عاجل
السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: في وداعِ صلاح منتصر! 

تحيا مصر

هو من أشهر كتّاب الرأي، بعموده اليومي بعنوان "مجرد رأي" في صحيفة الأهرام، عندما كان القراء يتابعون النسخة الورقية بعشرات الآلاف يومياً.

ومن خلاله اهتم بمناقشة العديد من القضايا المجتمعية، بما في ذلك حملته الواسعة ضد "التدخين" ومكافحة الإدمان وكان تأثيره يتعدى حدود مصر إلى الدول العربية. ولم يكن الراحل قامة صحفية كبيرة فقط وقلماً مؤثراً بل كان "كوكتيلاً" من المشاعر الرقيقة، والقيادة القوية، وكان الطريق إلى قلبه سهلاً مثله مثل كلماته؛ لذلك كان من أفضل من يكتبون العمود اليومي، بطريقة التلغرافات بها المختصر المفيد، فعباراته قصيرة وجمله مختصرة ورسائله تصل للقراء بكل فئاتهم في يسر. لديه حجة مقنعة استفاد من دراسته للحقوق في اكتساب مهاراتها.  

تحيا مصر

وتلك مهارات احترافية تراجعت لدى العديد من أبناء الجيل الحالي من الصحفيين ولا بد أن يتزوّدَ بها من يرغب في ممارسة هذه المهنة. 

القضية الفلسطينية

قدّمَ الأستاذ صلاح منتصر للمكتبة العربية عددا من الكتب التي تناولت موضوعات اجتماعية وتاريخية، وكانت "القضية الفلسطينية" من أبرز ها، من خلال كتاب "الطريق إلى السلام .. مدريد 91" الذي نشرته "دار المعارف" بالتزامن مع المشاورات السلمية التي جمعت وفود عربية لبحث سبل تسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

واختلف معه حينئذ العديد من الكتاب والمفكرين والسياسيين لأنه كان مؤمناً بضرورة الإسراع بتسوية القضية الفلسطينية قبل أن تتّحدَ عليها القوى العظمى ويتراخى زخم الدعم العربي الرسمي والشعبي لها. جاء في هذا الكتاب بالخصوص: "إن القرن العشرين لم يعرف موضوعًا آخر احتل كل سنواته تقريبًا مثل "القضية الفلسطينية" التي شهدت خمس حروب في 48 و 56 و 67 و 73 و آخرها في 82 عندما غزت إسرائيل لبنان ووصلت بيروت حيث احتلت أول عاصمة لدولة عربية".

ويتابع منتصر قائلا: "عندما سُئل أحد الإسرائيليين عن سبب انتصارهم على العرب في الحرب الأولى التي خاضوها ضدهم عام 1948، كان الرد الإسرائيلي بأنهم كانوا جيشاً واحداً موحداً بينما العرب كانوا سبع جيوش مفككة". كام مدركاً أنّ التفكّكَ والإلهاء مؤامرة قادمة بأكثر قسوة وفتكاً مما شهده العرب في سابق أيامهم.

محطات مهمة في مشواره

هناك الكثير من المحطّات التي أتذكّرها للراحل وكانت علامة بارزة في مشواره. فهو من أطلق حملات التوعية للإقلاع عن التدخين والمخدرات. وكان جريئاً في إقناع فاروق الفيشاوي عام 1987 ليعلنَ عن إدمانه للمخدرات وبدء مشوار العلاج والتعافي بالاعتراف ومواجهة نفسه والاستعداد للعلاج الذي هو أول طريق الإقلاع عن الإدمان. وكان دافعه النبيل إنقاذ فنّانٍ كبير وآخرين غيره كثيرين أكل الإدمان عقولهم وخرّب جيوبهم وبيوتهم ولم تكن لهم نفس شجاعة الفيشاوي في مواجهة النفس. كما ساند حملة اللاعب محمد صلاح مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.  وهكذا عاش صلاح منتصر يبحث عن الإصلاح مؤمناً بدور الصحفي في التغيير من خلال قلمه وكلمته الصادقة.

وقد عاش بدوره محناً شخصية- تعلمت منها بشكل شخصي. فمقالاته التي كان يكتبها عن معاناة زوجته الأولى مع المرض العضال كانت دروساً نتعلّمُ منها الوفاء والمقاومة والصبر.

ورحلت زوجته لكنّ الأحزان لم تتركه أو تنساه فقد تجدّدت بعد ذلك مع مرض ابن أخيه الكاتب الصحفي اسماعيل منتصر وتأثر برحيله وقد ظهر ذلك في حزن شديد كاد يقترب من الاكتئاب.

وقد داومت على الاتصال به في تلك الفترة ولم يكن في أفضل أحواله. لم يكن اسماعيل منتصر بمثابة الابن الذي رباه فقط عندما حرمه الله من الإنجاب لكنه أشرف على رعايته هو وإخوته واتخذه صديقاً مقرّباً من نفسه، وكان فقدانه بداية النهاية بالنسبة له فلم يعد إليه شغفه بالحياة والكتابة منذ ذلك الحين وهو الذي يحبُّ أن يعيشَ منتصراً.

وعاد إليه مرضه الذي كان قد شُفيَ منه واشتدّت وطأته وحاصرته الآلام حتى أسلمَ الروحَ لبارئها. رحم الله صلاح منتصر الذي عاش صالحاً منتصراً وأغدق على قرائه وتلاميذه من هذه المعاني التي جسّدها اسماً ومعنىً.

تابع موقع تحيا مصر علي