عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

محمد فؤاد ونيرفانا محمود يكتبان: كيف صدرت إثيوبيا مظلومية دولية بشأن سد النهضة؟

محمد فؤاد ونيرفانا
محمد فؤاد ونيرفانا محمود

ترجمة مقال:
How ultranationalist rhetoric is stalemating the GERD dispute
المنشور في موقع: Modern Diplomacy

أتاح لنا الاحتكاك بقضية سد النهضة التمعن في الأزمة بشكل مدقق والخروج من بوتقة وجهة النظر المصرية بشأن السد، إلى محاولة فهم ودراسة ما يحاول الطرف الآخر «أثيوبيا» تصديره للمجتمع الدولي.

وحرصنا على متابعة ما يحاول الإعلام الأثيوبي تصديره في المنصات الدولية، وكذلك الآراء التي يعمل الخبراء الأثيوبيين على دفع الإعلام الغربي لتبينها، بجانب التمعن في خطاب مندوب أثيوبيا في مجلس الأمن خلال جلسة نظر القضية.

وخرجنا بأن الدولة الأثيوبية، لا تحاول فقط تغيير معتقدات المجتمع الدولي بشأن السد وتوجيه في إطار خطة تنمية محلية، تقف ضدها الدولة المصرية، ولكنها سوقت لمظلومية شديدة في قضية السد، ولعبت على مشاعر قد تجد صدى لدى المجتمع الدولي، وذلك من خلال عدة محاور حاولت أديس أبابا فرضها على المجتمع الدولي كحقيقة مطلقة، على عكس الواقع.

اول هذه المحاور هو تصدير فكرة أن الاتفاقيات الحالية مجحفة بحقها، وتأسست على الدفع ببطلان الاعتداد بالاتفاقيات الحالية على ادعاء بأنها استعمارية وهذه الفكرة كارثية الوقع على أي تفاوض، لأنها بلا أي شك تنسف وجود أي أرضية قانونية او منطقية أو إطار يُبنى عليه اتفاق.

المظلومية الاستعمارية الزائفة كما أسميتها تلقى كثير من التعاطف القاري و ربما بعض التعاطف الدولي ولكن هذا لا يجعل منها سند قانوني، بالعكس فهذه مظلومية هدفها الأساسي نسف قواعد التفاوض وتمويعه وفرض الامر الواقع، ولكن الواقع العملي يدحض هذه الادعاءات، في ظل أن الدولة الأثيوبية لم تكن مثلا محتلة في اتفاقية عام ١٩٠٢ و لم تكن الدولتان محتلتان وقت توقيع اتفاقية ١٩٩٣ و التي تنص على التعايش و التشاور التام بشأن مشروعات تطوير النهر. فأين مكان هذا الادعاء الاستعماري على ارض الواقع؟

وعلي فرض صحة الادعاء الاثيوبي بأن الاتفاقيات الحاكمة لنهر النيل هي اتفاقيات استعمارية، فأن رفض اثيوبيا توقيع اتفاقات جديدة ملزمه لها مع مصر ينسف هذا الادعاء، كما تزكي تلك التصرفات فكرة ان اثوبيا لا تكترث الا باحتكار مياه النيل لها ولها فقط. وخطورة هذا الامر تتمثل في ان بدون اتفاقية حاكمة لتشغيل سد النهضة، قد تخسر مصر كام عام نسبة اكبر من مياه النيل

ثانيا، المدقق في خطاب أثيوبيا في مجلس الأمن، يستشف بسهولة أنه رغم استعانتها بالغرب في تصميم و بناء وتمويل السد إلا انها كثيرًا ما تعترض على لجوء مصر للمجتمع الدولي، وتصف أزمة السد أنها "شأن افريقي"، وهذا الادعاء ايضا يخدم تمويع الأمور لأن التوسع في نظر المشكلة وتدويلها سيفرض حتما مناقشتها على أرضية قانونية وهو ما لا تريده أثيوبيا، كما أن المجتمع الدولي لديه الإلزامية أكثر من المؤسسات الأفريقية التي قد يكون قرارها توجيهي أكثر منها إلزامي.

ثالثا، تعمل أثيوبيا على مخاطبة الغرب بأن سد النهضة هو الحل لكل مشاكل التنمية في الدولة الأثيوبية، و هو خطاب استعطافي شديد يتحدث عن تهالك البنية التحتية ودور سد النهضة في حل مشاكل الدولة، اعتمادا على تقارير تستعرض مشاهد الفقر ومعاناة المجتمع الأثيوبي. و بينما ان هذا الطرح امر يحترم الا انه طرح لا يوصف المشهد كاملا حيث ان نسبة الفقر في مصر طبقا لتقارير البنك الدولي الصادرة في ٢٠١٥ كانت ٢٧.٨٪؜ في مصر بينما كانت ٢٣.٥٪؜ في اثيوبيا! هذا الخطاب ايضا يخدم الشأن الداخلي الاثيبويي حيث صدر الحزب الحاكم ان السد هو الحل لكل مشاكل التنمية و ذلك على عكس المنطق و الحقيقة. هذه "النخعة" القومية عقدت من مشهد التفاوض حيث حولت المفاوض الاثيوبي من التركيز على التفاوض بهدف مصلحة الدول المشاركة إلى التفاوض بهدف عدم الظهور في صورة المتنازل داخليا امام شعبه الذي اصبح ينتظر معجزات السد.

لقد لعب الجانب الأثيوبي على جر المجتمع الدولي إلى معترك عاطفي بعيد عن صلب القضية، بالتهرب من الاتفاقيات وعدم الاعتراف بحقوق دولتي المصب والحديث عن التنمية ومواجهة الفقر وغيره، و تهرب من النقاط الرئيسية المتمثلة في اتفاق قانوني ملزم لقواعد الملء والتشغيل وضمانات لدلتي المصب في حالة الجفاف آليات حل المشاكل المستقبلية بسبب السد.

الإشكالية الحقيقية تكمن في أن الجانب الأثيوبي مستمر في تصدير هذه المظلومية في الغرب وتحاول اثيوبيا الدخول بهذه المظلومية إلى المجتمع الغربي من خلال مدخل حقوق الاقليات السود و تصديو صورة" الاحتلال المصري لحقوقها" وكذلك ان مصر تقف ضد خطتها التنموية لانتشال شعبها من الفقر.

اقرأ ايضاً: النائب محمد فؤاد يكتب: الأحوال الشخصية.. تعطيل بلا أسباب

و رغم أنه لدى الجانب المصري، حق قانوني دامغ يمكن ان يساعد على تفنيد مظلومة الجانب الأثيوبي بشكل واضح لا يقبل اللبس، إلا ان الدبلوماسية ليست الفيصل في تلك الأزمات، ولا بد من دعمها بنشر الحقائق من خلاا جماعات ضغط مؤثرة مثلما شرع الجانب الأثيوبي.

حقيقة الأمر تاريخيا ان مصر دائما لم تقف ضد أي خطط تنموية بل على العكس تقدم ما بوسعها لصالح الدول الأفريقية و كانت الحقبة الناصرية في خمسينات و ستينات القرن الماضي خير دليل. لكن لا يمكن تحت أي ظرف المساومة بين قضية تنمية لدى الجانب الأثيوبي على حساب حياة ووجود للدولة المصرية. الحل في التواجد العادل المبني على التفاوض الموضوعي لا خطابات العواطف و المظلومية.
تابع موقع تحيا مصر علي