الانقسام الأوروبي حول الأصول الروسية وحدود دعم أوكرانيا
سلطت قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت مؤخرًا في بروكسل الضوء علي عمق الانقسامات داخل الاتحاد بشأن أفضل السبل لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وقد تصدّر هذه الخلافات الجدل حول استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل قرض بقيمة 90 مليار يورو. إذ كانت الخطة الأصلية تقوم على توظيف نحو 200 مليار يورو من الأصول السيادية الروسية المجمّدة داخل الاتحاد الأوروبي لإصدار ما عُرف بـ«قرض التعويضات»، وهو آلية تتيح لأوكرانيا استعادة جزء من قيمة القرض بعد انتهاء الحرب عبر تعويضات تُفرض على موسكو. غير أن هذا المقترح واجه معارضة شديدة داخل الاتحاد، ما أدى في نهاية المطاف إلى فشله.
وكان من أبرز معارضي هذه الخطة رئيس وزراء بلجيكا، Bart De Wever، الذي رفض استخدام الأصول الروسية استنادًا إلى مخاطر قانونية ومالية جسيمة. وتكمن حساسية الموقف البلجيكي في أن جزءًا كبيرًا من هذه الأصول مجمّد داخل بلجيكا نفسها، وتحديدًا لدى مؤسسة «Euroclear». ورأى دي فيفر أن أي خطوة نحو استخدام هذه الأصول قد تفتح الباب أمام دعاوى قضائية روسية، أو حتى إجراءات انتقامية محتملة تستهدف مؤسسات وأفرادًا أوروبيين، وهو ما جعل الخطة، من وجهة نظره، شديدة التعقيد وغير قابلة للتنفيذ في المرحلة الراهنة.
ولم تكن بلجيكا وحدها في هذا التحفظ، إذ أبدت رئيسة الوزراء الإيطالية، Giorgia Meloni، موقفًا حذرًا تجاه استخدام الأصول الروسية. فقد شددت على أن هذا النوع من التمويل «لا يمكن فرضه» على الدول الأعضاء، مؤكدة ضرورة احترام التباينات القانونية والسياسية داخل الاتحاد، وهو ما ساهم في تعميق التردد الجماعي إزاء الخطة المثيرة للجدل.
وفي ضوء الإخفاق في التوصل إلى توافق حول هذا الخيار، انتهى الأمر بالاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق على تقديم قرض بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا للفترة 2026–2027، يتم تمويله عبر الاقتراض المشترك بضمان الميزانية الأوروبية، بدلًا من الاعتماد على الأصول الروسية المجمّدة. ورغم أهمية هذا التمويل في ضمان استمرار الدعم المالي لكييف، فإنه يُنظر إليه بوصفه حلًا أقل طموحًا من الخطة الأصلية، ويعكس تراجعًا في الاستعداد الأوروبي لاستخدام أدوات ضغط اقتصادية مباشرة ضد روسيا.
أما الخاسر الأبرز في هذه القمة، فكان المستشار الألماني، Friedrich Merz، ورئيسة المفوضية الأوروبية، Ursula von der Leyen، اللذان دعما بقوة خيار استخدام الأصول الروسية لتمويل القرض ، غير أن هذا التوجه لم يحظَ بإجماع داخل الاتحاد الأمر الذي كشف عن محدودية نفوذ برلين والمفوضية في فرض هذا المسار، وسلّط الضوء على حجم الانقسامات الداخلية وتعقيدات آلية اتخاذ القرار الأوروبي في القضايا الجيوسياسية الحساسة.
وقد جاء ذلك في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة، تشمل ارتفاع أسعار الطاقة، وتنامي معدلات التضخم في عدد من الدول الأعضاء، وتباطؤ النمو الاقتصادي بشكل عام. وتُسهم هذه التحديات في جعل أي التزام مالي إضافي عرضة لانتقادات سياسية وشعبية داخلية. وفي هذا السياق، عززت المخاوف الاقتصادية والقانونية موقف دول مثل بلجيكا، التي ترفض تحمّل أعباء قد تتجاوز قدراتها المحلية أو تعرّضها لمخاطر مستقبلية غير محسوبة.
ولا يعبّر إخفاق الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على استخدام الأصول الروسية المجمّدة لصالح أوكرانيا عن خلاف تقني حول آلية التمويل فحسب، بل يعكس تحديًا أعمق في صميم المشروع الأوروبي، يتمثل في قدرة الاتحاد على التوافق حول قرارات حاسمة في مواجهة عدوان خارجي، حين تتقاطع هذه القرارات مع اعتبارات قانونية واقتصادية وضغوط الرأي العام داخل الدول الأعضاء. والنتيجة هي تسوية تضمن توفير الدعم المالي اللازم لأوكرانيا، لكنها تظل أقل قوه مما كان يأمله بعض القادة الأوروبيين، وتكشف هشاشة التوازن بين التضامن الأوروبي والمصالح الوطنية.
وخلاصة القول، إن قمة بروكسل الأخيرة أبرزت فشل الاتحاد الأوروبي في اعتماد آلية استخدام الأصول الروسية لتقديم قرض لأوكرانيا، كما أظهرت صعود دور قادة مؤثرين مثل Giorgia Meloni وBart De Wever، في مقابل تراجع نسبي في نفوذ Friedrich Merz وUrsula von der Leyen. وفي المحصلة، تستمر الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية إدارة الأزمة الأوكرانية والملف الروسي، في ظل حضور قوي للاعتبارات الاقتصادية الداخلية وتأثير متزايد للرأي العام في صياغة القرارات الأوروبية الاستراتيجية.
السفير عمرو حلمي