بعد تبرأة الزوج من القتل.. قصة آية عادل الوجه البريء الذي اختفى خلف الأسى.. القصة الكاملة
لم تكن آية عادل مجرد فتاة عادية؛ كانت فنانة موهوبة، تعشق الألوان واللوحات وتعبّر عن مشاعرها بريشة هادئة لكنها صادقة في صمتها كان يوجد حديث طويل، وفي لوحاتها كانت تختبئ مشاعر لم تجد طريقها إلى الكلمات، غير أن حياتها، التي كان من المفترض أن تُبنى فوق أساسات الحلم والجمال، انتهت على نحو مأساوي، حين سقطت من شرفة منزلها في الأردن في يوم صادم من فبراير 2025.
البداية من الفن.. والنهاية من الطابق السابع
ولدت آية في مصر، وعُرفت بشغفها الكبير بالرسم منذ الصغر. دخلت عالم الفن مبكرًا، وشاركت في معارض، بل ودرّست لبعض الأطفال مبادئ الرسم. زواجها من رجل يعمل في الأردن غيّر مسار حياتها كليًا. انتقلت للعيش معه، حاملة معها آمالها وطموحاتها، وربما الكثير من المخاوف التي لم تبوح بها حتى لأقرب الناس إليها.
مع مرور الوقت، بدأت التصدعات تظهر في العلاقة بين آية وزوجها. لم تكن حياة زوجية هادئة كما ظنّت في البداية، بل اتضح لاحقًا – بحسب شهادات أسرتها – أنها كانت تتعرض للعنف بشكل متكرر. لم يكن عنفًا عابرًا، بل مستمرًا، ويزداد حدّة مع الوقت، حتى أصبح جزءًا من يومها.
لحظات ما قبل السقوط
في الأيام الأخيرة من حياتها، كانت آية قد قررت الانفصال بحسب المقربين منها، عادت إلى مصر لفترة قصيرة، تحدثت خلالها مع أسرتها عن قرارها، واشترت شقة في الإسكندرية لتبدأ فيها حياة جديدة بعد الطلاق. عادت إلى الأردن مرة أخرى فقط لتجهيز أغراضها وإنهاء بعض الإجراءات.
وفي يوم 14 فبراير 2025، وبينما كانت آية داخل منزل الزوجية، سقطت من شرفة في الطابق السابع. التحقيقات الأولية لم تكن قادرة على الجزم ما إذا كان الحادث انتحارًا، سقوطًا عرضيًا، أم نتيجة دفع متعمد. زوجها أبلغ الشرطة بأنها ألقت بنفسها، بينما كانت هناك دلائل تشير إلى احتمال وقوع اعتداء.

ما أثار الجدل أن التقرير الطبي أظهر وجود كدمات وكسور على جسد آية لا يمكن تفسيرها فقط بالسقوط. كان هناك كسر في الجمجمة، جرح قطعي، وكدمات في الساقين والفخذين. هذه الإصابات دفعت عائلتها إلى التشكيك في رواية الانتحار. بل إن والدتها خرجت بتصريحات تؤكد أن ابنتها كانت تُضرب، وأنها أرسلت لهم تسجيلات تُظهر حالتها النفسية الصعبة، وتحدثت بوضوح عن تهديدات تلقّتها من زوجها.
الجيران كذلك قدّموا شهادات تعزز شكوك الأسرة، إذ قال بعضهم إنهم سمعوا صراخًا واستغاثات في الليلة التي سقطت فيها آية. كل هذه المعطيات كانت كفيلة بتحويل القضية إلى رأي عام في مصر والأردن على حد سواء.

في قاعة المحكمة.. نصف عدالة
تم توجيه تهمتين إلى الزوج: إيذاء جسدي، ودفع الزوجة إلى الانتحار. خضع للمحاكمة في الأردن، وبعد أسابيع من التداول والاستماع للشهادات، قضت المحكمة بإدانته في التهمة الأولى فقط، أي الاعتداء الجسدي، وحكمت عليه بالسجن لمدة عام واحد مع غرامة مالية. أما التهمة الثانية – وهي الأهم – وهي التسبب في انتحار آية، فقد تمت تبرئته منها لعدم كفاية الأدلة.
هذا الحكم أحدث صدمة لدى أسرة آية، التي اعتبرته ظلمًا مضاعفًا. فبينما كانوا ينتظرون أن تُعلن العدالة أن ابنتهم لم تلقِ بنفسها، بل دُفعت دفعًا إلى هذا المصير، جاء الحكم ليكتفي بوصفه "ضربًا مفضيًا إلى الألم".
موقف الأسرة.. والشارع الغاضب
أسرة آية لم تصمت. الأم خرجت في أكثر من مقابلة إعلامية ترفض الحكم وتؤكد أن ابنتها لم تنتحر، وأن هناك تسجيلات وأدلة وشهادات لم تُأخذ بالجدية الكافية. طالبت بإعادة التحقيق، وبتدخل السلطات المصرية لإعادة الحق لابنتها.
حتى الشارع المصري والعربي تفاعل مع القضية. وسم "حق آية لازم يرجع" انتشر على منصات التواصل، وكتب كثيرون عن العنف الأسري المسكوت عنه، وكيف تتحول البيوت في بعض الأحيان إلى سجون، لا يُسمع فيها صوت المرأة إلا بعد أن تفارق الحياة.
أسئلة بلا إجابة
رغم الحكم، لا تزال هناك أسئلة كثيرة دون إجابات واضحة. هل تم التعامل مع الأدلة بجدية كافية؟ هل كان هناك تهاون من السلطات؟ هل كان لزوجها – الذي قيل إنه يعمل في جهة دولية – نفوذ أو علاقات ساعدته في التخفيف من التهم؟ وهل تُعيد المحكمة النظر في القضية إذا قدمت الأسرة طعنًا جديدًا مدعومًا بأدلة أقوى؟
أيضًا، هناك تساؤلات عن كيفية النظر إلى قضايا العنف الأسري في المجتمعات العربية: هل يكفي أن تكون هناك كدمات لإدانة المعتدي؟ وهل يُمكن اعتبار الضغط النفسي والتحقير والتخويف المستمر دافعًا كافيًا للانتحار؟ أم أن القضاء لا يعترف إلا بالدلائل المادية المباشرة؟
النهاية المأساوية لفتاة كانت تحب الحياة
آية عادل لم تكن شخصية مشهورة قبل وفاتها، لكنها أصبحت رمزًا بعد رحيلها، رمزًا لضحايا العنف الأسري، وللفتيات اللاتي لا يجدن ملاذًا آمنًا حين تتعقد حياتهن الزوجية، قصتها تركت جرحًا في قلوب كثيرين، ليس فقط بسبب طريقة موتها، بل لأن كل ما كانت تطمح إليه هو "النجاة" وبدء حياة جديدة.
لم تحمل آية سلاحًا، ولا رفعت صوتها في وجه أحد، لكن ريشتها كانت تنطق بالسلام. المؤلم أن الأيدي التي كان يجب أن تُصان بها، ربما كانت هي نفسها من أودت بحياتها، أو على الأقل دفعتها إلى النهاية.