رشا عمار تكتب: فتحية التي لم تراها إسعاد يونس!
ADVERTISEMENT
عندما سئل الكاتب الكبير نجيب محفوظ عن أحد أبطال أعماله الذي يود إهداء جائزة نوبل إليه، قال:" أهديها إلى نفيسة" بطلة الرواية الشهيرة "بداية ونهاية"، التي دفعها الفقر والخيانة إلى طريق الغواية.
هكذا كان يرى نجيب محفوظ، الفقراء، يدلل ضعفهم، ينحني احتراما لجسارتهم على مواجهة الحياة، يلتمس العذر لأخطائهم، ويقدر الضعف الإنساني الذي يدفع الإنسان إلى الخطيئة.
نجيب محفوظ كان نموذج للمثقف في عصر كانت مصر لاتزال يفوح منها عطر الحضارة والثقافة والعلم، كم نحن تعساء يا أستاذ نجيب، كتب علينا أن ننظر إلى عصرك بكل ما فيه ولا نملك سوى الحزن الكبير على حالنا.
إذا افترضنا صدق رواية الإعلامية إسعاد يونس حول "فتحية" الفتاة الريفية البسيطة، بالوصف القبيح الذي أسردته، ثم نزعنا عنها مبرر الإسقاط الذي حاولت الكاتبة الاحتماء به أمام الهجوم الناري من المصريين، لأنه لم يكن حاضرًا في المقال الذي لُغم بمعاني أخرى، قبيحة جدًا، أبرزها العنصرية، التنمر، الجهل، الاستعلاء، رفض الآخر، وغيرهم من الصفات التي كانت بعيدة تماما عن مقام "صاحبة السعادة"، سنجد أنفسنا أمام إسعاد يونس أخرى غير التي اعتدنا على رؤيتها في برنامجها الشهير، تأكل، تتحدث، تغني وترقص وكأنها شخص يجلس إلى جوارنا في حجرة المعيشة المصرية الدافئة.
اقرأ ايضاً: رشا عمار تكتب: الأزمة الليبية.. إرهاصات ما قبل الحل!
حاولت الكاتبة جاهدة تصوير مدى القذارة التي كان عليها مظهر الفتاة الريفية التي جاء بها من اسمته "نبراوي" للعمل في منزلهم، لكنها لم تتوقع أن الوصف دل بشكل دقيق على حال عقول عدد كبير من النخبة الذين تتفاخر بانتمائها إليهم، أليس صحيحًا أنت ترى العالم بعين أفكارك العالم مجرد صورة لأفكارك، ترجمة بصرية لقناعاتك الشخصية.
ونحن لا يمكننا بأي حال فصل قناعات إسعاد يونس التي تفوح من المقال في رائحة "فتحية" عن صورتها الذهنية التي اجتهدت في رسمها على مدار سنوات، من خلال برامج تلفزيونية وكتابات رأي، فتحية التي لم تراها إسعاد يونس سوى شكل مربع بدون ملامح، كان لها قلب لم تستدل عليه صاحبة السعادة لأنها لا تملك مثله.
قرأت المقال عدة مرات، محاولة إيجاد عذر حقيقي للكاتبة ولم أجد، بالعكس في كل مرة كنت اكتشف جانب مظلم في شخصيتها، دليل على الجهل بأبسط معاني الحياة، التي لا تحتاج إلى ثقافة ومعرفة وفكر، الأمور التي تجاوزتها الكاتبة كانت تحتاج فقط لشعور إنساني بسيط للفصل بين ما هو ساخر وما هو قاتل.
اعتقد أنه من حقنا أن نحاكم تناقضات إسعاد يونس، ونحكم على تجربتها بالفشل، أن نواجه ادعاءاتها وأن نرفض الخداع باسم الفضيلة الزائفة، من حقنا أن نرفض الكراهية والعداء المجاني للآخرين وأن نحطم جزءًا من تمثال الجهل المقدس المحلى، ظاهريًا، بالذهب.