< أميرة العادلي تكتب: جيل زد والمشاركة السياسية وصندوق الانتخابات
تحيا مصر
رئيس التحرير
عمرو الديب

أميرة العادلي تكتب: جيل زد والمشاركة السياسية وصندوق الانتخابات

تحيا مصر

السياسة التي لا تتسع للأجيال الجديدة.. سياسة بلا مستقبل

لم يعد سؤال مشاركة الشباب في الحياة السياسية سؤالًا تقليديًا، أو مجرد عنوان لندوة جذابة ، أو حتي فقرة في برنامج تليفزيوني ، أو بودكاست ، بل أصبح سؤالًا أعمق عن شكل السياسة نفسها، وحدودها، وأدواتها، ومدى قدرتها على استيعاب أجيال تشكّل وعيها خارج القوالب الكلاسيكية. 

ويأتي جيل «زد» في قلب هذا السؤال، بوصفه الجيل الأكثر عددًا، والأسرع تأثيرًا، والأكثر اختلافًا في علاقته بالسياسة.

توقفت كثيرا خلال الأيام الماضية أمام تعليقات ، وكتابات تتحدث بثقة كبيرة عن عدم مشاركة جيل" زد " في الانتخابات ، وكأنها حقيقة ثابتة ، رغم غياب أي بيانات رسمية منشورة عن نسب المشاركة وفق الفئات العمرية أو النوع الاجتماعي في الاستحقاقات الانتخابية السابقة ، واتمني أن تعمل الهيئة الوطنية للانتخابات مستقبلا علي إتاحة هذه البيانات  ، لما لها من أهمية كبيرة في التحليل السياسي ، وتطوير أداء الأحزاب ، وفهم اتجاهات الرأي العام ، لذلك فكل ما يقال عن  مشاركة أو عزوف فئة عمرية بعينها ، هو وجهة نظر وآراء لا تستند الي معلومات دقيقة .

جيل «زد»، المولود تقريبًا بين عامي 1997 و2012، نشأ في عالم رقمي مفتوح، تشكّل وعيه عبر المنصات الإلكترونية، وتكوّنت رؤيته للعالم من خلال تدفق لا نهائي للمعلومات والصور والسرديات. وهو ما انعكس مباشرة على نظرته للمشاركة السياسية، وعلى علاقته بالاستحقاقات الانتخابية، وبالأحزاب، وبالخطاب العام.

هل يعزف جيل «زد» عن المشاركة السياسية؟

الإجابة باختصار شديد لا توجد معلومات، بل اجتهادات في ظل انخفاض لنسب المشاركة بشكل عام.

أما الإجابة الأعمق ، فهي أن جيل «زد» لا يعزف عن الشأن العام، لكنه يعزف عن الأشكال التقليدية للمشاركة. فقلة مشاركته، لا تعني لامبالاة سياسية، بقدر ما تعكس فجوة حقيقة بين أدوات السياسة التقليدية، وطريقة تفكير هذا الجيل.
جيل «زد» لا يرى السياسة في قاعات مغلقة، أو خطابات طويلة ، أو بيانات رسمية معقدة. هو جيل يتفاعل مع القضايا من خلال أدواته:
الحملات الرقمية
المحتوى القصير
النقاشات المفتوحة
المبادرات المجتمعية
الضغط عبر المنصات الاجتماعية وهو ما يجعل كثيرًا من مظاهر مشاركته غير مرئية في الإحصاءات التقليدية، لكنها مؤثرة على مستوى الرأي العام.واكبر مثال علي ذلك هو تفاعله مع احداث غزة ، والقضية الفلسطينية.

هل يتردد جيل «زد» في المشاركة الانتخابية؟

ليس تردد، بل غياب للخطاب الموجّه

فالخطاب السياسي السائد لا يخاطب جيل «زد» بلغته، ولا يربط القضايا العامة بحياته اليومية، ولا يشرح له كيف تؤثر السياسات على مستقبله الوظيفي أو الاقتصادي او الاجتماعي.

عدم الثقة في الأثر المباشر. " هستفيد ايه "، بالإضافة للسؤال الدائم عن ماذا بعد؟،
يريد أن يرى نتائج ملموسة وسريعة، بينما تعتمد العملية السياسية بطبيعتها على التراكم والوقت الطويل، وهو ما يتعارض مع ثقافة السرعة التي نشأ عليها.
التعقيد المؤسسي ، فكثير من تفاصيل العملية الانتخابية، من إجراءات، وبرامج، وبيانات رسمية، تُقدَّم غالبًا بصيغة قانونية جافة مع جيل اعتاد الشرح الواضح، والمعلومة السريعة، والتفاعل المباشر.

كذلك ضعف الحضور الحزبي الجاذب ، فكثير من الأحزاب لا تزال تنظر الي الشباب باعتبارهم “أعضاء محتملين” لا “شركاء”، ولا تمنحهم مساحات حقيقية للتأثير أو صنع القرار أو رسم السياسات.

وهنا نصل الي السؤال الأهم.كيف يمكن دمج جيل «زد» في الحياة السياسية والحزبية؟ .

دمج جيل «زد» لا يكون بالدعوة فقط، بل بإعادة تصميم السياسة نفسها لتناسب واقعه. وذلك عبر مجموعة من الخطوات:
أولًا: تطوير الخطاب السياسي ، وتبسيط اللغة دون تسطيح، واستخدام أدوات بصرية وتفاعلية ، وربط القضايا الكبرى (الاقتصاد، التعليم، العدالة الاجتماعية، البيئة) بتأثيرها المباشر على حياتهم.

ثانيًا: الانتقال إلى السياسة الرقمية من خلال التواجد الحقيقي على المنصات التي يستخدمها الشباب ، وانتاج محتوى سياسي قصير، واضح، موثوق ، وفتح مساحات للحوار، لا الاكتفاء بالخطاب من اتجاه واحد.

ثالثًا: إعادة تعريف العمل الحزبي ، من خلال قانون جديد للحياة الحزبية ،يمنح الشباب أدوارًا حقيقية داخل الأحزاب.

إشراكهم في إعداد البرامج والسياسات، ودعم المبادرات الشبابية بدل احتوائها شكليًا.

رابعًا: التربية على المشاركة لا التلقين ، من خلال إدماج مفاهيم المواطنة الرقمية ، والمشاركة السياسية ، والتفكير النقدي في التعليم ، تعميم تجربة اتحاد طلاب الجمهورية في كل المدارس وعدم اقتصرها علي المدارس الحكومية فقط ، عودة الأسر الطلابية وانتخابات اتحاد الطلاب في الجامعات بشكل حقيقي ، وعدم تجريم وتحريم ممارسة السياسة داخلها .

تشجيع جيل «زد» علي التفاعل الإيجابي في الحياة السياسية ، يحتاج الي توضيح أهمية الصوت الانتخابي بلغة عملية، والعلاقة بين البرلمان وحياتهم اليومية ، وتقديم نماذج ناجحة داخل الحياة السياسية و البرلمانية ، وتحويل الانتخابات من “واجب ثقيل” إلى أداة تأثير حقيقية ، والاعتماد علي التكنولوجيا إدارة العملية الانتخابات  كليًا أو جزئيًا.

جيل «زد» ليس جيلًا عازفًا عن السياسة، بل جيل يعيد تعريفها، لا يرفض الدولة، لكنه يرفض الخطاب التقليدي، لا يرفض المشاركة، لكنه يبحث عن معنى وتأثير.

وإذا لم نُحسن الاستماع إليه، لن يسمعنا.
أما إذا فتحنا له المجال، وطوّرنا أدواتنا، فسنكسب جيلًا جديدًا في الحياة السياسية.
فالسياسة التي لا تتسع للأجيال الجديدة، سياسة بلا مستقبل.
وجيل «زد» ليس مستقبل السياسة فقط… بل حاضرها أيضًا.

أميرة العادلي 
عضو مجلس النواب