عاجل
الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفــة السـلامـي تكتب: "الدحيح".. وإعلام مؤثر لا نعرف عنه الكثير! (1)

تحيا مصر

في الآونة الأخيرة أصبح "يوتيوب" هوالتلفزيون لفئات عريضة من المشاهدين تعدادهم بالملايين. لكن كثيرون منا لا يعرفون شيئا عن هذا المجتمع المتنامي وأبطاله من منشئي المحتوى الموهوبين. أقول ذلك بمناسبة إعلان توقف أحد أبرز الملهمين في هذا العالم اليوتيوبي وهو أحمد الغندور أو "الدحيح" الذي يعد واحدا من أكثر منشئي المحتوى تأثيراً في المنطقة. وبهذه المناسبة لابد أن أحكي قصة طريفة دفعتني للاهتمام بـ"الدحيح".
بدأ اهتمامي بمتابعة البرنامج منذ عدة سنوات بالصدفة عندما وصفني إبني بـ"الدحيحة" وعرفت أنه وصف يحبه لأنه مقتبس من إسم برنامج جديد يتابعه بشغف هو وأصدقاؤه. فكان لا بد من التعرف على هذا البرنامج لأميز أولا الخيط الفاصل بين التهكم والفخر الذي حمله الوصف، ولأتعرف وهذا الأهم على مشاغل هذا الجيل الشاب ونوعية المحتوى الذي استطاع من خلاله الغندور أن يجذبهم ويؤثر فيهم ويصنع إلهامهم بهذا القدر.
وكان اكتشاف لموهبة حقيقية تستحق تلك الشعبية التي تتسع مع الأيام. وقد استمرت بعد ذلك متابعتي لـ "لدحيح" لما شدني في هذا المحتوى العلمي المبتكر حيث يقدم معلومات أحيانا شاقة على الفهم لمن هم من خلفية أدبية ولكنها مبسطة وبأسلوب شيق وساخر وممتع لأبعد المدى. ولا أخفيكم أن هذا النوع من "الفورمات" طالما حلمت به في بداية الألفية عند إعداد محتوى برامج تلفزيونية أشرفت عليها، وكانت للأسف جدية قاتمة تغيب عنها خفة الظل التي يتميز بها المصريون والمشهود لهم بها في أرجاء الوطن العربي.. وهذا ما نجحت في التعبير عنها مسرحيات وأفلام لكنها ظلت عملة نادرة جدا في البرامج.
وزاد ارتباطي بـ "الدحيح" لحفاظه على زاوية تناول الموضوعات بعيدة عن الاستقطاب الذي عٌرفت به الشركة المنتجة، وهي مؤسسة الجزيرة القطرية، مركزا على المحتوى الذي أجاد الغندور تقديمه باحترافية والمعتمد على الدراسات العلمية في تفسير الظواهر الانسانية والكونية. وتميزت الحلقات بالتنوع بين الحديث عن الطب والعلوم والقضايا الاجتماعية.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة
ومع النجاح الكبير الذي حققته فيديوهات الغندور بملايين المشاهدات، كنت ألاحظ في كل مرة زيادة ارتباط شريحة عمرية من الشباب هم جيل التسعينات والألفية بالبرنامج، وهو ما يدل على أنهم وجدوا أنفسهم وحققوا ذواتهم في هذه النوعية من البرامج .. فهم تقريبا لا يشاهدون شاشات التلفزيون وعازفون عن البرامج التي تقدمها تلك القنوات وفي المقابل "مدمنون" على متابعة صفحات التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب ولديهم ذوقهم المميز وأفكارهم التي يتبادلونها مع بعضهم البعض. نعم هم مختلفون لكن ليسوا أبدا تافهين أو لا مبالين - كما يتهيأ للبعض وصفهم- وأحد الأدلة على ذلك متابعة برنامج الدحيح الذي يناقش قضايا علمية عميقة. إحدى هذه القضايا على سبيل المثال التي أتذكرها، ناقشت موضوع نظرية التطور أو "النشوء والارتقاء" لداروين وهي إحدى موضوعات الفلسفة المقررة على طلبة الثانوية العامة. ورغم أن هذه الحلقة تسببت في جدل واسع بين متابعيه الذين اتهمه بعضهم بالإلحاد لكنها طرحت حيرة طبيعية قد تعتري الشباب في هذه المرحلة العمرية بالذات تجاه قضايا اختلفت فيها إجابات بعض العلماء عن الأديان السماوية.
ولعل التأثير الواسع للغندور على متابعيه جعل لجنة التحكيم في مسابقة عالمية لأكثر الشباب المؤثرين في مجال الإعلام تختاره ضمن القائمة القصيرة للفوز بجائزة عالمية عام 2019 ؛ وقبل ذلك بعام، اختير الغندور في قائمة "رواد الشباب العربي" المعنية بإنجازات شباب لا يتجاوزون الـ 35 عاما ولهم أثر إيجابي في مجتمعاتهم. 

وها أن "الدحيح" قد توقف منذ عدة أيام لحين إشعار آخر أو لحين "مغامرة جديدة" كما وصفها الغندور في تدوينته؛ فمن سيملأ الفراغ الذي سيتركه وماذا عن الأسماء الأخرى من صانعي المحتوى الإعلامي الموهوبين والملهمين للملايين وماذا نعرف عنهم وعن منصاتهم المؤثرة؟
أبدأ بهشام عفيفي الذي لديه قناة بإسمه بها أكثر من نصف مليون مشترك وملايين المتابعين ينشر فيها مقاطع فيديو تحت عنوان "التحليل الاستراتيجي" وهو متخصص في المحتوى النقدي للإعلانات المصرية وبأسلوب ساخر. وهو محتوى متفرد وغير متكرر ينمي موهبة النقد لمادة سهلة الانتشار بين الكبار والصغار، عالية القيمة من حيث تأثيرها، وتحتاج لتقييم وربما تصويب أيضا لتطويرها كصناعة حيث يعمل في هذا النشاط حوالي 300 شركة في مصر باستثمارات تتعدى 18 مليار جنيه، وتساهم في ميزانية الدولة بنحو 3 مليارات جنيه عبارة عن رسوم وضرائب تسددها سنويا عن جملة نشاطها، وهذه أرقام ليست من عندياتي بل صادرة على لسان أحمد خيري رئيس شعبة الإعلان بغرفة الطباعة والتغليف باتحاد الصناعات.
ومن الإعلانات إلى الرياضة والسينما حيث تتميز قناة "بن عثمان Ebn Othman " نسبة لصاحبها يوسف عثمان الذي يشترك في قناته حوالي 150 ألف شخص وعدة ملايين من المتابعين. ويوسف هو نفسه الطفل الصغير الذي ظهر في دور ابن محمود حميدة وليلى علوي في فيلم "بحب السيما"؛ وهو نفسه الشاب الذي نزل إلى الملعب في افتتاح افتتاح كأس الأمم الإفريقية وشارك في حفل جوائز "الكاف" في مدينة الغردقة. وكان قد بدأ تجربته على يوتيوب كعرض رياضي تحت إسم "خلونا نتكلم كفنيين" ثم تطور المحتوى ليشمل حديثا عن الأفلام أيضا.
ودائما في مجال المحتوى السينمائي أيضا، نكتشف موهوبا آخر هو محمد سليمان الذي لديه قناة بإسم "سينماتولوجي" يشترك بها 50 ألف شخص ويتابعها أكثر من مليون متابع. شعار القناة "كل ما هو رائع في السينما المصرية والعالمية" ، وإذا كنتم من محبي السينما وعشاق الأفلام فهذه قناة لا يمكن أن تفوتكم!
ولا يمكن أن نغفل عن ذكر محمد قنديل في قائمة الموهوبين من صانعي المحتوى. و بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفونه فهو العقل المدبر وراء شخصية "أخ كبير" في العرض الذي يحمل نفس الإسم. ويقدم بشكل ساخر قضايا اجتماعية ودينية وسياسية تحظى بجدل واسع بين مؤيد ومعارض. ورغم المتابعة الواسعة له على يوتيوب توقف البرنامج عن البث وهو الآن حصريًا على مدى مصر.
ولم يقتصر الأمر على الرجال فهناك صانعات محتوى مؤثرات للغاية، مثل علياء جاد، ولديها قناة بها نحو مليون مشترك "أفهم تي في- understand tv" وملايين من المتابعين، وهي طبيبة تحاول تبسيط العلوم الطبية وزيادة الوعي حول موضوعات مهمة مثل الجنس والنسوية والأمومة.
وتحظى الممثلة علا رشدي بشعبية مماثلة. وإذا كنت لا تعرف "علا" فتذكر شخصية "ماجي" في عصابة "عمر وسكر" بمسلسل "بـ 100 وش"، حيث كانت مفاجأة رائعة لمتابعي الدراما في رمضان الماضي ومثلت دور صديقة عمر الخبيرة في ماكياج التخفي بإتقان وخفة دم وسهولة دخلت القلوب واحبها المشاهدون وكأنها واحدة من أفراد عائلتهم. وبنفس حس "ماجي" الكوميدي تلعب علا رشدي دور البطولة في قناتها الخاصة على يوتيوب في بر برنامجها "وجهة مظر" –مظر يعني أم بالانجليزية- حيث تقدم سلسلة مقاطع فيديو تعكس الصورة الواقعية للأمهات المصريات من خلال نضالها الشخصي كأم لطفلين تعاني من عديد المشكلات في محاولة منها لجعل حياة الأمهات الأخريات أكثر سهولة.
أما فاطمة عبد السلام فلديها هي الأخرى قناة بإسمها يشترك فيها حوالي 70 ألف مشترك ويتابعها مئات الآلاف و تقدم محتوى كوميدي يركز على قضايا المرأة بأسلوب ساخر وموهبة رائعة.
تلك كانت قائمة قصيرة للإعلاميين والإعلاميات المؤثرين في ملايين الشباب وبصفة خاصة الشباب المصري من خلال قنواتهم على يوتيوب، وهناك غيرهم أيضا يحظون بإعجاب أوسع على مستوى الوطن العربي ككل. وهذا موضوع مقال قادم لإلقاء الضوء على صانعي المحتوى العرب المرشحين لملء فراغ أحمد الغندور وبرنامجه "الدحيح" حيث كان محظوظا بمتابعة واسعة على المستويين المحلي والعربي معا.
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي