجوم واندمجت مع الأداء الرائع للبعض واستمتعت بالحبكة كما طابع السكر وهو يذوب في الحلق إالا أن ذلك لا يمكن أن ينسيني العبارات المبتذلة والنكات البذيء والايحاءات الجنسية المقززة ومشاهد التدخين والمخدرات المؤذية للمشاعر!

إن الفن الذي له دورعظيم في رقي المجتمعات- كما التعليم والأدب والرياضة- لا يمكن أن يتحول إلى مصدر لإفساد الذوق وانحطاط الفكر ونشر عادات خاطئة وأفكار سامة بين الشباب والفئات الهشة ليضيع في ثنايا المشاهدة ما تحاول أن تغرسه الأسرة خلال سنوات من قيم في نفوس الأبناء.

وهذه الاشكالية لطالما كانت خلافية بين صناع الدراما وصناع الفكر وحراس الثقافة: وضع قيود على حرية الإبداع والفن! لعل البعض من أبناء جيلي يتذكرون الجدل الذي أثير إبان عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين". إن المعالجة الدرامية قد تسهو عن الحد الفاصل بين تصوير الواقع بجمالية واحترافية وبين نقده أوالتماهي فيه. ولا أظن أن أحدا مازال يشك الآن في مدى الضرر الذي ساهمت فيه تلك المسرحية وحجم التلف الذي أصاب أخلاق جيل من الشباب بسبب تقليد سلوك كارثي لعادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي تجاه المدرسين.. نعم ضحكوا وضحكنا ومازالوا يضحكون ونضحك عند عرضها لكنها علامة على تسويق مصائبنا لنضحك عليها دون حساب لتكلفة تكريس الفن لآفات خطيرة على المجتمع من منطلق هذه بضاعتكم ردت إليكم!

أختلف مع بعض الكتابات والتقارير التي أثنت على إحراز "تحسن ملموس" في صورة المرأة التي صدرتها المسلسلات هذا العام.. تقويم التحسن أقيسه بغياب الظاهرة السلبية والسلوك المشين، ولا أقبل أن أقيس التحسن بتخفيض جرعة الرداءة؛ فنصف جرعة السم تقتل كما الجرعة الكاملة، والرداءة كنصف الرداءة لا فرق في قبحها وبشاعتها!

البعض من صناع الدراما قد يرد بانه يقدم فنا "لحما ودما " وليس درسا في الأدب والأخلاق.. نعم لديهم الحق في تقديم فنهم بحرية، بشرط أن تكون الرسالة واضحة الأهداف وغير مشوشة وأن تكون الصورة ليست أقل أوأدنى مما تستحق. فعند تقييم رسالة أي عمل درامي لا يمكن أن نصفق لأن عدد مشاهد ضرب النساء انخفضت للنصف مقارنة بما بسنوات سابقة، أو لأن مشاهد الجنس الرخيص خذف منها تلك التي "فوق السرير"، أو لأن مشاهد تدخين السجائر وشرب المخدرات أصبحت تحذف عملية التعاطي مثلا او أنها أصبحت تواكب الواقع فتظهر سيدات وفتيات صغيرات انضممن إلى مشكلة التعاطي، كما الرجال في الواقع وجميعهم ضحية لهذا الإدمان!

إذا وصلت الرسالة للمشاهدين بشكل مشوش ومتناقض فالحكم على المسلسل سيكون بالفشل. ولو ساهمت مشاهد الضرب في تكريس هذا العنف وتكراره وتبريره فلم يحرك الفن آنذاك شيئا في المياه العطنة. ولوسادت بالمثل لغة الغاب في مسلسل معين واختفى دورالشرطة والمؤسسات وغاب القانون وأصبحت الحقوق تٌفتك بالقوة فإن الفن يكون حينئذ قد فشل في توصيل الرسالة الإيجابية المحفزة والهدف المطلوب.

لذلك أميل إلى القول أن صورة المرأة بشكل عام في الدراما الرمضانية تخلو من مساهمات حقيقية ومؤثرة في الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية، ودون الانتباه لأهمية أدوارها كأم وزوجة وعاملة والمسقطة من سجلها النضالي! ويستثنى من هذه الصورة العامة بعض الأدوار القليلة التي أنصفت المرأة كما هو في دوررقية (الفنانة صابرين) في "ليايلينا 80 "؛ زوجة شهيد وأم متحملة لمسؤولية الأبناء تعلي قيمة العمل فتضطر للعمل في مصنع للحلوى ولا تقل تضحياتها مع أسرتها عن تضحيات زوجها الذي قدم حياته في سبيل الوطن خلال حرب أكتوبر 73.

احتقار المطلقات والمتأخرات عن الزواج!
مسلسل "البرنس" له نصيب كبير من تلك الإهانات التي لحقت بالمرأة. في أحد المشاهد ومن خلال حوار مستهجن تمت معايرة علا ( تقوم بدورها الفنانة نور) بأنها حاصلة على لقبين (أرملة ومطلقة). وفي "خناقة" بين لبنى زوجة البرنس وعلا قالت لها "مفيش واحودة مطلقة رايحة جاية مع راجل متزوج". وفي مشهد آخر اتهم البطل شقيقته الصغرى بأن "مخها تخين ومبتفهمش"، ثم عمم التهمة لجميع النساء قائلا:"الحريم كلها مخها تخين..". والمسلسل مليئ بعبارات مسيئة للمرأة لدرجة كلما أراد توجيه نقد أو توبيخ لرجل يعمد لتشبيهه بالمرأة على سبيل الإهانة فيقول:"أنت مش راجل أنت مرا.. ودي مش تصرفات رجاله دي تصرفات نسوان..". ويكرر المسلسل التشوهات والأمراض الموجودة في المجتمع بل من شدة تكرارها تخرج من إطار التشابه مع الواقع لتصبح تكريسا له مثل العنف المادي والمعنوي الصادر من الرجل ضد المرأة، وهو النمط السائد وشاهدنا عدة مشاهد فيها ضربا مبرحا للدكتورة شيماء من زوجها فتحي.

ورغم وجود نماذج متقابلة من النساء يعكسن وجهي العملة (الخير/ الشر)، على سبيل المثال (علا وام علا وشيماء ونورا) في مقابل (فدوة وعبير والراقصة زوجة عبد المحسن )، إلا أن صورة المرأة الإيجابية تتراجع في غالبية الحلقات لصالح الصورة السلبية؛ فالأولى ضعيفة ولا حيلة لها والثانية قوية وصاحبة نفوذ وجاه، وتضمحل قيمة المرأة الفاعلة الإيجابية في ثنايا تلك السلبية عديمة الأخلاق والضمير المنغمسة في الفساد بشتى أنواعه وكأنما لم تساعد تلك المسلسلات إلا على تعميق النظرة الدونية للمرأة على أنها عقل أجوف متآمر وجسد للعبث والنصب وإفراغ الشهوة والاستعراض.

قضية أخرى وهي الخيانة الزوجية تكرر في العديد من المسلسلات كمسلسل البرنس وكذلك خيانة عهد وشاهد عيان، وليالينا 80 ، ولعبة النسيان، وفلانتينو ونحب تاني ليه.. وكرست العديد من المسلسلات الصورة السلبية الموجودة في الواقع وفي مسلسلات السنوات الماضية حيث المرأة اللعوب التي تتلاعب بالرجل للحصول عليه حتى إذا كان متزوجا أوخاطبا مثل مسلسلات لما كنا صغيرين ، وفرصة تانية ، وخيانة عهد، والبرنس وفلانتينو.
 وتطل من هذه المسلسلات صورة الزوجة الثانية بقوة كوجه من أوجه الخيانة لكنها مبررة بتلبية رغبات ونزوات رجال يقعن فريسة سكرتيرات أو مساعدات لهم طامعات في المال والجاه، أو مبررة بعدم إنجاب الزوجة الأولى أو تسلطها أوهروبا من مؤامراتها، وغير ذلك من الأسباب التي تظهر الرجل ضحية للإغواء وضحية أيضا لجيناته التي "خلقها الله" ميالة لتعدد الزوجات وتعدد الخليلات والنزوات كما أنها جينات معجونة من الشك والغيرة وحب التملك وهي جميعها مبررات مرفوضة حتى لو كانت بدافع الحب كما في نموذج عبد الله ومراد مثلا في مسلسل "ونحب تاني ليه"!

التعاطف مع العصابة!
على ذكر منظومة القيم التي من الضروري مراعاتها في الفن كأحد وسائل التحفيز نحو التغيير فإن هناك مأزقا خطيرا صنعه مسلسل "بـ 100 وش" وورط فيه المشاهد حيث رسم شخصيات العصابة التي تسرق وتتحايل وتزور بشكل لا يملك المشاهد أمامها إلا أن يقع في أسرها، يتعاطف معهم ويغرم بهم فيغفر لهم زلاتهم بفضل لطفهم وظرفهم ومواقفهم الكوميدية التي يضحك معها من القلب. وشيئا فشيئا يدافع بداخله عن العصابة ويتمنى ألا تقع في قبضة الشرطة ويشارك في الأحداث ويفرح لفرح أفرادها ويرتاح ضميره لتحسن ظروفهم ويبرر لهم ما يقومون به من استيلاء على أموال ضحاياهم بل يذهب لمدى أكبر من الاندماج فيتهم ضحاياهم "بالغباء" وكيف أنهم يستحقون النصب عليهم كعقاب لطمعهم وجشعهم، في مقابل أفراد العصابة الأذكياء والمتميزون الذين يستحقون استعادة التقدير والوجاهة.. وهنا يذوب الخيط الرفيع بين الدراما والواقع نتيجة الألفة التي نشأت بين شخصيات العصابة والمشاهد، وهنا تكمن الورطة!

لهذا السبب لا تكتمل الفرحة بالمخرجة المتميزة كاملة أبو ذكري في المسلسل الوحيد الذي تقوده إمرأة ضمن حزمة كبيرة من مسلسلات رمضان؛ فرغم تألقها من جديد عن طريق الكوميديا الساخرة هذه المرة بعد أن أتحفت المشاهد في مواسم سابقة بمسلسلي "ذات" و"سجن النسا"، إلا أن الورطة الأخلاقية تعطل رسالة المسلسل وتكسرألق النجاح لأنها نصبت شركا للمشاهد طوال الحلقات عندما جعلته ينحاز للعصابة التي تضحكه وتسعده. ولعل مفعول التعاطف طوال شهر كامل الذي تزرعه المخرجة وتسقيه داخل عقل المشاهد وهي ترسم بإتقان وحرفية أبطالها من الصعب أن تمحيه حلقة واحدة عند سقوط العصابة في قبضة الشرطة!

لا شك أن الفن وسيلة قوية للارتقاء بالحس الجمالي وتربية ذوق الناس وشحذ عقولهم ووجدانهم ليتبنوا القيم الأخلاقية والإنسانية، قيم الخير والحق والجمال والرفض للظلم والعنصرية والفساد.

وعلى صناع الفن والدراما أن يكون لديهم وعي كاف بهذا الدورالعظيم للفن، وأن يقدموا لنا أعمالًا جيدة ترتقي بحسنا الجمالي، وتحافظ على قيمنا الروحية والإنسانية والأخلاقية، وتعزز ضميرنا الجمعي كأمة تنحاز للخير والحق. وأستغرب أن الفن مازال متأخرا عن القيم والأخلاق المنتصرة للمرأة ولقضايا الوطنية التي تتبناها الدولة المصرية مؤخرا باعتبارها قضايا تهم المجتمع ككل وتنميته وسلامته والذي يظهر مثلا بشكل قوي واستثنائي في مسلسل "الاختيار" وما حظي به من دعم الدولة لوجستيا بكل قوة.

أظن أن الدراما تشتاق إلى قلم إمرأة في قيمة فتحية العسال- رحمها الله- وسكينة فؤاد ، كما تشتاق الكاميرا إلى عين إمرأة في قيمة إنعام محمد علي تتطلّع من وراء عدستها وتحرك لعبتها ومشهدها في الدراما التلفزيونية بحرفية وتقدم الرؤية المتكاملة لدور حقيقي وفاعل لنساء مكافحات ومؤثرات بعيدا عن أدوارالعوالم وتاجرات المخدرات وخطافة الرجالة.. فالمرأة تظل الأقدرعلى تقديم صورتها التي تليق بمجتمع وثقافة بحجم وقيمة مصر وما تستحقه نساء مصرالعاملات بفكرهن وسواعدهن، المضحيات بالغالي والنفيس وقت الحرب قبل السلم.."فما حك ظهرك مثل ظفرك".

هذا هوالفن الذي يثري حياتنا ويطورها ويساهم في تغيير تشوهات وأمراض أصابت مجتمعاتنا..هذا هو الفن الذي يحفظ له الخلود.
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي