خطة ترامب لغزة: إحباط مخططات إسرائيل للضم والتهجير
في أعقاب إعلان خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، دخلت الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل في حالة من الارتباك، إذ بدا أن ما كان يُسوَّق له منذ شهور باعتباره “فرصة تاريخية” قد انقلب إلى قيود صارمة على الطموحات الإسرائيلية. فعندما أكد ترامب أن الولايات المتحدة لن تسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، بدا الأمر كأنه نسف مباشر لآمال قطاع واسع من اليمين الإسرائيلي الذي طالما اعتبر الضم مشروعه السياسي المركزي، ووسيلة لتكريس السيطرة الإسرائيلية الكاملة على يهودا والسامرة وقطع الطريق نهائيًا على أي مشروع لدولة فلسطينية قابله للحياه
وكشف هذا الموقف الأمريكي أيضًا حدود القوة الإسرائيلية، وأظهر أن رهانات بعض القادة على دعم واشنطن لمشروع “الضم” و”التهجير” للفلسطينيين قد تهاوت أمام رفض واضح وصريح. وقد تزامن ذلك مع بنود الخطة التي أكدت التراجع التام عن الأفكار التي كانت تدعو إلى تهجير الفلسطينيين قسريًا من قطاع غزة وإفراغه من سكانه. إذ نصت النقطة 12 من الخطة على أنه “لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب في المغادرة فله حق العودة مجددًا، كما سيتم تشجيع أهالي غزة على البقاء ومنحهم الفرصة لبناء غزة أفضل.” وأكدت الخطة على أن الفلسطينيين في غزة سيظلون قادرين على التمتع بحق العودة، ما أفرغ المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجيرهم أو تغيير التركيبة الديمغرافية للقطاع، وضمن استمرار حقوقهم الأساسية في أرضهم.
كما نصت الخطة في النقطة 16 على أن إسرائيل لن تحتل غزة ولن تضمها، بينما أكدت النقطة 2 أن إعادة إعمار غزة ستكون لصالح سكانها الذين عانوا بما فيه الكفاية. وقد أعاد هذا الموقف التأكيد على حق الفلسطينيين في البقاء وإعادة إعمار غزة، مما شكل ضربة للمشاريع الإسرائيلية التي كانت تسعى للسيطرة على القطاع أو تغيير واقعه السياسي والديموجرافي.
يحاول نتنياهو في هذه المرحلة أن يُسوِّق الخطة داخليًا على أنها إنجاز شخصي، مشيرًا إلى أنها قد تؤدي إلى إعادة الأسرى الإسرائيليين والقضاء على حماس في غزة. لكنه وجد نفسه مكبَّلًا بموقف ترامب من الضفة وغزة، إذ لم يعد بوسعه أن يَعِد قاعدته اليمينية بضم الأراضي. وقد أثار هذا غضب قادة التيار المتشدد مثل سموتريتش، وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية”، الذي يعتبر الضم جوهر مشروعه السياسي، وبن جفير، زعيم حزب “عوتسما يهوديت”، المعروف بخطابه المتطرف، إذ عبّرا معًا عن أن رفض ترامب للضم يجهض ما وصفاه بـ”الفرصة التاريخية” لتغيير ميزان القوى سياسياً وديموجرافيًا لصالح إسرائيل.
في المقابل، وجدت قوى الوسط واليسار في الموقف الأمريكي وسيلة لتفنيد خطاب اليمين. فقد شدد بيني جانتس، الجنرال السابق ورئيس أركان الجيش الأسبق وزعيم حزب “أزرق أبيض”، على أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة الأسرى وتعزيز أمن إسرائيل، لا لمغامرات سياسية عقيمة. وأكد يائير لابيد، زعيم حزب “هناك مستقبل” ورئيس الوزراء الأسبق، أن إسرائيل لا تستطيع تجاهل الموقف الدولي، وأن أي حل دائم يجب أن يقوم على توافق وليس على أحلام الضم. أما أحزاب اليسار مثل “ميرتس”، فقد ذهبت أبعد من ذلك، مؤكدة أن مجرد التفكير في التهجير الجماعي للفلسطينيين يكشف عن أزمة أخلاقية وسياسية عميقة في خطاب اليمين.
الصحافة الإسرائيلية انعكست فيها هذه الانقسامات بوضوح، حيث كتب عموس هرئيل في صحيفة “هآرتس” أن نتنياهو فقد ورقة مهمة لحشد جمهوره، معتبرًا أن موقف ترامب قيّد هامش المناورة أمامه. وأعتبر ناحوم برنياع في “يديعوت أحرونوت” أن الصدمة التي تلقاها اليمين برفض الضم والتهجير أثبتت أن إسرائيل لا تستطيع فرض مشروع أحادي بهذا الحجم دون ضوء أخضر أمريكي. وذهب باراك رافيد، الصحفي المعروف بتحقيقاته في الشؤون الدبلوماسية، إلى توضيح أن أي محاولة للتحايل على الموقف الأمريكي ستقود إلى أزمة غير مسبوقة مع واشنطن. أما تشيمي شاليف، الكاتب الإسرائيلي-الأمريكي في “هآرتس”، فركز على أن نتنياهو يجد نفسه حالياً بين غضب قاعدته الشعبية التي كانت تتطلع إلى الحصول على دعم أمريكي لمخططات الضم والتهجير وبين الخطوط الحمراء التي حددها البيت الأبيض في هذا الشأن.
هكذا، تحولت الخطة من كونها ورقة ضغط في يد الحكومة إلى عامل إرباك شديد، فقد أجهضت بشكل واضح مشروع الضم وأغلقت الباب أمام فكرة التهجير الجماعي التي طالما راودت بعض قوى اليمين، وأظهرت لإسرائيل أن حدود قوتها مرسومة أمريكيًا، حتى في ظل رئيس داعم لها مثل ترامب. وفي الوقت نفسه، أعطت هذه التطورات المعارضة والكتاب النقديين مادة لتفكيك الخطاب الرسمي، وأبرزت أن المجتمع الإسرائيلي ليس موحدًا في رؤيته للمستقبل.
وعلي الرغم من مختلف الانتقادات الموجهه الي الخطه الامريكيه وما تكتنفه من غموض بالنسبه لعدد من بنودها وعدم وجود ضمانات لإمكانيه تنفيذها او تصور انها قد تسهم في اقامه السلام العادل في المنطقه الذي يضمن حقوق الفلسطينيين المشروعه في تقرير المصير وفي اقامه دولته، إلا ان الخطه جاءت لتكشف حدود القدرة الإسرائيلية وتعرّي الوهم بأن اقتلاع الفلسطينيين أو ضم أراضيهم يمكن أن يتحقق من دون ثمن سياسي ودبلوماسي باهظ علي مستوي العلاقات الامريكيه والإقليمية.
السفير عمرو حلمي