لميس الحديدي.. مدرسة إعلامية متكاملة و حضور مهني لا يُشبه غيره
نموذج احترافي يستند على كاريزما تتجاوز الشاشة وتصنع قيمتها الخاصة
لا تزال المذيعة لميس الحديدي تمثل إحدى العلامات البارزة في المشهد الإعلامي العربي، ليس فقط بوصفها وجها معروفا على الشاشات، بل باعتبارها نموذجا استثنائيا في المهنية والقدرة على التطوير المستمر. فمنذ بدايات ظهورها، حافظت على مكانتها في الصف الأول بين الإعلاميين، مهما تغيرت المنصات أو تبدلت التجارب.
وفق مايرصد "تحيا مصر" لا تتأثر قيمتها الإعلامية بطبيعة نافذة الظهور، بل تبدو كأنها تضيف إلى المنصة أكثر مما تتلقى منها، وتمنح القناة التي تعمل من خلالها ثقلا نوعيا نابعا من شخصيتها الاحترافية وكاريزمتها الهادئة، وقدرتها على إحياء أي مساحة إعلامية بالخبرة الحاضرة والرؤية المتعمقة.
ريادة حقيقية وخبرة تراكمت عبر مشوار طويل
طوال سنوات، لم تكتف لميس الحديدي بمجرد تقديم البرامج أو إدارة الحوارات، بل أدارت التفاصيل الصغيرة والكبيرة في العمل التليفزيوني بعين مدربة وخبرة تراكمت عبر مشوار طويل. ويشهد كل من عمل إلى جوارها، أنها لا تترك تفصيلا دون متابعة؛ من بناء المحتوى، إلى إدارة النقاش، إلى ضبط الإيقاع العام للحلقة وطريقة الانتقال بين محاورها، حتى الإحساس العام الذي تتركه الحلقة لدى المشاهد.

هذه المراعاة الدقيقة للتفاصيل لم تكن مجرد مهارة عملية، بل تحولت إلى جزء من بصمتها المهنية التي صاغت اسمها على مدار عقود.
رونق الصحافة الاستقصائية وروح التحقيق
لعل أبرز ما يميز أسلوبها أنها أعادت للشاشة جانبا طالما افتقدته قنوات عديدة في لحظات مختلفة: رونق الصحافة الاستقصائية وروح التحقيق. عودتها إلى هذا الخط التحريري لم تكن استعراضا لقدرة مهنية، بل محاولة واعية للفهم وفتح مسارات للوصول إلى الحقيقة. لا تعتمد على الإثارة ولا على التفخيم، بل على البحث الهادئ، والمعلومة الدقيقة، والقراءة المتأنية للواقع. ومع ذلك، تظل نبرة الحسم حاضرة حين يتطلب الأمر طرح الأسئلة الصعبة.
وخلال السنوات الأخيرة، أثبتت لميس الحديدي أن هذا النهج لا يزال قادرا على النجاح وعلى جذب الجمهور، إذ حققت بصمتها في أكثر من ملف تناولته عبر منصتها. أحدث المحطات التي يشهد لها فيها كانت قصة الطفل يوسف، ضحية الإهمال في إحدى مسابقات السباحة، وهي قصة أعادت طرح قضية الرقابة على الأنشطة الرياضية وممارسات المؤسسات المسؤولة.
قدمت القضية بروح الصحفي الباحث عن الحقيقة، فجمعت المعلومات، واستثمرت في تحليلها، وفتحت الباب أمام مناقشة عامة حول المسؤوليات والتقصير، في معالجة اتسمت بالإنسانية دون أن تفقد المهنية، وبالموضوعية دون أن تتخلى عن الشجاعة.
دور إعلامي لايبحث عن إثارة الجدل
في كل مرة تخوض فيها حوارا تلفزيونيا، يظهر بوضوح أنها لا تتعامل مع الضيف بوصفه مادة للجدل، بل بوصفه مصدرا للمعرفة. هذه الخاصية حررتها من فخ الإثارة السطحية الذي وقعت فيه كثير من البرامج الحوارية عبر السنوات، وقدمت بدلا من ذلك نموذجا للحوار المفيد، الهادئ، المرتكز على المعلومة والسياق.
لم تتعامل يوما مع الحوار بوصفه معركة أو مواجهة، بل مساحة لاكتشاف ما وراء التصريحات، وتحويل المشاهد من متلق سلبي إلى مشارك يفهم خلفيات الموضوع.
إلى جانب هذا كله، تحافظ على حضور بصري وشكلي مختلف عن السائد؛ وقفتها على الشاشة وطلتها وإيقاع صوتها يمنحان المشاهد إحساسا بالثقة والجدية. ليست طلة مبالغا فيها ولا مستندة إلى عناصر شكلية، بل تحمل ملامح إعلاميي الزمن الجميل الذين كانوا يرون في الشاشة مساحة للتأثير الفكري وليس للتجميل فقط.
مدرسة إعلامية متكاملة
تبدو اليوم لميس الحديدي وكأنها مدرسة إعلامية متكاملة، لا تقتصر على الأداء الحواري، بل تشمل طريقة التفكير وإدارة الملفات وصياغة الأسئلة وتقديم الحلقات بمنهجية تدرس.
لميس الحديدي ليست مجرد مذيعة قادرة على الظهور، بل مشروع إعلامي قائم بذاته، يستمد قوته من شغف صاحبة هذا المشروع بالمهنية، وإصرارها على أن يكون الإعلام مساحة للفهم لا للضوضاء. ولهذا، كلما أطلت عبر نافذة جديدة، أصبح السؤال الحقيقي ليس: “أين تظهر؟”، بل: “كيف ستضيف إلى هذه المنصة؟” — وهو سؤال لا تمنح إجابته إلا لمن امتلكوا حضورا يصنع قيمته بنفسه.