عاجل
السبت 14 ديسمبر 2024 الموافق 13 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

هل تراجع السعودية عن التطبيع مع إسرائيل يُعيد ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط؟

محمد بن سلمان ونتنياهو
محمد بن سلمان ونتنياهو

في تحول لافت، صعّد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من نبرته تجاه إسرائيل، مؤكدًا أن المملكة لن تتخذ خطوة تطبيع العلاقات إلا بعد قيام دولة فلسطينية. جاءت هذه التصريحات في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة، خاصة مع استمرار الحرب الدامية في قطاع غزة، وهو ما دفع السعودية إلى إعادة تقييم موقفها من العلاقات مع إسرائيل، بعد أشهر من الإشارات إلى اقتراب التطبيع برعاية أمريكية.

التغيير في موقف السعودية: من اقتراب التطبيع إلى تأجيله

قبل أشهر، كان الأمير محمد بن سلمان قد ألمح إلى أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل بات "أقرب من أي وقت مضى"، وهو ما أثار تكهنات حول اقتراب توقيع اتفاقية مماثلة لاتفاقات "أبراهام" التي عقدتها دول خليجية أخرى مثل الإمارات والبحرين. ومع ذلك، جاءت تصريحاته الأخيرة، التي أدلى بها في افتتاح جلسات مجلس الشورى، لتُظهر تحولًا كبيرًا، حيث شدد على أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية.
 

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان

أشار ولي العهد في كلمته إلى ما وصفه بـ"جرائم" إسرائيل ضد الفلسطينيين، واصفًا تصعيد الحرب في غزة بأنه يمثل عقبة كبيرة أمام أي محاولة للتقارب بين السعودية وإسرائيل. وتأتي هذه التصريحات في سياق معقد يتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بدأ في أكتوبر الماضي، وأسفر عن سقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال.

حرب غزة وتأثيرها على مسار التطبيع

شهدت العلاقات السعودية الإسرائيلية تحسنًا نسبيًا خلال الفترة الماضية، إلا أن اندلاع الحرب في غزة غيّر من مجرى الأمور بشكل جذري. المحللة السياسية رابحة سيف علام من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أوضحت لوكالة "فرانس برس" أن "حرب غزة وسلوك الحكومة الإسرائيلية نسفا الترتيبات التي كانت قد أعدت للتقارب السعودي الإسرائيلي". وأكدت أن "قسوة الحرب وما تحمله من فظائع ضد الفلسطينيين جعلت فرص قبول الرأي العام السعودي للتطبيع ضئيلة للغاية".
 

هذا الموقف يعكس الحساسية الشديدة لدى المجتمع السعودي تجاه القضية الفلسطينية، إذ ترتبط السعودية تاريخيًا بدعم الفلسطينيين في قضيتهم. وتزايدت الضغوط الشعبية على القيادة السعودية مع تزايد التوترات في غزة واستمرار سقوط الضحايا المدنيين، مما جعل أي محاولة للتقارب مع إسرائيل في الوقت الراهن تبدو غير مقبولة.

المخاوف الإقليمية: توسع الحرب قد يعطل خطط التنمية في السعودية

إلى جانب القضية الفلسطينية، تبرز المخاوف من توسع الحرب في المنطقة لتصبح حربًا إقليمية شاملة، وهو ما يمكن أن يعطل خطط السعودية الطموحة في مجالات التنمية والاقتصاد. السعودية تسعى حاليًا إلى تحويل نفسها إلى مركز عالمي للسياحة والأعمال من خلال مشاريع كبرى مثل "رؤية 2030" ومدينة "نيوم". إلا أن تصاعد العنف في المنطقة يمكن أن يؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي ويهدد جذب الاستثمارات الدولية.

المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، آنا جايكوبس، قالت في تصريحها لـ"فرانس برس" إن "السعودية تسعى إلى زيادة الضغوط على إسرائيل والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى هدنة ووقف الحرب في غزة". وأضافت أن "ولي العهد يحاول منع تصاعد الحرب إلى حرب متعددة الجبهات قد تضع السعودية ودول الخليج في مواجهة إقليمية خطيرة مع إيران وحلفائها".
 

التدخل الأمريكي ومستقبل الاتفاقيات الإقليمية

على الرغم من الجهود الأمريكية في دفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل، جاء التصعيد الأخير في غزة ليعرقل هذه المساعي. فالسعودية التي كانت على وشك التوصل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يضمن لها الحصول على ضمانات أمنية أمريكية ودعمًا لتطوير برنامج نووي مدني، باتت اليوم أمام موقف أكثر تعقيدًا.
 

محمد بن سلمان و بايدن ونتنياهو 

المستشار السياسي السعودي، علي الشهابي، أوضح أن تصريحات ولي العهد الأخيرة جاءت بهدف "إزالة أي غموض حول الموقف السعودي"، مؤكدًا أن الرياض لن تتنازل عن موقفها الثابت بشأن القضية الفلسطينية. وأضاف الشهابي أن "السعودية كانت على وشك الاعتراف بإسرائيل، لكن العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة غيّر مسار الأمور".

التحديات أمام التطبيع السعودي الإسرائيلي

ورغم الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل لوقف الحرب، خاصة من قبل الولايات المتحدة، إلا أن حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة تبدو مصرة على تحقيق "أهدافها العسكرية" المتمثلة في القضاء على حركة حماس. هذا التعنت الإسرائيلي يقف عقبة رئيسية أمام أي جهود للتطبيع مع السعودية، التي لطالما اشترطت تحقيق حل الدولتين كشرط أساسي لأي تقارب مع تل أبيب.

التساؤلات حول مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية

في ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال حول ما إذا كانت السعودية ستتمكن من الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، أكبر داعم لإسرائيل. المحللة جايكوبس أشارت إلى أن "السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت تصريحات الأمير محمد بن سلمان ستُترجم إلى أفعال تؤثر على العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، وكيف يمكن للسعودية أن تحشد العالمين العربي والإسلامي لدعم موقفها".

يبقى التطبيع السعودي الإسرائيلي في وضع غامض وسط التوترات الحالية، وقد يستمر التحدي أمام تحقيق أي تقدم في العلاقات في ظل إصرار السعودية على الدفاع عن القضية الفلسطينية والضغط لوقف الحرب في غزة.

 

تابع موقع تحيا مصر علي