< رحيل "نقيبة الشيخ".. وفاة الحاجة حاكمة خادمة ضريح الجنيدي بعد رحلة عطاء
تحيا مصر
رئيس التحرير
عمرو الديب

رحيل "نقيبة الشيخ".. وفاة الحاجة حاكمة خادمة ضريح الجنيدي بعد رحلة عطاء

تحيا مصر

خيّم الحزن على مدينة سمالوط، شمال محافظة المنيا، عقب وفاة الحاجة حاكمة علي محمود، خادمة ضريح الشيخ الجنيدي، والملقبة بين أهالي البلدة ومرتادي المقام بـ«نقيبة الشيخ»، بعد رحلة طويلة من العطاء والصبر والإيمان، امتدت لأكثر من سبعة عقود.

 

وشيع المئات من أهالي مركز سمالوط، منذ قليل، في جنازة شعبية مهيبة نقيبة الشيخ، إلى مثواها الأخير في ظل حزن يملأ القلوب وصراخ السيدات.

في قلب مركز سمالوط، وعلى ربوة هادئة تحيط بها بيوت البسطاء، وبجوار المسجد العتيق الذي شُيّد منذ نحو 400 عام، يقف ضريح الشيخ الجنيدي شاهدًا على حكاية إنسانية نادرة، كانت بطلتها سيدة بسيطة تحولت إلى رمز روحي وإنساني لأبناء الطرق الصوفية، وملاذًا لكل من قصده مهمومًا أو منكسرًا.

الراحلة الحاجة حاكمة، التي تجاوزت السبعين من عمرها، لم تكن مجرد خادمة مقام، بل كانت روح المكان وحارسة سره. ورغم المرض الذي أنهك جسدها، والحروق التي أودت بقدرتها على الحركة، ظلت تستقبل الزائرين بقلب الأم، لا تشكو ولا تتذمر، معتبرة خدمة المقام رسالة حياة.

بداية الحكاية.. حلم تحول إلى مقام

تحكي الروايات المتداولة عن الراحلة أن بداية قصتها مع الضريح جاءت عبر رؤيا متكررة، رأت فيها الشيخ في المنام يطلب منها بناء المقام وتجديده. ورغم فقرها وضيق ذات يدها آنذاك، إلا أنها لبّت النداء بعد أن داهمها المرض، ونذرت إن شفاها الله أن تبني المقام. وبالفعل، بدأت خطوات البناء قبل أربعة عقود، متحدية السخرية ومحاولات الهدم، حتى صار الضريح قبلة للصوفيين والزائرين من مختلف المحافظات.

مقام لا يُرد فيه سائل

عرف مقام الشيخ الجنيدي ببركته وموائده العامرة، حيث لم ينقطع عنه الطعام أو الزائرون، بفضل تبرعات الأهالي من مسلمين وأقباط، في مشهد يعكس روح التعايش والمحبة. وكانت الحاجة حاكمة تؤكد دائمًا: «البركة للجميع».

واشتهر المقام بقصص إنسانية عديدة، أبرزها حكايات نساء عاقرات قصدنه بأمل الإنجاب، وعدن بعد أشهر حاملات البشرى ودموع الفرح، ليقدمن الشكر والوفاء.

مولد من نور وقلوب طيبة

وفي كل عام، كان مولد الشيخ الجنيدي يتحول إلى ليلة عامرة بالذكر والإنشاد والدفوف، يحضرها رجال ونساء وأطفال، في أجواء وصفها محبو المقام بأنها «حضرة طاهرة»، لا تُطلب فيها إلا الرحمة والخير.

رحيل الجسد وبقاء الأثر

برحيل الحاجة حاكمة، فقد المقام روحه الحارسة، لكن أثرها باقٍ في قلوب من عرفوها، وفي حكايات لا تزال تُروى عن امرأة بسيطة بنت مقامًا، وخدمت الناس بصمت، وآمنت أن الدعاء لا يعرف دينًا ولا طائفة، بل قلبًا صادقًا فقط.

هكذا تُطوى صفحة «نقيبة الشيخ»، لكن الحكاية لا تنتهي، فبين جدران ضريح الجنيدي، ستظل سيرتها حاضرة، تشهد أن بعض البشر يرحلون بأجسادهم، ويبقون أثرًا لا يزول.