عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

د.محمد الوقاد يكتب: قوانين الأسرة وطبيعة الظرف السياسي

تحيا مصر

دائما ما نرى أن تشريعات الدول تعكس وتترجم دساتيرها وإلتزاماتها الواردة فى الإتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية والأممية التى تصدق عليها حكوماتها، وفى مصر ربما يبدو الأمر مختلفا نسبيا؛ حتى ظنت فرق مستفيدة من هذا الخلل أن مكتسباتها لابد وأن تنمو وتتضخم ولو على حساب أرواح وممتلكات المواطنين.

وللمرة الأولى فى كتاباتي أستخدم عبارة "أرواح وممتلكات"، بينما أتحدث دائما عن كارثة سياسية تشريعية لها تداعياتها الاجتماعية عنوانها "قوانين الأحوال الشخصية والأسرة"، فقد فاض الكيل بكل مصري من شطحات داعيات قطع صلات الأرحام والمروجات لمطالب بتشريعات جديدة تبنى فلسفتها على ما هو قائم من قوانين أثبتت بفعل التجربة تخريبها للمجتمع وتشتيتها للأسرة وتدميرها لمشروع الزواج قبل أن يبدأ، وربما بات للأمر بعد إقتصادي أيضا، جعل مستفيدات من القوانين الحالية يؤكدن على ضرورة إنكار أية حقوق لمظلومين، حاليا أو مستقبلا، ولو كانوا من عائلاتهن.

فقط؛ لمجرد أنك "ذكر" فإن نسويات يطالبن بتدمير حياتك وسلب حقوقك عبر مشروع وهمي عنوانه "الزواج"، هكذا تدعم أفكارهن التشريعات الحالية بطرق مباشرة وآليات أسهل من توقعاتهن، نفس النسويات يمكن أن يصبحن جدات وعمات ولن يرحمن أطفالهن متى كبروا وصاروا رجالا تزوجوا وطلقوا لغير أسباب تسيء إلى سلوكهم وأخلاقهم وتربية نفس أمهاتهم "النسويات" لهم.

ما هذا الشر القابع فى جوف عقليات مدمرات لمجتمعات وأوطان وعائلات، ولأنفسهن وأبنائهن وأحفادهن، فقط لمعاندات شيطانية تسير بهن عقولهن، نحو كوارث وحوادث وتمييز لا نهاية له، حتى أصبحنا نطالع يوميا حوادث وجرائم العنف المجتمعي أكثر من جرائم الإرهاب والفساد والبلطجة والسرقة؟

لتقل لنا ناشطة نسوية من عينة أولئك؛ كيف تقبل عدالتك أن تربي أطفالك وحدك بعد طلاقك وتنكرين هذا الحق على أخيك الذي تدعين حبك له؛ كما تنكرينه على طفلك الذي توهمينه بأنك تضحي بعمرك لأجل تربيته؟

كيف ترجحين كفة أمك حاضنة بعدك لطفلك حال زواجك؛ ثم تنكرين حقها نفسها فى تربية ومعايشة ابن شقيقك بعد طلاقه؟ ثم بم تردين على كاتبة تصف أمك مرة بالأمينة على أطفالك وتصفها مرة أخرى بغير الأمينة على أبناء أخيك وأنها لم تحسن تربيته بدليل أنه "مطلق" ولو لم تعب عليه مطلقته دينه ولا خلقه؟

هل تعقلين حديث نائبة ناشطة نسوية تقول عن والد أطفالك أنه ربما يغتصبهم حال مبيتهم لديه بعد الطلاق، وهو سب وقذف موجه بالضرورة فى الوقت نفسه لأخيك المطلق الأب المحروم من تربية ورعاية أطفاله؟

ألم تشاركي مطلقة أخيك يوما تربية أطفالهما ورعايتهم حتى يصبح لك الحق ووالدتك ووالدك فى رعايتكم لهم ومعايشتهم؟

ثم إن نظرتك الدائمة لضرورة تعظيم المكتسبات النسوية فى أي قانون جديد؛ ألا ترينها منطلقة من شعور بالإتكالية والاسترزاق واستحلال السطو بالقانون الغبي على أموال وممتلكات من جمعك به عقد زواج يوما ما؟ ألا ترين أن هذا السطو يمتد إلى الأرواح فى صورة أطفال يحملون اسم رجل أتوا من صلبه وحقهم فى رعايته لهم يفوق حقهم فى الإنفاق عليهم عن بعد؟

أي تشريع هذا الذي تنادين به يخالف الآية الكريمة "وخلقناكم من ذكر وأنثى"، ويعظم الشقاق والصراع المصطنع ولا يحدث تكاملا تحترم فيه أنوثتك وتقدر فيه قيمتك كامرأة؟ أوليس الصدام قاسما لمجتمع يحتاج تعاونكما وتكاملكما فى خدمة وطن يبحث عن المستقبل معكما دون إنكار أحدكما؟

ربما يبدو الظرف السياسي؛ والتشريعي معه؛ مواتيا لعلو صوتك ومثيلاتك الآن، ونحن فى أزمة يدركها المتعقلون من المسؤولين عن التشريع؛ وينكرها المتاجرون بأصواتكن فى انتخابات مقبلة ربما تغير ملامح البرلمان وتشكيله لأول مرة في تاريخ مصر، بعد المحاصصة التى أقرت للنساء نسبة مقاعد بمادة دستورية، لكن لا أتوقع شخصيا أن يعبرن بالضرورة عن أزماتكن، فكم من الهوانم سبقنهن إلى مقاعد السلطة و رأين فى مصالحهن أولوية ونظرن لمشاكلكن بطريقة فوقية، فصنفن مجتمع النساء ذاته إلى طبقات متفاوتة.

كل المشكلات لها حلول عدا ما تتم مناقشتها بطريقة بها من التغابي والعناد ما يجعل صوت العقل متجاهلا مرفوضا، وقد تطورت الأمور سريعا حتى وصل مجتمعنا إلى هذا الحال من الهلهلة والشقاق الذي لا تنكره إحصائيات ولا تستبعده صرخات العائلات المضارة من تشريعات كارثية.

قدمنا ونقدم تصوراتنا لحلول مشكلات الرعاية المشتركة بين الأبوين وعائلتيهما لطفل الطلاق، وقدمنا رؤية مهمة لحل مشكلات النفقات تحمى استقرارا وحقوقا لأبنائنا، لكن يبدو أن أصواتا لا ترغب إلا فى تعزيز الصراع يستفيد أصحابها من هذه النيران المشتعلة فى بيوتنا جميعا.

الظروف تبدو ملائمة الآن لتمرير قوانين كارثية جديدة ونحن مقبلون على موسم جديد من المزايدات الانتخابية على أزمات مجتمعنا، لكن نهاية لا يصح إلا الصحيح ولن تتوقف الحياة إلا عند رافضيها، وهى متسعة تفوق تماما رؤيتكن الضيقة للأمور وتلخيصها فى مكتسبات بالية تصوركن على هيئة أقل مما كرمكن الله فيها وبها، لكننا لا نقبل لنسائنا وبناتنا أن يتحولن إلى سلعة فى سوق ستنفض طرقاته سريعا ولا رابح فيه سوى من اشترى نفسه ووطنه.
تابع موقع تحيا مصر علي