عاجل
السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

المستشار محمد عبد المولى يكتب: هل تنازلت مصر عن حدودها البحرية؟ (1)

تحيا مصر

سؤال يُعاد طرحة من حين لآخر، إذ يحاول البعض، الإدعاء بأن اتفاقيتى ترسيم الحدود بين مصر وقبرص عام 2003، وترسيم الحدود بين مصر واليونان 2020 قضما مساحة كبيرة من حقوق مصر في شرق المتوسط.

وفي خضم توقيع الاتفاق الأخير بين مصر واليونان أدعت تلك المنصات حرمان مصر من مساحة تقدر بحوالي 11 ألف كيلومتر مربع غنية بالغاز الطبيعي، وسابقا وتحديدا في أعقاب ثورة يناير 2011 خرجت أقاويل ومنصات إعلامية مصرية تنادي بضرورة إسقاط اتفاقية 2003 لأنها حرمت مصر من منطقتها الاقتصادية، مدعية أن حقل أفروديت القبرصي وتمار وليفياثان الإسرائيليان يقعان في المنطقة الاقتصادية المصرية وأنهما أقرب للسواحل المصرية منها للسواحل القبرصية والاسرائيلية.

ودلل وقتها المدافعون عن ضررورة إلغاء الاتفاقية على أن حقل أفروديت على سبيل المثال يقع على حافة جبل إراتوسثينس (تحت الماء)، وسمى بهذا الاسم نسبة لعالم جغرافي مصري ولد بالإسكندرية، ونشروا العديد من صور الأقمار الصناعية الكاشفة لأعماق البحر المتوسط والتي توضح امتداد حدف نهر النيل وتحديدا فرع دمياط إلي مسافة أبعد من خط الحدود المرسوم حاليًا بين مصر وقبرص، وخلال توقيع مذكرة التفاهم التركية الليبية روجت أنقرة بأن الاتفاقية تأتي في صالح القاهرة إذ تعطي مساحة أكبر للقاهرة في مياه المتوسط.

واستهدفت تلك الإدعاءات إثارة غضب المصريين وتحريضهم ضد قياداتهم السياسية في المقام الأول، ووجدنا أنفسنا أمام رأيين أحدهما يؤيد التحركات الحكومية في مياه المتوسط دون إدراكه الكامل للأبعاد السياسية والقانونية للتحرك المصري وفريق آخر يكيل الإتهامات للحكومة والنظام بالتفريط في حقوقنا في المتوسط.

وبالنظر للأسس والمعايير القانونية والتاريخية والسياسية التي بُنى عليها الموقف المصري في ترسيم الحدود البحرية، نجد أن هناك ضرورة لزيادة الوعى المجتمعي حول واحدة من أبرز القضايا التي تشغل الساحة السياسية المصرية.

اقرأ ايضاً: المستشار محمد عبد المولى يكتب: حادث بيروت.. وسياسة الحقائق الغائبة!

تتشابك العديد من المعطيات القانونية والسياسية وأيضا التاريخية في تحديد الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط خاصة بين تركيا وقبرص واليونان، فالأمور بينهما تعود إلي مراحل تاريخية سابقة منذ تسويات الحرب العالمية الأولي واتفاقيتي سيفر ولوزان عام 1923، أما مصر فلا توجد لديها أية إشكاليات تاريخية مع دول شرق المتوسط وتتعامل مع بقية دول شرق المتوسط وفق المعطيات القانونية التي تضمن أولا؛ الحقوق المصرية في مياه البحر المتوسط وعدم التعدى عليها من قبل أي طرف وثانيا؛ احترام حقوق الأخريين في حقوقهم السياسية والاقتصادية وعدم التغول عليها، فدائما كانت السياسة الخارجية المصرية مبنية على احترام حقوق الدول الأخرى وعدم التعدى عليها تحت أي مسمى.

ويدور مقطع النزاع حول تساؤل خطير وهو هل فرطت مصر في حقوقها في مياه شرق المتوسط لصالح قبرص واليونان كما تدعي تركيا ومنصات جماعة الإخوان؟

وللإجابة على هذا التساؤل ينبغي فهم جغرافيا البحر المتوسط.
حددت اتفاقية قانون البحار الموقعة عام 1982 في مادتها رقم 57 عرض المنطقة الاقتصادية الخالصة لأية دولة بـ200 ميل بحري، وأيضا المادة رقم 76 والتي أكدت أن الجرف القاري لأي دولة لا يجب أن يتجاوز 350 ميل بحري.

ويتكون البحر المتوسط من قسمين رئيسيين أحدهما شرقي والأخر غربي يفصل بينهما خط المياه الضحلة الممتدة بين «جزيرة صقلية» الإيطالية وتونس، أي أنه طبقا لهذا التقسيم يتكون القسم الشرقي من دول «تونس ـ ليبيا ـ مصر ـ فلسطين ـ إسرائيل ـ لبنان ـ سوريا ـ تركيا ـ قبرص ـ اليونان ـ إيطالياـ».

أي أن شرق المتوسط عبارة عن «جيب تتوسطه جزيرة قبرص» تشارك فيه إثنا عشرة دولة تتداخل وتتلاصق حدودهما البحرية خاصة حدود المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، ويتضح تداخل الحدود البحرية بشكل كبير كلما اتجهنا إلي السواحل الآسيوية للبحر المتوسط.

اقرأ ايضاً: المستشار محمد عبد المولى يكتب: الشعب الليبي مصدر السلطات

فأقصي اتساع في البحر المتوسط بين السواحل الجنوبية لكرواتيا والسواحل الليبية إذ تبلغ حوالي 500 ميل بحري (أي 800 كم) في حين يبلغ اتساع البحر المتوسط بين السواحل المصرية (الأسكندرية علي سبيل المثال) والسواحل التركية (أنطاليا على سبيل المثال) حوالي 370 ميل بحري (أي 637 كم) تتوسطهم جزيرةة قبرص وبعض الجزر اليونانية المتخامة للسواحل التركية.

لذا لو افترضنا أن شرق التوسط يتكون فقط بين دولتين هما مصر وتركيا فإن المسافة المقدرة بحوالي 370 ميل بحري ستكون محل تداخل، ولن تفي بتقسيم «مياه اقتصادية» لكل دولة تبلغ عمقها 200 ميل بحري كما حددتها المادة 57 من اتفاقية قانون البحار، وما يزيد الطين بله أن رغم ضيق المسافة بين السواحل المصرية والسواحل التركية المقابلة لها توجد دولتين في المنتصف بينهما وهما جزيرة قبرص واليونان الممثلة في بعض الجزر الصغيرة.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأي دولة من دول حوض شرق المتوسط التمسك بمنطقة اقتصادية عرضها 200 ميل بحري أو حدود الجرف القاري الخاص بها، حيث يعد ذلك عدوانا وجورا على حقوق الدول الأخرى.

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة عام 1982 وما قبلها من اتفاقيات أخرى كاتفاقية جينيف عام 1958 حددت في موادها حقوق والتزامات الدول تجاه البحار والمحيطات، كما حددت آليات تقسيم الحدود بين الدول المتقابلة أو المتلاصقة سواحلها.

وجرت العادة في الاتفاق على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة أن يكون خط المنتصف هو خط ترسيم الحدود البحرية بين أي دولتين مثلما حدث في الاتفاقية المصرية القبرصية والاتفاقية المصرية اليونانية.

أما فيما يخص مفهوم الجرف القاري والذي دأبت تركيا على استخدامه في بيان أحقيتها في مياه المتوسط، فقد حددته اتفاقية قانون البحار في المادة 76 بأنه باطن الأرض المغمورة بالمياه التي تمتد إلي ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الإقليمي لتلك الدولة (أي أنه الامتداد البري للدولة المغمور بالمياه) وحددت الاتفاقية بأنه لا يجوز مد الجرف القاري لأي دولة عن 350 ميل بحري مقاسا من خط الأساس، وفي حال وجود سواحل متقابلة أحالت المادة 83 من الاتفاقية مسألة التقسيم والتحديد وفق آلية الاتفاق المبنية على أسس القانون الدولي.

وضع منطقة شرق المتوسط في ميزان اتفاقية قانون البحار، يطبق عليها المادة 74 من الاتفاقية والتي تحيل مسألة تقسيم الحدود البحرية وفق آلية الاتفاق المبنية على أسس القانون الدولي، ولا يمكن الاعتداد بمسألة الجرف القاري في تقسيم الحدود البحرية نظرا لامتداد الجرف القاري المصري إلى قرابة السواحل القبرصية وكذلك الجرف القاري التركي وهو ما يعني الاعتداء على حقوق الغير وحرمانهم من استغلال ثروات البحر المتوسط وهو أمر ليس متعارف عليه في قاموس السياسة الخارجية المصرية.
تابع موقع تحيا مصر علي