عاجل
السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب عن الفن الدافع للتغيير: ليه لأ..عشر مائة مرة!

تحيا مصر

أتحدث عن مسلسل ليه لأ الذي لفت أنظار المشاهدين في جزئه الثاني على منصة شاهد وهو دراما تلفزيونية تجذبك إلى الجلوس أمامها وأنت متأكد أنها لا تضيع وقتك، فتقول بإقتناع: ليه لأ.. عشر مائة مرة! إنه الفن عندما يتحول إلى حدث اجتماعي بتبنيه القضايا المهمة وتأثيره في الناس وايقاظ ضمائرهم ودعوتهم إلى التحرك وحثهم على كفالة اليتيم، فيخلق مجتمعا إيجابيا راق في عواطفه وقيمه، يستجيب إلى هذه الدعوة بكل اقتناع فيساهم في حل أزمة كبيرة وإسعاد كل أطرافها!  إن نمط التفكير السائد في المجتمع لا يتقبل عادة التغيير سريعا وهو لا يخرج عن كل ما هو عادي دون ابتكار، وحتى عند الاقتراب من بعض المشاكل وطرح حلول لها تكون أفضل الحلول السيئة وأسوأ الحلول الجيدة. 

وإن كنا نريد تحقيق نتائج مختلفة واستثنائية فلابد أن نلجأ للفن الذي يحمل قضية وهمّا لأنه قادر على القيام بالتغيير المطلوب و في وقت قياسي... تغيير قناعات الناس وبناء وعي حقيقي إيجابي ينهض بالأفراد ويدفع المجتمع إلى الأمام.

هذا ما نجح فيه مسلسل ليه لا حيث غير قناعة كثير من الناس تجاه قضية كفالة أبناء دور الرعاية. وهذا ليس كلامي ولا من واقع متابعتي فقط للآراء المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بل ما صدر عن مسؤول في إدارة الأسرة والطفولة بوزارة التضامن حيث أكد أن المسلسل شجع التوجه نحو كفالة أبناء دور الرعاية مدللا على ذلك بأن قوائم الانتظار أمام اللجنة العليا للأسر البديلة وصلت إلى حوالي 2700 طلبا وهى نسبة كبيرة تدل على رفع الوعي بأهمية اتجاه الأسر المصرية لكفالة الأبناء.

ويبلغ عدد الأسر الكافلة حوالي 12 ألف أسرة يتم متابعتهم بصفة مستمرة من الإدارة الاجتماعية بالتضامن للاطمئنان إلى توفر الظروف الآمنة والملائمة لتنشئتهم تنشئة سليمة ومتوازنة. والملفت أن هناك ألفا مثل منة شلبي أو طبيبة العيون ندى في المسلسل أي أم عزباء تمردت على الرضوخ لفكرة الزواج بشخص لا ينفع شريكا لها لمجرد إنجاب الأطفال مع تقدم سنوات العمر.

هذا الرقم مرشح بالتأكيد للزيادة حيث أن تحرك الناس لكفالة الأبناء من دور الرعاية لم ينتظر نهاية المسلسل، وهذا من شأنه أن يساهم في تحقيق هدف وزارة التضامن وخطة الحكومة في إنهاء دور الرعاية تدريجيا بحلول عام 2025 من خلال الأسر البديلة التي ستخفف عبءا كبيرا عن كاهل الدولة متمثلة في التحديات الكثيرة داخل دور الأيتام. هدف كبير وخطة طموحة كانت تبدو شبه مستحيلة لكنّ مسلسلا كهذا يجعل الأهداف و الأحلام ممكنة!   

المسلسل ناقش الأفكار السائدة والتخوفات والسلوكيات الخاطئة في المجتمع حيث غالبية المحيطين بندى من أسرة شقيقها وأصدقائها لا يتقبلون قرارها بكفالة يونس فتواجه مشاكل معقدة كالتنمر ونظرة المجتمع الدونية مما يعوق اندماجه في أسرتها الجديدة. وهناك أناس كثيرون في المجتمع سيقولون كما قال أخو ندى "إحنا نعرف ده مين ولا أٔبوه مين، مش يمكن يكون جيناته فيها إجرام". والرد الواقعي على تلك التخوفات أن الابن من صلب أبويه قد يصبح مجرما حتى لو كان والداه لا يسلكان طريق الانحراف.

وكفالة اليتيم لمن يتوق للأبوة والأمومة ولديهم الحماسة والقدرة سيجعل ذلك الطفل له أهل حُرم منهم دون ذنب وله ظهر تفتحت عيناه للدنيا فلم يجده.. سيحقق له الأمان المفقود والتنشئة الطبيعية داخل أسرة حقيقية والتعليم الجيد والغذاء الكافي الذي قد لا يتوفر لديه.

ومن يدري لعلّ الطفل المكفول يكون أكثر نجاحا من "طفلك اللي من دمك ولحمك" بل لعله يكون أحن على من كفلاه من ابنهما أو ابنتهما لو أنجباهما من صلبهما. وهناك العديد من التجارب في الكفالة أثبتت نجاحها وعائدها الإيجابي على الأبناء والأسر. وفي المقابل كم من قصص لأبناء تخلوا عن آبائهم في كبرهم. 

المسلسل الذي يحقق هذا التجاوب والتفاعل السريع منذ بدء عرض حلقاته الأولى يستحق الإشادة. نقاط القوة متعددة أبرزها المعالجة بكتابة احترافية لمشكلة الكفالة وقربها من الواقع وتفاصيله، والأداء القريب من تلابيب القلب لمنة شلبي والطفل سليم مصطفى في دور يونس. وصلت الرسالة بشكل صحيح وعميق وسريع إلى الناس. هكذا يصنع الفن نهضة الوطن بطريقته الخاصة دون تدخل من ساسة و سياسة ويغرس أفكارا تنموية ترتقي بأجيال و كوادر شابة تستطيع إكساب النهضة أعمدة صلبة متمثلة في الأمان والسلم الاجتماعيين.

[email protected]  

تابع موقع تحيا مصر علي