ياسر حمدي يكتب: عبدالناصر.. رواية شعبية
لم أكن يومًا ناصريًا، لكني مثل الكثيرين من أبناء وطني نحب الرئيس جمال عبدالناصر ونقدره، ونرى فيه أيقونة التحرر الوطني، والنضال من أجل الوطن، ورغم مرور 55 عامًا على رحيله، لا يزال عبدالناصر حاضرًا رغم الغياب، حاضرًا بمواقفه وثوابته، حاضرًا في خطاباته التي تذكرنا بمراحل النضال الوطني والتحرري خلال فترة من أخطر الفترات التي واجهت فيها مصر تحديات جسام.
عبدالناصر لم يكن مجرد ذكرى عابرة في تاريخ مصر الحديث، بل هو حلم يتجدد مع كل أزمة تواجه الوطن، فيخرج الشباب الذي لم يعش هذه الفترة حاملًا صوره ومرددًا شعاراته؛ أكثر من خمسة عقود مضت، لكن جمال عبدالناصر لايزال يحتل الذاكرة، لم يستطع خصومه النيل منه، ولم ينجح أعداؤه في محو أثره، وطمس تاريخه، بل لايزال اسمه حاضرًا في ذاكرة العالم.
الحرب لا تتوقف ضده وضد إنجازاته، تشكيك في مواقفه، تزييف للحقائق، ومحاولة لإهالة الثرى على واحدة من أنبل الفترات في تاريخ مصر الحديث، ولكن كل ذلك مصيره الفشل، ذلك لأن عبدالناصر أصبح جزء من الذاكرة الوطنية والقومية والتحررية؛ والحقيقة رغم كل ذلك تمضي الأيام وتطوي السنوات شهورها، ويبقي «ناصر» رمزًا للاستقلال والعزة والكرامة، ملهمًا للأجيال بتجربته ومواقفه.
لا أنكر حبي للرئيس جمال عبدالناصر في أي مكان وأمام أي شخص، محبة خالصة لرجل لم يتبقى منه في عالمنا سوى سيرة، قصص، حكايات ومباني ستصمد أمام الزمن كسيرته، حبي له بسبب وطنيته الخالصة، وكبريائه مع أعداء الوطن، وتواضعه مع شعبه، وحبه الشديد لعروبته.
المتأمل لحياة عبدالناصر لن يجد فارق واحد بينه وبين المصريين، يشبهنا في كل شيء، يضحك ويدخن بشراهة، يتغاشم في كل موضع وفي كل حديث، لا يأبه لأحد ولا يلين تحت وطأة التهديد، أنفه في السماء حتى وإن كان سيشعل حربًا مع ثلاث دول دفعة واحدة.
كره البعض عبد الناصر والأسباب كثيرة لكن الأوقع في كل هذه الأسباب ويتقدمها، أنه الرجل الذي حلموا أن يكونوه، حاولوا وفشلوا حتى أنه في نطاق قارتين وعلى مساحة 22 دولة عربية لم يولد رجلًا نافسه في الشعبية، في «المرجلة» في الكبرياء -هذا الذي قتله- ولا حتى في (مسكته للسيجارة)!.
قبل عدة أشهر جرى تسريب بعض التسجيلات تضمنت أحاديث لـ «ناصر» مع رؤساء دول عربية ومسئولين، في اللقاءات المسربة لن تجده سوى عبدالناصر الذي نعرفه، لا يقول شيئًا في الغرف المغلقة ويخفيه في العلن، لا يخشى أحد على الإطلاق ولا يرى أحد، فالرجل «جمال عبدالناصر» والدولة التي يحكمها هي «مصر» حتى وإن هُزم.
منذ اليوم لثورة 52 والاتهامات تُكال لـ ناصر، كُتب سهر أصحابها وأضاعوا من عمرهم لكي يطعنوا فيه، حكايات ورويات وقصص تناقلتها الألسنة، دفع الدافعون وزادوا النفحة نفحتين وثلاثة ورغم ذلك بقيت سيرة عبدالناصر وستبقى، كل عام يتشاجر المصريون أكثر من مرة حول مآثر الرجل ومسالبه، كل حاكم سيأتي على مصر لن يٌقارن سوى بجمال عبدالناصر، معضلة كبيرة لا فكاك منها حتى أبد الآبدين.
لن تجد رجلًا في تاريخ مصر قديمها وحديثها يحظى بـ ربع جسات الحديث عن جمال عبدالناصر، يقولون الرجل الذي أضاع السودان وهُزم في 4 حروب، وهراء هراء هراء، كل عام وكل جلسة وكل قعدة، مكلمات بُنيت على كره «الإخوان» لعبدالناصر وحرقة النزع من الذين نهبوا مصر في عهد ملكهم، لا جديد يقولونه يتمسكون بمجرد عنعنات ولا شيء يتغير، لم يكره المصريون الزعيم جمال عبدالناصر ولن يحدث.
لم يكن عبدالناصر سيسقط صريعًا حتى ولو ضربته –هو شخصيًا- أمريكا أو إسرائيل بصاروخ نووي، حتمًا كان سيخرج حيًا، «غشوميته» توحي بذلك، لكن الضربة جاءته في بيته وأرضه واحتاجت 3 سنوات حتى تقضي عليه جسمانيًا وغيبته عنا.
وفي حب عبدالناصر كتب الشاعر نزار قباني بعد رحيله هذه الأبيات:
أبا خالدٍ .. يا قصيدة شعرٍ تُقالُ، فيخضرٌّ منها المدادْ..
إلى أين؟ يا فارس الحلْم تمضي.. وما الشوط.. حين يموت الجوادْ؟
إلى أين؟ كل الأساطير ماتتْ بموتك، وانتحرت شهرزادْ..
وراء الجنازة.. سارت قريشٌ فهذا هشامٌ.. وهذا زيادْ..
وهذا يريق الدموع عليكْ، وخنجرهُ تحت ثوب الحدادْ
وهذا يجاهدُ في نومه، وفي الصحو، يبكى عليه الجهادْ..
وهذا يحاول بعدك ملكاً.. وبعدك.. كل الملوك رمادْ..
وفود الخوارج.. جاءت جميعًا لتنظم فيك ملاحم عشقْ..
فمن كفّروكَ.. ومن خوّنوكَ.. ومن صلبوك بباب دمشقْ..
أنادي عليك.. أبا خالدٍ وأعرف أني أنادي بوادْ
وأعرف أنك لن تستجيبَ وأن الخوارقَ ليس تعادْ..
رحم الله أبو خالد وجعل محبته في قلوب أبناء هذا الوطن أبدية.
تطبيق نبض