عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

محمد بدر يكتب: انتظار زيارة الرئيس

تحيا مصر

استيقظت كعادتي مبكرا، يومًا جديدًا بلا هدف، فلا جديد يُذكر ولا قَديم يعاد.. ترجلتُ من المنزل و تركتُ نفسي للظروف والصدف تصنعُ بي ما تَشاء، ولكن ظل الأمر روتينيًا.. توجهت لشراء بعضٍ من ساندويتشات الفول و الطعمية والباذنجان المقلى لتناول الفطار، وسحبتُ كرسيًا لأجلس على مقهى "الكابتن"، وهو أحد أهم معالم حي الشرابية.

تناولت الإفطار وتصفحت بعض المواقع الإكترونية، والملل يكادُ يقتُلني.. الوقت يزحف ببطئٍ شديدْ، وشعرتُ بثقلٍ في معدتى من كثرة مباشرة وجبة الإفطار، ومع ثقل معدتي بدأتُ في التثاؤب و كادت عيني أن تُغلق.

ايه ده.. هو في ايه.. ايه الزحمة دى.. مين الناس دي.. جات امتى ومنين، واضح إن عينى غفلت شويتين.
حاولت منادة حوده القهوجي، وواضح إني غفلت شوية حلوين، لإن صوتى كان مغشلق والكلمتين تحس إنهم محبوسين في الحلق.

جاء حوده القهوجي، وسألته عن الغرباء و هذا الزحام الشديد، قال لي:" ما تصحصح كده معانا ياعمنا.. أنت كنت في غيبوبة و لا ايه، دا الريس جاي الشرابية و هيمر من شارعنا كمان يومين.. قولت له مستوضحًا، ريس مين "يلا" قصدك رئيس الحي ؟!

نظر لي باشمئزاز، وقال:" ما تصحصح كدا يا عمنا.. وتفوق من الغببوبة، اللي أنت فيها.. بقولك الريس تقولي رئيس الحي!

بدأت أفرك فى عيني جيدا، فقد تبدل شكل شوارعنا فى لحظاتٍ قليلة، فالعلامات التاريخية لشارعنا تبدلت، فحفرة الشيخ محمد- التى أطلق عليها هذا الإسم، نسبة إلى سقوط إمام المسجد، فيها منذ ما يقرب من عشرون عامًا، على ما أذكر، وقد اختفت تمامًا و لا أثر بها و البلاعات أغلقت.

بدأت أشاهد ما يحدث أمامي، و قد تدلى فكي السفلي وشعرت ببرودة طفيفية، من آثارانزلاق لعابي، على ذقني وأنا أشاهد كيف يُبنى المجد فى شارعنا خلال ساعات قليلة.


المهم.. جلست اترقب ما يحدث مسترجعًا مشاهد من فيلم زواج بقرار جمهوري وصوت الراحل حسن حسني يرن في أذني الريس لما بيحي الخير بيجي معاه.

لم تنتهى الحكاية عند إعادة ترصيف الشارع، ولاتعليق يافطة ولا اتنين على المحلات و القهاوي، الأمر كان أكبر من كده، مستوى تعامل الموظفين بتوع الحي مع المحلات حاجه تانية، والعمال بتوع النظافة ولا بتوع السفلته ولا بتوع الكهرباء و لا المجاري، اللي جم كلهم في وقت واحد و خلصوا كل الشغل المتعطل والمتأخر في ساعات قليلة و مش بس كده.. لا ده اتعمل كله بسرعة و بذمه يعني مش سد خانه و تخليص ورق.

السكان نفسهم في الشارع حالهم اتبدل في لحظات.. الكل بيحافظ على شكل الشارع و جماله، حتى الست أم حماده اللي في الدور الثاني لقيتها منزله الواد ابنها يرمي الزبالة في الصندوق، رغم أن أم حماده كانت رياضتها المفضلة، رمي الزبالة من البلكونة و محاولة اسقاطها في الصندوق، وهي المحاولات التي دائما ما كانت تبوأ بالفشل.

طالت دهشتي.. فكيف حدث هذا التحول الجذري، وكيف تبدل حال الجميع فالكل منكب على عملة يسعى لانجازه، على أفضل صورة، وفي أقصر وقت.

وفجأة وجدت أحد العمال، يعدوا مسرعًا صارخًا بأعلى صوته الريس جاي دلوقتي، مش كمان يومين قدامنا ساعة بالكتير على ما يمر من هنا.

هالة من الهرج أصابت الجميع للحظات، و بدا الارتباك على وجوههم، ولكن لم يفقد أيًا منهم تركيزه، واستمروا في أعمالهم مضاعفين الجهد و السرعة، وفي دقائق تبدل الوضع و بات شارعنا ينافس شوارع أحياء مصر الجديدة و التجمع.

وفجأة دوت أصوات سيارات الشرطة، التي اندفعت مسرعة وهلل المتواجدين، وانتشرت عناصر قوات التأمين، وتوقف موكب الرئيس فى وسط الشارع، وترجل الرئيس من سيارته مبتسما يُحي الجموع المحتدشة، وبدأ يوجه أسئلته للمسئولين عن الحي، ويستفسرعن مستوى الخدمات بالحي و يعطي تعليماته هنا وهناك.

اقرأ أيضًا: محمد بدر يكتب: البرلمان في زمن الكورونا تأجيل الانتخابات البرلمانية وتشكيل مجلس استشاري للتشريع

وقام الرئيس بمصافحة العديد من المواطنين المحتشدين، حاولت أن اتحرك صوبه لمصافحته و التحدث لسيادته، إلا أننى عجزت عن التحرك، حاولت أن أصيح مناديًا.. ياريس الدنيا ماكانتش كده إلا لم حضرتك شرفتنا هنا.. ولو ما كنتش جيت كان هيفضل الحي زي ماهو بقمامته وحفره وتسريب مياه الصرف.. إلخ.

لم يستمع إللي أحد.. ظللتُ أصرخ وأنادي دون فائدة.. حاولت التحرك وفجأة سقطتُ من على مقعدي مرتطما بالأرض.
التف الناس من حولي مرددين.. لا اله الا الله.. مالك يا أستاذ محمد.. أسرع حوده القهوجي وجاء بكوب مياه بسكر متحدثًا:" ألف سلامة عليك يا أستاذ محمد، وقدم لي كوب من المياه، وقام الأهالي بمساعدتي للوقوف والجلوس على أقرب مقعد.. متمتمين ببعض العبارات.. مثل لاحول و لاقوة إلا بالله، ألف سلامة عليك.. ده كان زي الفل.. إلى آخر تلك العبارات.

أنفض الجميع من حولى، وفجأة عاد المشهد إلي قديمه حفرة الشييخ محمد، زى ما هى، الواد حماده يمارس هوايته في إلقاء القمامة من البلكونة، والتي دائما ما تفشل في الوصول إلي صندوق القمامة.
عادت المطبات و مياه الصرف و تجمعات الكلاب الضالة حول القمامة كما كانت عليه.
صرخت.. اية اللى حصل؟ هي الدنيا رجعت تاني كده ازاي، هو مش الشارع كان قد تم رصفة وتم رفع القمامة، وطلاء المباني .. إلخ. 

التف الجمع لي بذهول.. صاح أحدهم يا جماعة حد يشوفه ماله شكله وقع على دماغة ياعيني.
ظللت أتحدث معهم و أقص عليهم ما حدث، وقد رأيت نظرات الشفقة و الحيرة في عيون كل من حولي.

اقرأ أيضًا: محمد بدر يكتب: نحو عقد اجتماعي عالمي جديد.. الكورونا امامنا و عادتنا السيئة من خلفنا

أوضح لي حوده القهوجي، بأنني لم أبارح مكاني، وانني غفوت بعدما تناولت إفطارى بلحظات، وظللت على مقعدى، إلي أن سقطت من عليه.

وبات واضحا أن كل ما فات كان من قبيل أحلام اليقظة.
و صاح أحدهم.. ياريت يتحقق حلمك ده، والريس يمر من هنا كان زمان حالنا اتغير تماما.
غممت قائلا:" هو لازم الريس يمر من هنا، حتي ينصلح حالنا أم إنه من الممكن أن ينصلح حالنا دون مرور الرئيس".
تابع موقع تحيا مصر علي