عاجل
الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تحذر:"ماكرون" يسكب الزيت على النار!

تحيا مصر

احتفل العالم الإسلامي بذكرى المولد النبوي الشريف على وقع أخبار تصاعد أزمة الرسوم المسيئة للنبي وتوالي الاستفزازات الموجهة للمسلمين وعقيدتهم ونصرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تم حرق العلم الفرنسي في عدة مسيرات خرجت في عواصم عربية وإسلامية، إضافة إلى دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة السلع الفرنسية احتجاجا على تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المسيئة للإسلام وقراره تعميم نشر الرسوم المسيئة وتوزيعها بالمدارس.
وعلى إيقاع متسارع تتجه الأوضاع في فرنسا نحو الأسوأ ومن تداعياتها الخطيرة حادثة إهانة وطعن فتاتين محجبتين في قلب باريس عندما اعترضتا على تجول فتاتين بصحبة كلبين بدون رباط. ورغم أن القانون ينص على ربط الكلاب عند التجول بها وفي ضوء تعدد حوادث هجوم كلاب على المارة إلا أن الفتاتين المعترضتين واجهتا السباب والشتائم ووصل الأمر إلى طعنهما. ليس ذلك فقط بل إن ما نشرته كبرى الصحف الفرنسية حول مقتل المدرس واقتران الإسلام بالإرهاب تسبب في غضب عارم بين المسلمين حيث يوحي بأن باريس تندفع نحو إشعال المزيد من الحروب العرقية والدينية. وقد كتبت "لوموند" مانشتا لها: "قطع رقبة معلم؛ الإرهاب الإسلامى يضرب المدارس فى القلب"، وجاء عنوان "لوفيجارو": "قطع رقبة أستاذ؛ الإرهاب الإسلامى على أبواب باريس".
ولابد هنا من التفريق بين أمرين وهما التنديد بالعملية الإرهابية من جهة التي استهدفت أستاذا هو صامويل باتي عرض في القسم رسوما مسيئة لنبي الإسلام وبين التنديد بالرسوم نفسها من جهة ثانية التي استفزت أكثر من مليار ونصف مسلم؛ فهناك الكثيرون الذين يتفقون على رفض الإساءة للرسول الكريم لكنهم لا يوافقون على الرد بالجريمة الشنعاء التي قام بها الشيشاني المتطرف فهو مجرم وإرهابي وأضر بفعلته الشنيعة بالإسلام ولم يخدمه مطلقا ولا يمكن تبرير جريمته حتى في صورة الخلاف مع منطق الرئيس الفرنسي ومؤيديه بخصوص سماحهم وقبولهم بالإساءة للرسول محمد والدين الإسلامي.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: معركة حول "الأستاذ" هيكل!
والخطأ في رأيي يتمثل في خلط الأوراق والذي ساهم فيه بشكل كبير الرئيس ماكرون بدفاعه عن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول وهي مفاجأة من العيار الثقيل للعالم العربي والإسلامي أججت مشاعر الغضب لدى شعوبه التي يحتل الدين مكانة مقدسة في حياتها مما زاد في أجواء التوتر، بل دفع حكومات صديقة لباريس مثل المغرب والأردن والكويت إلى إصدار احتجاجات على تلك التصريحات. وشمل الخلط أيضا تعمد عدم التفريق بين المسلمين "المسالمين" في شتى أنحاء المعمورة- ومنهم الجالية الكبيرة الموجودة في فرنسا والتي لا تقل عن 6 ملايين مواطن يساهمون في بنائها وحضارتها وتقدمها مثلهم مثل أي مواطن صالح- وبين الإرهابيين المتطرفين الذين هم أعداء الإنسانية قاطبة وليس لفرنسا والفرنسيين فقط! 

اقرأ أيضًا.. ألفـة الســلامي تكتب: شكل العالم بعد جائحة كورونا

نعم، أكرر القول أن ماكرون أخطأ وأساء التعبير واستهان بالمقدسات وهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدخل في نطاق حرية التعبير بل سوء التعبير- وهي نقطة ستظل خلافية بين العالم العربي والإسلامي وفرنسا اللائكية- وكان بإمكان ماكرون أن يذكر أن فرنسا ستحارب التطرف والإرهاب بدون الزج بالإسلام لكنه أقحم الإسلام واستفز مشاعر المسلمين وهو عمل لا يقل في خطورته عما فعله الشاب الشيشاني وأعطى ذريعة للمتطرفين المتأسلمين بجذب المزيد من المتعاطفين إليهم كما أعطى ذريعة للعنصريين والمتطرفين الكارهين للإسلام ليظهروا أنهم كانوا محقين في كرههم للإسلام!
ولا يمكن إغفال الغايات السياسية والأهداف الانتخابية لتصريحات ماكرون التي قلبت الوضع وحولت باريس من ضحية للإرهاب إلى مركز لانتقادات المسلمين في العالم الإسلامي وفي دول عربية معتدلة كما أعطت الفرصة لتركيا والجماعات المتأسلمة بالمزايدة لكسب مساحات سياسية على أرضية الإسلام.
والحقيقة أن تصريحات ماكرون عكست قلة خبرته السياسية لأنه لم يستطع أن يكون رئيسا لجميع الفرنسيين كما أنه قليل المعرفة والاطلاع لأنه لا يعلم مدى حب المسلمين لنبيَهم ورفضهم توجيه أي إهانة له بل وجميع الأنبياء. كما أن الفيصل بين جميع المواطنين والمقيمين من المفترض أن يكون احترام القوانين الفرنسية . ولعل موقف ماكرون الغريب في الإصرار على إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وطبعها في كتاب وتوزيعه على طلبة المدارس مجانا يعدُ في نظري دليلا على الغرور وسوء التقدير ونقص الخبرة بل وعدم احترام بلده فرنسا وثقافته وحضارته والمواطنين الذين يعيشون في هدوء بلا مشاكل فأيقظ النائمين منهم أو الغافلين عنه. كما أن وصف ماكرون الإسلام بالتطرف هو أيضا إصرار على التمادي في الخطأ لأن المقصود هو المسلم المتطرف وليس الإسلام.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة

وقد صبت تصريحات ماكرون الزيت على النار واستغلها المتطرفون لتعزيز خطابهم العدائي ضد الغرب وضد المعتدلين في البلاد العربية والإسلامية لاستقطاب المزيد من الشباب وحتى يصنعوا منهم عناصر إرهابية داخل تنظيمات تهدد أمن وسلامة الإنسان في كل مكان.
كما أن ماكرون أساء للعلمانية والعلمانيين في فرنسا وأوروبا واتجه بها إلى خندق اليمين المتطرف الذي يحتضن الإرث الاستعماري والاستعلائي بنزعة تفوح بالكراهية والعنصرية والتي جرَت من قبل فرنسا وأوروبا نفسها إلى خوض حروب بشعة ضد شعوب مسالمة وارتكبت مجازر ضدها لم تحاسب عليها ولم تعتذر عنها حتى الآن جراء تلك النظرة الاستعمارية تجاه أصحاب الأديان والأعراق والقوميات المختلفة.
ولن أخوض في قضية الكيل بمكيالين لدى المنطق الفرنسي المزعوم وما حدث مثلا للفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي وملاحقته قضائيا بدعوى عدم السماح بمناقشة حقيقة وجود أفران حرق اليهود لكن الأجدى حاليا لكي لا نسكب المزيد من الزيت على النار هو الإنصات للكثير من الأصوات العاقلة المطالبة بإدارة حوار مجتمعي جاد لإطلاق عقد اجتماعي جديد يفرض احترام جميع الأديان وعدم إهانة الأنبياء مع العلم أن الإسلام هو الديانة الثانية بعد المسيحية في فرنسا.
أما عن قضية الحرب على الإرهاب –وهو بالمناسبة لا دين له ولا لون- فعليه علامات إستفهام عديدة. أولها: من احتضن أولئك الإرهابيين بالاحتماء بالدولة الفرنسية من دولهم خاصة أن بعضهم ملاحق قضائيا في دولهم. ومن سمح للذين يدعون إلى عداء فرنسا و يعتبرونها "كافرة" و يروجون لخطاب التطرف ضد الدولة التي استضافتهم و أكرمتهم ..ثم "بقدرة قادر" يتبين أن أجهزة الأمن الفرنسية كانت تعرفهم وتراقبهم وتتعقبهم دون أن تفعل شيئا وها أنها تعلن قائمة تضم 230 إسما تريد ترحيلهم إلى دولهم الأصلية بعد حادثة قتل المدرس !!
أخيرا، إذا كانت تلك الرسوم المسيئة للنبي محمد السبب في قطع رأس المدرس الفرنسي، فإن هذه الجريمة لا يمكن أن تغطي على جريمة الرسوم المسيئة فتجعلها سياسة دولة، ويقرر رئيسها طبعها واستفزاز المسلمين في كل أنحاء العالم. وعلى الدولة التي تدعي التحضر ورئيسها ألا يتصرفا بتطرف أكبر ويشيعا الكراهية ضد شعوب العالم الإسلامي بل الأدعى أن تكون المعركة ضد الجماعات لا ضد الإسلام وأن تميز بين الاثنين وتعمل على اقتلاع الجماعات الإرهابية من جذورها من خلال كشف مصادر تمويلها وإيقاف الجمعيات التي تدعم أنشطتها وتتمركز في المناطق الفرنسية ذات الكثافة السكانية من المسلمين.. وأن تكف بعض تنظيمات اليسار عن حماية تلك الجماعات!
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي