< 15 صورة لأصل مبهر.. لماذا تفوق أحمد زكي تفوق في تجسيد شخصية السادات؟
تحيا مصر
رئيس التحرير
عمرو الديب

15 صورة لأصل مبهر.. لماذا تفوق أحمد زكي تفوق في تجسيد شخصية السادات؟

تحيا مصر

شكلت شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات مادة درامية ثرية للسينما والدراما، حيث امتلكت حياته حبكة درامية متكاملة تبدأ من نشأته في قرية ميت أبو الكوم، مرورًا بنضاله الوطني ودخوله السجن، ثم مشاركته في ثورة يوليو وصولاً إلى رئاسة مصر وصناعته لأهم قرارات الحرب والسلام، وصولاً إلى اغتياله في حادثة المنصة. 
هذه الرحلة الحافلة بالمحطات التاريخية جعلت منه شخصية جاذبة للعديد من المبدعين في المجال الفني، فتناوب على تجسيد شخصيته مجموعة من أبرز نجوم الفن في مصر والعالم، كل منهم حاول أن يقدم رؤيته لهذه الشخصية التاريخية الفريدة، مستندًا إلى الأرشيف الغني من الوثائق والتسجيلات التي حفظت ملامح الراحل وأسلوبه المميز في الكلام والحركة.

عاشق التمثيل الذي أصبح شخصية درامية

قبل أن يصبح السادات شخصية تاريخية يتبارى الفنانون لتجسيدها على الشاشة، كان هو نفسه مغرمًا بفن التمثيل وطامحًا في احترافه. ففي شبابه، حاول السادات دخول عالم التمثيل، وكتب رسالة للمخرجة عزيزة أمير وصف فيها نفسه حسبما نشر فى مجلة فصول مطلع مايو 1935  و كتب فيها: «قوامى نحيل، وجسمى ممشوق وتقاطيعى متناسقة.. إننى لست أبيض اللون ولكنى أيضا لست أسود، إن وجهى أسمر، ولكنها سمرة مشربة بحمرة».
وهى الرواية التى كثيرا ما كان يرويها الرئيس السادات فى جلساته كطرفة لم ينسها وحلم كان يرغب لو تحقق، وفى سيرته الذاتية يذكر أيضا أن أصدقاءه كانوا مغرمين بموهبته التمثيلية، لذلك كثيرا ما كان يطلب منه أصدقاؤه أن يقلد لهم صوت قادة الجيش، ومشاهير الممثلين فى جلساتهم، وروى السادات أيضا أنه فى يوم ما، قرأ إعلانًا تطلب فيه الفنانة أمينة محمد وجوهًا جديدة لفيلمها «تيتا وونج»، وعندما توجه إلى مقر الشركة فى عمارة بشارع إبراهيم باشا، جاءت الفنانة أمينة محمد وشاهدت الـ20 شابًا المتقدمين، إلا أنها اختارت اثنين فقط، ورفضت الباقى.ولم يتوقف استغلال موهبته عند هذا الحد بل إنه يروى فى كتابه «30 شهرا فى السجن» أنه أصدر مع بعض رفاق السجن صحيفة «الهنكرة والمنكرة»، وعندما وجد السادات أنه لم يشبع موهبته وعلاقته بفن التمثيل، لذلك قام مع بعض المساجين بعمل إذاعة داخل السجن، وقدم بنفسه فقرتين، وكان يكتب فى لوحة إعلانات السجن برنامج اليوم، ومنه: الساعة 6.00 حديث للأطفال للمربى الفاضل بابا أنور، والساعة 11.00 أغنية حديثة «للمجعراتى المتسول» أنور الساداتومن أغانيه التى أوردها فى كتابه: «أنا جيت لكم والله يا ولاد *** أنا أحبكم قوى قوى يا أولادأنا جيت لكـم أنا جيت *** والاتهامـات آخـر لخابيط».

البدايات الأولى لتجسيد الشخصية

شهدت تسعينيات القرن الماضي البدايات الفعلية لتجسيد شخصية الرئيس الراحل في الأعمال الفنية، حيث برز عدد من الفنانين الذين قدموا الشخصية في أدوار ثانوية أو رئيسية ضمن أعمال تناولت فترات تاريخية مختلفة. كان الفنان عبد الله غيث من أوائل من جسدوا شخصية السادات في مسلسل "الثعلب" عام 1993، الذي تناول إحدى عمليات المخابرات العامة المصرية بقيادة الفريق رفعت جبريل. 
وفي العام التالي، قدم الفنان أحمد عبد العزيز شخصية السادات في فيلم "الجاسوسة حكمت فهمي" حيث جسده في شبابه كأحد الضباط الأحرار، في قصة تدور حول راقصة مصرية تعمل جاسوسة مزدوجة خلال الحرب العالمية الثانية. 

كما قدم الفنان نجاح الموجي شخصية السادات في فيلم "زيارة السيد الرئيس" عام 1994. وشهد عام 1995 تقديم الفنان جمال عبد الناصر لشخصية السادات في فيلم "امرأة هزت عرش مصر" الذي تناول قضية مقتل أمين عثمان. وهذه الأعمال المبكرة مثلت البدايات التأسيسية لتجسيد شخصية السادات، حيث حاول كل فنان فيها التقاط ملامح الشخصية في مراحل مختلفة من حياتها.

التجسيد الأميركي وردود الفعل الرافضة

في عام 1983، أنتج فيلم أميركي بعنوان "سادات" من إخراج مايكل أوبتز، وجسد فيه الممثل الأميركي الأسود لويس جوست جونيور شخصية الرئيس الراحل.
وتناول الفيلم السيرة الذاتية للسادات بداية من قيام صديقه بقتل أحد وزراء الملك فاروق، مرورًا بثورة الضباط الأحرار، وصولاً إلى زيارته للقدس وتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، وانتهاء بحادثة الاغتيال في حادثة المنصة. لكن الفيلم واجه انتقادات حادة من السلطات المصرية التي طالبت بمنع عرضه في السينما المصرية ومنع توزيع الأشرطة في شوارع القاهرة والمحافظات، نتيجة إلى ما اعتبرته "مغالطات تاريخية وأخطاء في تمثيل الأدوار المصرية من قبل الممثلين الأميركيين". كما دعا الفنانون ومجلس الشعب إلى مقاطعة الفيلم وعدم مشاهدته، مما جعل هذه التجربة واحدة من أكثر التجارب إثارة للجدل في تجسيد شخصية الرئيس الراحل.

أحمد زكي واستحواذه على الشخصية

يظل الفنان الراحل أحمد زكي هو أشهر من جسد شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وذلك من خلال فيلم "أيام السادات" الذي أخرجه محمد خان عام 2001. وقد قدّم زكي في هذا العمل واحدًا من أنجح أفلام السيرة الذاتية وأكثرها نضجًا، حيث قام بدراسة دقيقة لكل تفاصيل حياة السادات وحركاته وطريقة نطقه للكلام، مما مكنه من اقتباس روح الشخصية والتعبير ببراعة عن واحد من أبرز الرؤساء في التاريخ المصري الحديث. 
اعتمد الفيلم على مذكرات السادات "البحث عن الذات" وكتاب "سيدة من مصر" لزوجته جيهان السادات، وكتب السيناريو أحمد بهجت. يبدأ الفيلم بلقطات لتولي السادات الحكم عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ثم يعود بالذاكرة إلى الوراء لاستعراض حياة السادات منذ صغره، مرورًا بدوره الوطني في مواجهة الإنجليز ودخوله السجن، ثم فصله من الجيش وعمله في مهن متواضعة، ثم عودته إلى الجيش والانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، وصولاً إلى ثورة يوليو وحرب أكتوبر وزيارة القدس واختتامًا باغتياله. ويعتبر هذا الدور من أصعب الأدوار التي قدمها أحمد زكي في مسيرته الفنية حسبما صرح بنفسه.

تنوع في التجسيد وتعدد في الوسائط

لم تقتصر تجسيدات شخصية السادات على الأفلام السينمائية فقط، بل امتدت إلى المسلسلات التلفزيونية والأعمال المسرحية أيضًا، كما تنوع الفنانون الذين قدموا الشخصية بتنوع المراحل التاريخية التي تناولوها. ففي التلفزيون، جسد الفنان محمد نصر شخصية السادات في ثلاثة مسلسلات هي "العندليب" و"صديق العمر" سنة 2014 و"الجماعة".
كما قدم الفنان محمود عبد المغني الشخصية في الجزأين الأول والثاني من مسلسل "أوراق مصرية"، بينما جسدها الفنان أحمد بدير في الجزء الثالث من المسلسل نفسه. وفي فيلم "ناصر 56" عام 1996، جسد الفنان محمود البزاوي شخصية السادات بأداء متقن وإن كان ظهوره محدودًا في الفيلم الذي كان مركزًا على شخصية الرئيس جمال عبد الناصر. 
أما على المسرح، فقد قدم الفنان خالد النبوي شخصية السادات في مسرحية "كامب ديفيد" التي عُرضت في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 2014 باللغة الإنجليزية، من تأليف لورانس رايت. هذا التنوع في التجسيدات عبر وسائط فنية مختلفة يدل على ثراء الشخصية وأهميتها المحلية والعالمية.
وعبر هذه المسيرة الممتدة من التسعينيات حتى اليوم، استطاعت شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات أن تحتل مكانة متميزة في الإنتاج الفني المصري والعالمي، حيث قدمها أكثر من 15 فنانًا في أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية متنوعة. 

ورغم تعدد هذه التجسيدات وتنوعها، تظل تجربة أحمد زكي في فيلم "أيام السادات" هي الأكثر التصاقًا بالذهن الجماعي للمصريين، نظرًا للجهد الكبير الذي بذله الفنان الراحل في دراسة الشخصية وإتقان تفاصيلها الدقيقة، مما جعل منه المرجعية الأساسية في تجسيد شخصية السادات. تبقى شخصية السادات من الشخصيات التاريخية النادرة التي جمعت بين كونها مادة للدراسة التاريخية والسياسية، وموضوعًا للإبداع الفني، مما يضمن لها البقاء في الذاكرة الجمعية للأجيال القادمة.