عاجل
السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب عن مخلفات الأضاحي: كيف نعيد النظافة لشوارع المحروسة؟

تحيا مصر

شهد أسبوع العيد انتشار مخلفات الأضاحي من عظام وروث وجلود في مناطق كثيرة من القاهرة والجيزة وفي عدد من مناطق الجمهورية وبالرغم من تواجد عمال القمامة بمختلف الأماكن والطرقات للحد من انتشار الأوبئة والروائح النفاذة الكريهة إلا أن مظاهر التلوث كانت فظيعة ولم يقتصر الأمر على المناطق الشعبية و المزدحمة بالأهالي بل شمل العديد من المناطق على اختلاف مستواها الاجتماعي. ولم يفلح تغليظ العقوبات في مخالفة إلقاء مخلفات الأضاحى والقمامة فى الشوارع في تحقيق الردع المأمول للحد من انتشار ظاهرة إلقاء المخلفات فى غير الأماكن المخصصة لذلك، على نحو يُشكل خطورة تهدد البيئة والأفراد وتكدر سكينتهم، فضلاً عن تعريض أرواحهم وسلامتهم للخطر وإلحاق الضرر بصحتهم والبيئة التي يعيشون فيها.
ولا أجد تفسيرا واضحا لماذا لا يفلح تغليظ العقوبات في الردع الفعال سواء بالنسبة لإلقاء مخلفات الأضاحي أو حتى مخلفات البناء في الشوارع بالرغم من كون القانون رقم 38 لسنة 1967 فى شأن النظافة العامة والمُعدل بالقانون رقم 106 لسنة 2012 "يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تتجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين"... والسؤال المهم: كيف السبيل لإعادة النظافة والتنسيق الحضاري لشوارع المحروسة؟

ولعل هذه الظاهرة المؤسفة تجعلني أعرج على موضوع أشمل وهو سلوكيات المواطن التي تتسم بالكثير من عدم الانضباط والإهمال خاصة في موضوع النظافة العامة وإتلاف مرافق هي ممتلكات عامة للدولة.
وقد اشتكى لي أصدقاء مؤخرا من مظاهر هذا السلوك المشين عند محور روض الفرج الجديد على كورتيش النيل في شبرا (أغاخان) حيث تعدى بعضهم على سلم المشاة وكسروا الرخام الفاخر والجميل الذي يغطي السلم! وهناك مظاهر مشابهة في محطات مترو الأنفاق كما توجد مظاهر بشعة لقاذورات بشرية في ميدان عبد المنعم رياض مما يعكس أن البعض مازال يتخذ من أسفل الكباري حمامات... ولا أستطيع أن أفهم هذه الممارسات الشاذة لكن البعض ينادي بإنشاء حمامات عامة. لكني أرد بأن تجربة إقامة حمامات عامة مازالت في مصر غير ناجحة بسبب بعض السلوكيات التي مازالت سيئة وهو ما يحتاج في نظري إلى توعية مكثفة على مستوى الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب عن "طبيب الغلابة": المريض يموت من الظلم أيضًا!

ولعل مفهوم النظافة يمكن النظر إليه ضمن إطار أوسع وهو الاستراتيجية العامة للنظافة فى مصر ككل و التي حددها مجلس الوزراء منذ حوالي سنتين لعلاج المنظومة العشوائية التي تعاملت معها حكومات سابقة بإهمال وكانت في آخر سلم اهتماماتها مما أدى إلى غياب هذه الخدمة وانهيار جزء من هيبة الحكومة والاستهتار بها أمام المواطن البسيط، حيث كانت الدولة تبدو غير قادرة على توفير بيئة نظيفة للمواطنين ما أثر بالسلب على الذوق العام للمواطن الذي تعود على الشوارع وهي ممتلئة بالقمامة والمخلفات، وهو ما أدى بالتبعية إلى الإضرار بملفات أخرى تؤثر على المواطن والدولة معاً مثل ملفات الري والصحة والسياحة والبيئة، حيث عانى ملف الرى مثلا من مشكلات كثيرة كامتلاء الترع والمصارف بالمخلفات ما تسبب في إهدار أكثر من 2 مليار متر مكعب من حصة مصر فى مياه نهر النيل بسبب سد الترع والمصارف التي تخصص لها الحكومة ميزانية طائلة لتطهيرها.
كما عانى ملف الصحة طويلا من مشكلات جراء انتشار القمامة والمخلفات بجوار المنازل والمدارس والمبانى وفى الشوارع الرئيسية مما أدى إلى وجود بيئة حاضنة للميكروبات والأمراض وتسبب في عجز وزارة الصحة ممثلة في الطب الوقائى عن السيطرة على أمراض بطرق صحية واستدعى ذلك وقتا طويلا وجهدا وتكلفة أكبر، و ظهر ذلك جليا على سبيل المثال عند انتشار أنفلونزا الخنازير والطيور وغيرهما من الأمراض. وبنفس القدر تضررت السياحة حيث أن أغلب المزارات تأثرت بأكوام القمامة والمخلفات داخلها أو في محيطها مما أدى إلى انعدام الذوق والجمال في تلك المزارات وكذلك السلع السياحية، وعلى سبيل المثال يعرف كل من يمر بجانب "ترعة المريوطية" ما تعانيه من تلال القمامة أسفل الكوبري وفى طريق الهرم السياحي!

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: متحرشون بالرجال!

ولا ننسى أيضا الأضرار البيئية التي تخلفها الانبعاثات الكربونية الناتجة عن تحلل المخلفات خلال حرقها، إضافة إلى تلوث مياه الترع و التربة. و أتذكر في هذا الإطار دور المدرسة أيامي حيث كانت تغرس في التلاميذ عادات حسنة فتخصص يوما لتنظيف التلاميذ لمدرستهم وزراعة النباتات وتجميل البهو والفصول؛ وكان المدرسون يشاركون في هذا اليوم كقدوة أمام تلاميذهم الذين يقبلون على هذه الأعمال بحب وفخر و كنوع من الانتماء لمدرستهم. لكني لاحظت بعد ذلك، مع أبنائي مثلا، أنهم يمتعظون من هذا النشاط خاصة أن زملاءهم وأولياء أمورهم يرفضون أن أبناءهم التلاميذ يقومون بأعمال النظافة ويبررون رفضهم تارة بالحساسية من الغبار التي قد تسببها للصغار، وتارة أخرى بأنهم يدفعون مصاريف باهظة للمدارس الخاصة لكي يتعلم الأبناء العلم وليس لتنظيف الفصول والفناء وأن هذه المهمة لابد أن يقوم بها عمال يتقاضون أجرا على ذلك. وقد اختلطت الأوراق في هذه القضية وتاه المعنى الأصلي وهو غرس قيمة النظافة في سلوكيات الصغار نظرا لقلة الوعي لدى الآباء الذين ينظرون نظرة قاصرة فيها احتقار لهذه الأنشطة بل إنهم لايؤمنون بأن طفلهم عليه أن ينظف حتى منزله أو غرفته طالما هناك خادمة أو أكثر في البيت يتم تأجيرها لتقوم بالأعمال المنزلية. وقد دخلت للأسف في هذا المنظور أفكار طبقية خاطئة ونظرة بورجوازية متعالية!
ولكن في المقابل تتعالى دعوات "الخيرين" التي مازلت استثنائية لأن تصبح حملات النظافة عادة محمودة ومستمرة تتبناها مبادرات الأفراد والمجموعات، وألا تقتصر على الأجهزة المنوط بها ذلك بل تتوسع ليشارك المجتمع المدني والشركات في هذه الجهود. كما أن الحملات التوعوية مطلوبة من خلال وسائل الإعلام ويمكن البدء بالتلفزيون المصري والإذاعات وتتبعها في ذلك القنوات الأخرى. وقد سبق أن صرح وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل بأهمية حملات التوعية بالنظافة في معرض حديثه عن ضرورة الوقاية من فيروس كورونا وننتظر تنفيذ توجيهاته من طرف القائمين على وسائل الإعلام المختلفة، وإن كان من المفيد أن تكون الرسائل في تلك الحملات أكثر شمولية لتنمية و تطوير المواطنين وحتى تكون النظافة سلوكيات يومية للارتقاء بصحتهم.
ولا تعاني مصر إطلاقا من نقص الإدارات أو الهيئات المشرفة على ملف النظافة مثل الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، والهيئة العامة لنظافة وتجميل الجيزة، وقطاعات النظافة العامة بكل المحافظات والمدن والأحياء والوحدات المحلية والقروية وإدارات التجميل والتشجير بالمحافظات والمشاتل التابعة إليها؛ لكن تعاني مصر من منوال عمل تمارس على أساسه تلك الإدارات والهيئات أنشطتها في انسجام وتكامل.
وأقترح في هذا الإطار أن تتبنى الاستراتيجية الخاصة بمنظومة النظافة فى مصر إنشاء وزارة النظافة والتنسيق الحضاري وإنتاج الطاقة البديلة بحيث يكون هدفها الأساسي تحقيق ذلك التكامل بين جهود جميع الإدارات والهيئات للارتقاء بمنظومة النظافة والشكل الحضارى والجمالي للدولة والاستفادة القصوى من المخلفات من خلال تدويرها وإقامة صناعات تقوم عليها وتدر دخلا وإنتاج الطاقة النظيفة منها والحد من الانبعاثات الكربونية. وأستدعي التجربة الناجحة السابقة للثورة للدكتور سمير غريب، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري آنذاك، وكيف أسس مع فريق عمل محترف فكرا حضاريا نحتاجه بقوة حاليا مع وجود رصيد حالي أفضل للمباني والخدمات والرغبة على مستوى القيادات السياسية في الحفاظ على الثروة العقارية الجديدة والمزارات التاريخية والقيم الجمالية بشكل عام للأماكن.
أما عن ميزانية وزارة النظافة والتنسيق الحضاري والطاقة البديلة فيمكن توفيرها عن طريق إيرادات تحصيل رسوم النظافة على إيصال الكهرباء وكذلك إيرادات تدوير المخلفات وقيمة المخالفات الناتجة عن تطبيق قانون النظافة العامة ونسبة من الضريبة العقارية وغرامات البناء المخالف. كما أقترح تخصيص جائزة بقيمة مالية كبيرة لأفضل جمعية أهلية في مجال مشروعات النظافة والتدويروجائزة أخرى لأفضل حي أو قرية حققت ارتقاءا بمنظومة النظافة والجمال من خلال حلول مستدامة. ويمكن الاستعانة بالعديد من ابتكارات الشباب وأفكار رواد الأعمال للتغلب على المخلفات وجمع القمامة بطرق حديثة وتدويرها لصناعة منتجات وسلع مختلفة.
تابع موقع تحيا مصر علي