مدينة السلام تستضيف المفاوضات في يوم العبور
يوم السادس من أكتوبر ليس مجرد تاريخ في الذاكرة، بل هو قِبلة قومية تتجدد فيها روح العزيمة والإصرار على استعادة الحقوق والكرامة. أن تستضيف مدينة شرم الشيخ، درة سيناء وفخر العبور، اجتماعات غير مباشرة بين وفدين إسرائيلي وآخر من حركة حماس في هذا اليوم بالذات، لهو حدث يتجاوز كونه مجرد ترتيب دبلوماسي ليصبح رسالة قومية بليغة. إنها دلالة عميقة على أن مصر، التي عبرت الصحراء وهزمت المستحيل في 73، لا تزال تؤمن بأن السلام الحقيقي لا يمكن أن ينبثق إلا من رحم القوة والعزيمة، وأن تحقيق العدالة هو المدخل الوحيد للاستقرار الدائم.
لقد اختارت مصر، بقيادتها الرشيدة، أن تبعث برسالة واضحة للعالم أجمع مفادها أن العبور في أكتوبر لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان عبورًا نحو مستقبل أكثر سلامًا وأمنًا للمنطقة بأسرها. استضافة شرم الشيخ لهذه المحادثات، بالتزامن مع ذكرى العبور، يعكس إيمان مصر الراسخ بأن تاريخها المشرق في استعادة الأرض بالقوة، يؤهلها اليوم لتكون مهندس السلام بامتياز. إنها تؤكد على أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على إحداث التغيير الإيجابي، وأن التاريخ الذي صنعته مصر في أكتوبر هو ذاته الذي يمنحها الشرعية والثقل لقيادة مبادرات السلام وإنهاء الصراعات.
رمزية شرم الشيخ، "مدينة السلام"، في هذا التوقيت تحديدًا، لا يمكن تجاوزها. إنها المدينة التي شهدت قممًا سابقة كرست لمفهوم السلام القائم على العدل، والتي سبق أن جمعت قادة المنطقة في لحظات تاريخية فارقة. اختيارها مجددًا لاستضافة هذه المفاوضات لا يعدو كونه تأكيدًا على هويتها كحاضنة للسلام، ومحورًا للتلاقي والحوار، بعيدًا عن ضجيج الصراعات ولهيب الميادين. إنه بمثابة إعلان بأن مصر لن تتوانى عن استخدام كل أوراق قوتها، تاريخها وجغرافيتها ودبلوماسيتها، من أجل إطفاء نار الحرب وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق نحو الحرية والاستقلال.
إن المحادثات التي تدور رحاها على أرض شرم الشيخ، وإن اتسمت بطابع فني وتقني، إلا أنها تحمل في طياتها الآمال العريضة لوقف نزيف الدم في غزة، وإنهاء عامين من الحرب والإبادة التي طالت الشعب الفلسطيني.
وفي الختام، إن استضافة هذه المفاوضات في يوم العبور، لا تزيد مصر إلا ثباتًا وتصميمًا على المضي قدمًا نحو تحقيق السلام العادل والشامل. إنه تأكيد على أن مصر لم ولن تتخلى عن دورها التاريخي في الدفاع عن قضايا الأمة، وأنها ستظل الركيزة الأساسية للسلام والأمن في المنطقة. فالعبور في أكتوبر كان انتصارًا عسكريًا، واستضافة شرم الشيخ اليوم هي عبور دبلوماسي نحو غدٍ أفضل، تُرفرف فيه رايات السلام والعدل فوق كل شبر من أرض فلسطين.