مواجهة محتملة مع إسرائيل.. طهران بين العزلة الدولية وتصعيد التهديدات
تُواجه طهران عزلة دولية مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، مما يُمثل ضربة جديدة للنظام الإيراني الذي يُحاول كبار مسؤوليه إخفاء مخاوفهم الحقيقية من احتمال تعرضهم لهجوم إسرائيلي جديد، بينما تُصاعد التصريحات الرسمية الإيرانية المليئة بالتهديدات والتحذيرات في محاولة لتحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية المتعددة التي تعصف بالبلاد.
وحسب تقرير لـ اندبندنت فارسية تُشير الوقائع الميدانية إلى هشاشة الموقف الإيراني وضعف قدراته العسكرية التي تكبدت خسائر فادحة في المواجهات السابقة. وتأتي هذه التصريحات في وقت تشير فيه التقارير الدولية إلى تزايد الضغوط على النظام الإيراني من عدة جبهات، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة.
خطاب التهديد والإعلام الموالي للنظام
صحيفة "كيهان" الناطقة باسم مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي كتبت تقريراً خاصاً تُحاول فيه تحويل مسار النقاش العام من الأزمات الاقتصادية الخانقة إلى سيناريوهات المواجهة الدولية، حيث تعمل الصحيفة التي يُشرف عليها حسين شريعت مداري الممثل الرسمي لآراء المرشد، كمنظّر رسمي للنظام، حيث تعود إلى تبرير التدهور الاقتصادي بالإشارة إلى حرب الأيام الـ12 والعقوبات الدولية، وأن التلاحم الداخلي والقدرة العسكرية الإيرانية هما السبب وراء فشل الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق أهدافهما، وتؤكد الصحيفة في تقريرها أن "المواجهة الجديدة مع العدو أمر مرجح"، معتبرة أن الهجمات الإعلامية وعمليات "تيليغرام" التي تستهدف معيشة المواطنين هي أدلة على حرب شاملة يشنها الخصوم.
التلويح بالضربة الاستباقية والردود الإسرائيلية
تُصعد التصريحات الإيرانية من حدة التهديدات لتصل إلى حد التلويح بضربة استباقية، حيث تهدد الصحيفة بالقول إنه "لن يكون الأمر هذه المرة بأن يوجه العدو الضربة الأولى"، في إشارة إلى نية إيرانية محتملة.
وتأتي هذه التصريحات رداً على تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان الذي ينشر رسالة عبر منصة "إكس" يحذر فيها من أن "من يظنون أن المواجهة مع النظام الإيراني قد انتهت، مخطئون ويضللون الآخرين". يشير ليبرمان إلى النشاط الإيراني المتسارع في المجال النووي وتعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية، معتبراً أن تفعيل "آلية الزناد" من قبل الدول الأوروبية قد يدفع طهران إلى محاولة مفاجئة إسرائيل.
المخاوف الإيرانية من التغيير الإقليمي
تُدرك القيادة الإيرانية التهديدات المتعددة التي تُواجهها وفقاً لتحليلات صحيفة "إسرائيل هيوم"، حيث ترى في خطة السلام التي يطرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لإنهاء حرب غزة تهديداً وجودياً مباشراً.
ويعني القضاء على حركة "حماس" ضرب أحد أهم الأذرع الإقليمية الإيرانية، كما أن تدهور وضع "حزب الله" وتراجع نفوذ الميليشيات العراقية وإمكانية سقوط نظام الأسد في سوريا، كلها عوامل تزيد من شعور طهران بالحصار.
وتعزز هذه التطورات المتسارعة مخاوف القيادة الإيرانية من حرب تهدف إلى تغيير النظام، مما يزيد من احتمالية وقوع خطأ في الحسابات وربما شن هجوم مباغت على إسرائيل.
التناقض بين الخطاب العسكري والواقع الميداني
تُظهر التصريحات الإيرانية الرسمية تناقضاً صارخاً بين الخطاب العلني المتصلب والواقع العسكري المتردي، حيث يدعي نائب القائد السابق للتنسيق في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي أن "إسرائيل لا تجرؤ على شن عدوان جديد على إيران"، وأن "رد النظام الإيراني سيكون شديداً ومقنعاً"، بينما تشير الوقائع الميدانية إلى خسائر كبيرة تكبدتها طهران خلال الهجمات السابقة.
وتُسجل خسائر ميدانية تشمل مقتل أكثر من 300 قائد عسكري رفيع ومتوسط، وتدمير جزء كبير من منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، مما يكشف عن ضعف قدراتها الدفاعية بشكل لم يعد من الممكن إخفاؤه.
الإخفاقات العسكرية والضربات الاستخباراتية
يُثير الكشف عن عملية "الوعد الصادق-2" قبل ساعتين فقط من انطلاقها، كما يعلن المتحدث باسم الحرس الثوري علي محمد نائيني، تساؤلات حول الفعالية التشغيلية للجهاز العسكري الإيراني.
ويمثل مقتل القادة المسؤولين عن تخطيط وتوجيه هذه العملية، وهم محمد باقري وحسين سلامي وأمير علي حاجي زاده، ضربة استخباراتية وعسكرية موجعة للنظام الإيراني. تُظهر هذه الخسائر الفجوة الواسعة بين الخطاب الدعائي الإيراني والقدرات الفعلية على الأرض، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة طهران على الوفاء بتهديداتها في حال اندلاع مواجهة شاملة.
تحليلات الخبراء ومخاطر التصعيد
يُحلل "معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية" قدرة إسرائيل على اختراق العمق الجوي الإيراني رغم مساحته الواسعة ومنظوماته الدفاعية والتي أظهرت مستوى غير مسبوق من التفوق العسكري.
ويؤكد التقرير أن حرب الأيام الـ12 انتهت من دون اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار، وكانت على وشك التدهور الكامل لولا التدخل الأمريكي في اللحظات الأخيرة. يتمثل الخطر الأكبر، بحسب التقرير، في عدم وجود وقف إطلاق نار رسمي بين إيران وإسرائيل، وغياب الضمانات الدولية أو قنوات اتصال فعالة لتخفيف التوتر، مما يرفع من احتمالية اندلاع مواجهة جديدة نتيجة خطأ في الحسابات من أحد الطرفين.
محاولات بناء الردع ومستقبل المواجهة
وتُحاول طهران تعزيز قدرة الردع من خلال تطوير الدفاعات الجوية وزيادة مخزونها من الصواريخ بدعم من روسيا والصين، لكنها تواجه تحديات جسيمة. يبقى الطريق أمام إعادة بناء القوة الردعية التقليدية معقداً وغير واضح المعالم، كما أن مدى استعداد موسكو وبكين لتقديم دعم حقيقي يبقى محل تساؤل. تُلوح في الأفق إمكانية قيام إسرائيل بهجوم استباقي جديد، خاصة في ظل التحذيرات الإسرائيلية المتكررة من استمرار طهران في محاولاتها لإعادة بناء قدراتها النووية. يُضع هذا المشهد المعقد المنطقة على حافة مواجهة قد تكون أشد عنفاً وأوسع نطاقاً من أي مواجهة سابقة.