قبيل عيد الميلاد.. الأسهم الأمريكية تسجّل مستويات قياسية في جلسة هادئة
سجّلت الأسهم الأمريكية مكاسب جديدة خلال جلسة اتسمت بالهدوء النسبي في «وول ستريت» قبيل عطلة عيد الميلاد، لتبلغ المؤشرات الرئيسية مستويات قياسية، مدفوعة بمؤشرات إضافية على متانة سوق العمل الأمريكي، ما عزّز الرهانات على سيناريو «الهبوط السلس» للاقتصاد.
وارتفع مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 0.3% حتى الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت نيويورك، كما صعد مؤشر «ناسداك 100» بنسبة مماثلة، في حين زاد مؤشر «داو جونز الصناعي» بنحو 0.6%.
وجاءت هذه المكاسب في مستهل ما يُعرف بـ«رالي نهاية العام»، الذي يمتد عادةً عبر آخر خمس جلسات تداول من العام الجاري وأول جلستين من العام الجديد، وسط أحجام تداول منخفضة. وفي الوقت نفسه، تراجعت عوائد السندات الأميركية، بينما تحرّك الدولار في نطاق ضيق.
هدوء بعد اضطرابات حادة
ويأتي هذا الأداء الهادئ في الأسهم الأمريكية على النقيض من التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق في وقت سابق من العام، عقب موجة الرسوم الجمركية التي كادت أن تدفع المؤشر الرئيسي إلى سوق هابطة. ومنذ ذلك الحين، استعادت الأسهم زخمها الصعودي، مدفوعة بسيطرة مخاوف تفويت الفرص على معنويات المستثمرين.
ورغم توقف هذا الارتفاع لفترة وجيزة مع تنامي الشكوك بشأن التفاؤل المفرط حيال الذكاء الاصطناعي في نهاية العام، فإن التوقعات بإمكانية حصول الاحتياطي الفيدرالي على مساحة أوسع لخفض أسعار الفائدة في عام 2026 واصلت دعم النظرة الإيجابية لأرباح الشركات الأميركية.
وقالت أولريك هوفمان-بورتشاردي من إدارة الثروات العالمية في بنك «يو بي إس»: «نعتقد أن على المستثمرين الاستعداد لمزيد من المكاسب في أسواق الأسهم، ولذلك نُبقي على نظرتنا الإيجابية للأسهم الأميركية». وأضافت: «نرى فرصاً جاذبة في قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية والمرافق العامة، إلى جانب القطاع المالي، بما يعزز فرص تحقيق مكاسب إضافية».
رهانات خفض الفائدة في 2026
ولا يزال المتعاملون، في ضوء أحدث البيانات الاقتصادية، متمسكين بتوقعاتهم بأن يُقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مرتين خلال العام المقبل، وهو ما يفوق بنقطة واحدة متوسط توقعات صناع السياسة النقدية.
وأظهرت بيانات الأسهم الأمريكية تراجع طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي، في إشارة إلى التقلبات الموسمية المعتادة في هذا التوقيت من العام، لكنها في الوقت ذاته تؤكد استمرار انخفاض معدلات التسريح، رغم تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وقالت ماغدالينا أوكامبو من شركة «برينسيبال» لإدارة الأصول: «نتوقع حالياً خفضين لأسعار الفائدة العام المقبل، على الأرجح في النصف الأول. وإذا لم تشهد معدلات البطالة ارتفاعاً حاداً، فإن قوة الاقتصاد وتراجع التضخم وتيسير السياسة النقدية ستدعم الأصول عالية المخاطر خلال العام المقبل».
أداء المؤشرات والأسهم
واستقر مؤشر «إس آند بي 500» قرب مستوى 6930 نقطة، فيما سجّل مؤشر تقلبات السوق (VIX) أدنى مستوى له منذ بداية العام. وتراجع سهم «إنتل» عقب تقرير أفاد بأن «إنفيديا» أوقفت اختبار استخدام عملية إنتاج «إنتل» لتصنيع رقائق متقدمة، بينما قفز سهم «نايكي» بنحو 5%.
في المقابل، انخفض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو ثلاث نقاط أساس إلى 4.13%، في حين لم يطرأ تغير يُذكر على أداء الدولار. وأُغلقت جلسة التداول في بورصة نيويورك مبكراً عند الساعة الواحدة ظهراً، على أن تُغلق سوق سندات الخزانة في الثانية ظهراً.
وقال بول ستانلي من شركة «غرانيت باي لإدارة الثروات»: «بدأت سوق الأسهم أخيراً في تسجيل مكاسب في ديسمبر بعد أسابيع من التقلب، في توقيت مثالي مع اقتراب رالي نهاية العام، الذي نتوقع أن يظهر بشكله المعتاد خلال الأيام الأخيرة من التداول».
تساؤلات حول قيادة السوق
ومع اقتراب مؤشر «إس آند بي 500» من تحقيق مكاسب مزدوجة الرقم للعام الثالث على التوالي، تصاعدت التساؤلات بشأن احتمال تغيّر قيادة السوق، في ظل التقييمات المرتفعة لأسهم التكنولوجيا والمخاوف المرتبطة بخطط الإنفاق الطموحة على الذكاء الاصطناعي.
ويرى برايان ليفيت من شركة «إنفيسكو» أن المستثمرين غالباً ما يتعاملون مع أسهم «الشركات السبع الكبرى» كوحدة واحدة متجانسة، ويفترضون أن تحركات السوق تعتمد بالكامل على قيادتها. وأضاف أن «هذا التصور مفهوم نظراً لثقلها في المؤشرات الرئيسية، لكنه يبسط الواقع أكثر مما ينبغي».
وأشار ليفيت إلى أن معظم هذه الشركات العملاقة تفوقت بالفعل على أداء مؤشر «إس آند بي 500» هذا العام، الذي سجل بدوره ارتفاعاً بنحو 18%.
من جانبه، قال ستانلي إن «تقييمات شركات التكنولوجيا مرتفعة، لكن بعض أسهم الشركات السبع الكبرى جاءت دون أداء المؤشر هذا العام، ما يشير إلى وجود مجال لمزيد من النمو، وأن الأسعار ليست جميعها مبالغاً فيها».
وفي الوقت ذاته، أظهر نطاق السوق تحسناً ملحوظاً مع اتساع قاعدة الأسهم المشاركة في الصعود.
سيناريو نهاية العام
وقال كريغ جونسون من «بايبر ساندلر»: «لا تزال الأسواق إيجابية لكنها انتقائية. تحسن نطاق السوق وتراجع التضخم يدعمان التوقعات بمكاسب موسمية خلال فترة الأعياد»، مشيراً إلى أن العوامل الموسمية قد تلعب دوراً داعماً، لكن تأكيد الاتجاه يتطلب استمرار اتساع المشاركة.
بدوره، اعتبر توماس لي من «فاندسترات غلوبال أدفايزرز» أن المؤشرات الموسمية ما زالت مواتية، متوقعاً ارتفاع السوق بما لا يقل عن 5% حتى نهاية العام. وأوضح أن هذا السيناريو يستند إلى تأخر بدء الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في 2025 حتى سبتمبر، على غرار ما حدث في سبتمبر 1998 وسبتمبر 2024، حين سجل المؤشر الرئيسي مكاسب قوية في الربع الأخير.
وفي السياق ذاته، قال كلارك بيلين من «بيلويذر ويلث»: «من المرجح أن يمتنع الاحتياطي الفيدرالي عن أي تخفيضات إضافية حتى تعيين رئيس جديد له في منتصف العام، ومع ذلك نعتقد أن الأسهم قادرة على مواصلة الارتفاع حتى دون خفض إضافي لأسعار الفائدة في الفترة المقبلة».