عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: خلّوا بالكم من زيزي ومن يعانون مثلها!

تحيا مصر

مسلسل "خلّي بالك من زيزي" جذبني للمشاهدة بداية لأن عنوانه مقتبس من فيلم يتربع على عرش قلبي وبطلته سعاد حسني، ومن لا يرتبط في جيلي بعاطفة جياشة مع فيلم "خلّي بالك من زوزو" ؟! لكن سرعان ما اتجهت هذه العاطفة للمعالجة القوية التي تميّز بها المسلسل وأخذتني وهي تنسج شخصيّات "حيّة" وعلاقاتهم الزوجيّة المتأزّمة وأخطاءهم في تربية أطفالهم، مع استخدام المعالجة الدرامية مشرط دقيق، كمشرط الجرّاح الماهر، في تشريح المشكلات الاجتماعيّة والأمراض الفرديّة والعامّة، دون السقوط في فخّ النصائح المباشرة والدّروس الأخلاقية المنفّرة.  

ولا ينجو أحد في المسلسل من تشريح الجرّاح لمشكلاته النفسية التي لا ذنب له فيها منذ الطفولة المبكّرة؛ فالجميع لديهم تشوهات بسبب الطفولة أثرت على حياتهم فيما بعد. وتلك قصص الحياة بشحمها ولحمها ومعنوياتها ونفسياتها!

وقد نجح فريق عمل متكامل في تقديم أفضل ما لديهم ليشبهوا الناس في أزماتهم وردود فعلهم الطبيعية في الحياة اليومية، وليقودوا المشاهد في النهاية إلى فهم رسائل مهمّة يركز عليها المسلسل، في مقدمتها أن الإنسان ابنٌ لبيئته، يشبه أبويه وقد يكرّرُ أخطاءهم- رغم كونه ضحية لها دون وعي منه- إذا لم لم يقم بوقفة للتغيير نحو الأفضل كما فعلت "زيزي" للفكاك من سجن الماضي وبدء حياة جديدة بأقل تشوهات. 

رسالة المسلسل

كما يحمل المسلسل رسالة أخرى واضحة مفادها أن الخلافات بين أفراد الأسرة لا يكون فيها طرف مخطئا/شريرا وآخر على حق/بريء،  بل يحمل كل طرف قسطا من الخطأ و الصواب، ومن الطيبة والشر، حتى لو كانت الكفّة غير متعادلة في مقدار ارتكاب الخطأ. وتلك هي طبيعة العلاقات الإنسانية المعقّدة. 

تسليط الضوء على غياب الوعي

يضاف إلى تلك الرسائل تسليط الضوء على غياب الوعي لدى المجتمع ومن قبله الآباء والأمهات بمرض أطفالهم - وهو مرض يعاني منه الملايين ومع ذلك نجهله- ويسمى اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وما يترتب عليه من تقلّبات مزاجية، وصعوبة في التعلّم والعمل، وكيفية مواجهة المجتمع لهذا الاختلاف لدى بعض أفراده بالتهكّم والسّخرية والتنمّر مما يؤدي إلى مزيد من تعكّر هذه الحالات. لذلك كانت دعوة "راقية" من صنّاع المسلسل للمشاهدين/ المجتمع بالحرص على التعامل برفق مع من هم مثل حالة زيزي يعانون من هذا المرض.. "خلوا بالكم من زيزي ومن كل زيزي! 

مريم ناعوم

وقد نجح المسلسل في تقديم شخصياته وأزماتهم بشكل سلس دون إغراق في الحزن القاتم ولا الكوميديا المبالغ فيها. والفضل في ذلك لكتّاب العمل وعلى رأسهم المبدعة البارعة مريم ناعوم، والمخرج المتمكن من أدواته كريم الشناوي.

وكذلك طاقم العمل المتميّز: أمينة خليل وعلي قاسم ومحمد ممدوح ونهى عابدين وسلوى محمد علي وصفاء الطوخي وبيومي فؤاد وأسماء جلال، وقبلهم جميعا الطفلة ريم عبد القادر التي تستحق جائزة عن دور "تيتو" الرائع والمقنع في المسلسل. كما برعت الطفلة ريما مصطفى ذات السابعة ربيعا في أداء دور "ساندي" المتنمرة التي تصف زميلتها "تيتو" بـ "الفلاحة" حتى أصبحت تعبيرات وجهها وتفاعلها جسديًا مع المشهد، محط أنظار الجميع لتتصدر الترند الأيّام الماضية، إذ استخدم رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورتها كـ" كوميكس". وهو درس عميق لقّنته الطفلة ساندي للناس ولا أظن أن أحدا سيفكر من هنا فصاعدا أن يتنمر بشخص ويقول له "أنت فلاّح"!! ورأينا في مشهد بديع كيف أن ساندي المتنمّرة هي أيضا ضحيّة لأبوين متنمّرين لهما ضلع كبير في إذكاء ثقافة التمييز الكريهة لدى طفلتهما ورفض الاختلاف واحتقار الشخص المختلف.

حتى ضيوف الشرف في المسلسل أبدعوا دراميا وكانوا مقنعين لذلك صدّقهم المتفرج، حيث ساهم محمد فراج "مدرس التمثيل"، وكرم جبر "مدرب ألعاب القوى" في تغيير شخصية زيزي؛ ينطبق الأمر نفسه على الطبيب النفسي دكتور سامي "صبري فواز"، الذي يستحقُّ الإشادة بأدائه الرائع، حيث خدم الخط الدرامي الخاص بمعاناته النفسية بسبب مأساة وفاة ابنه، وهو خط مرسوم له بعناية شديدة وكأننا أمام عملية مضنية لفكّ اشتباك خيوط الحرير في الثوب "النفسي"!

والمسلسل يقدم لأول مرة مصالحة حقيقية بين المجتمع و الطبيب النفسيّ ودوره التقدميّ، بعيدا عن الأنماط الكاريكاتورية المبالغ فيها التي تعودنا أن نراها في الأعمال الفنية والتي تستخف بدور الطب النفسي. لكن المسلسل هذه المرة يبرز أهمية الطبيب النفسي في علاج تشوهات المجتمع وتحقيق التوازن المفترض لأفراده لينهضوا من كبواتهم ويساهموا في تقدم وطنهم.

وأبرز دليل على ذلك مشهد الطبيب سامي في الحلقة 25 -الذي أداه "صبري فواز" بنضج و روعة يستحقان الإعجاب- حيث وصل إلى نقطة التصالح مع النفس التي تحققت خلال جلسته لمساعدة حالته "زيزي"، لنكتشف أنه يعالج نفسه أيضا للفكاك من أزمته الشخصية، فيلجأ حينئذ لصديقه الدكتور النفسي ليقدم له الدعم، ويذهبا معا إلى قبر ابنه وهناك ينهار في مشهد بديع يعكس مهارة فائقة يتميز بها هذا الممثل القدير.

ومن عناصر القوة في المعالجة أن يظهر لنا بعد 25 حلقة أن الطبيب النفسي سامي في مقابر المسيحيين لأنه مسيحي الديانة وهي معلومة ليس لها دور في نسيج الشخصية لكنها تسعى لتعويد المتفرج على ظهور المسيحي في الأعمال الفنية كما هو موجود في حياتنا اليومية وبحجمه الطبيعي دون توظيف درامي كما يتم عادة.

[email protected]    

تابع موقع تحيا مصر علي