< صاحب المواقف الحاسمة.. معارك أحمد عمر هاشم ضد التطرف والانحلال الفكري
تحيا مصر
رئيس التحرير
عمرو الديب

صاحب المواقف الحاسمة.. معارك أحمد عمر هاشم ضد التطرف والانحلال الفكري

تحيا مصر

 

فقدت مصر صباح اليوم الثلاثاء السابع من أكتوبر 2025 علماً من أعلامها، هو الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الذي انتقل إلى رحمة الله عن عمر ناهز الرابعة والثمانين بعد مسيرة حافلة بالعطاء في خدمة العلم والدين. 
قضىالراحل حياته بين قاعات الدرس والبحث والتأليف، وكان أحد الأصوات العقلانية في الخطاب الديني، ومن كبار المختصين في علم الحديث النبوي، ترك وراءه إرثاً علمياً ضخماً ومدرسة فكرية تميزت بالتوازن والاعتدال. لقد كان رحمه الله نموذجاً للعالم الموسوعي الذي جمع بين التخصص الدقيق والعمل الدعوي الميداني عبر أكثر من خمسة عقود، تاركاً بصماته الواضحة في الحياة الدينية والفكرية في مصر والعالم الإسلامي.

النشأة والتكوين بين القرآن الكريم والدراسة الأزهرية

في السادس من فبراير عام 1941، بقرية بني عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وُلد أحمد عمر هاشم في بيئة علمية ودينية، حيث كان بيته يمتد نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما. وقد تشكلت ملامح الطفل الذي سيصبح فيما بعد أحد رموز الأزهر في هذه القرية التي كانت مركزاً للعلم والذكر، يجتمع فيها العلماء والمصلحون يتدارسون القرآن ويحيون الليالي بالذكر والدعاء.
أتم الصغير حفظ القرآن الكريم كاملاً في العاشرة من عمره، وكانت ذاكرته القوية تدهش أساتذته وزملاءه، وعندما صعد المنبر في الحادية عشرة من عمره ليُلقي أول خطبة له، أدرك من حوله أن أمامهم موهبة استثنائية من خطيب صغير السن واسع الأفق يملك حضوراً قوياً، فكانت تلك اللحظة شرارة البداية في مسار امتد لعقود.

المسيرة العلمية والأكاديمية من معيد إلى رئيس جامعة

اختار أحمد عمر هاشم طريق الأزهر الشريف، فالتحق بالتعليم الأزهري حتى تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1961، وحصل على الإجازة العالمية عام 1967، ثم عُين معيداً بقسم الحديث بكلية أصول الدين. 
وواصل مسيرته الأكاديمية بحصوله على درجة الماجستير في الحديث وعلومه عام 1969، ثم الدكتوراه في نفس التخصص، ليصبح أستاذاً للحديث وعلومه عام 1983. 
وفي عام 1987، عُين عميداً لكلية أصول الدين بالزقازيق، ليسطع نجمه أكثر عندما تولى منصب رئيس جامعة الأزهر عام 1995، حيث قام خلال هذه الفترة بتحديث المناهج وتعزيز البحث العلمي ورفع كفاءة الأساتذة. وقد أشرف خلال مسيرته الأكاديمية على أكثر من مائتي رسالة ماجستير ودكتوراه، وساهم في تكوين أجيال حملت فكره الوسطي في أنحاء العالم الإسلامي.

المناصب والمسؤوليات بين العلم والسياسة والإعلام

لم تكن مسيرة الدكتور أحمد عمر هاشم مقصورة على المجال الأكاديمي فحسب، بل امتدت إلى مجالات السياسة والإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية. 
شغل عضوية مجلس الشعب المصري بتعيين من رئيس الجمهورية لعدة دورات، كما كان عضواً في مجلس الشورى بالتعيين، وعضواً في المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي. وتولى رئاسة لجنة البرامج الدينية بالتليفزيون المصري، وكان عضواً في مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون. وعلى الصعيد العلمي، كان عضواً في هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعضواً في مجمع البحوث الإسلامية منذ عام 1990، وعضواً في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمجلس الأعلى للطرق الصوفية ممثلاً للأزهر، بالإضافة إلى عضويته في المجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للجامعات بين عامي 1995 و2003. كما كان عضواً في اتحاد الكتاب المصريين، وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1992 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

مواقف حاسمة  في مسيرة الدكتور عمر هاشم

واجه الدكتور أحمد عمر هاشم عدة مواقف حاسمة عبر مسيرته، تجلت فيها ثباته على مبادئه ومواقفه الفكرية. ففي عام 2000، وعندما كان يشغل منصب رئيس جامعة الأزهر، طالب بسحب رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري حيدر حيدر من السوق ومنع تداولها، قائلاً إن "الفجور ليس من الفن والإبداع".
كما طالب بإصدار قانون يجرم كل من يعتنق الفكر البهائي واصفاً البهائية بأنها "فئة ضالة تدعي النبوة وتسعى إلى هدم الإسلام". وكان الراحل دوماً صوتاً يحمل دفء الإيمان وعقلانية العالم، يرد على الفكر المتطرف بالحجة والابتسامة، ويعيد الثقة في الخطاب الديني الأزهري المعتدل. وقد دافع عن وحدة الصف، ونبه إلى خطورة الفكر المتشدد الذي يجر المجتمعات إلى الصدام، معتزاً بمنهج الأزهر الوسطي الذي ظل يدافع عنه في كل المحافل.

الإنتاج العلمي والفكري والمعرفي

ترك الدكتور أحمد عمر هاشم إرثاً علمياً ضخماً يتجاوز 120 كتاباً في مجالات الحديث وعلومه والسيرة النبوية والفكر الإسلامي والتربية والدعوة. ومن أبرز مؤلفاته: "السنة النبوية وعلومها"، "قواعد أصول الحديث"، "من هدى السنة النبوية"، "الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة والرد على منكريها"، "تيسير مصطلح الحديث"، "الإسلام وبناء الشخصية"، و"الإسلام والشباب". كما أبدع في تحقيق كتب علمية وشروح مثل "شرح صحيح مسلم" و"فيض الباري في شرح صحيح البخاري"، مسهماً في الحفاظ على التراث الحديثي بدقة. واتسمت مؤلفاته بالدقة العلمية والمنهجية النقدية المتوازنة، وجعلت منها مراجع أساسية للباحثين والطلاب. كما أشرف على إعداد موسوعة حديثة معاصرة، تُعد من أوائل الموسوعات التي رتبت الأحاديث النبوية موضوعياً وفقهياً، في جهد علمي استغرق سنوات من العمل.

الرحيل والتأبين وخاتمة المسيرة

انتقل الدكتور أحمد عمر هاشم إلى رحمة الله تعالى فجر يوم الثلاثاء السابع من أكتوبر 2025، بعد معاناة مع المرض، حيث أعلنت صفحته الرسمية على موقع فيسبوك النبأ في منشور جاء فيه: "بقلوب مملوءة بالإيمان والرضا بقضاء الله، ننعي إلى العالمين العربي والإسلامي وأحبائه وتلاميذه وفاة فقيدنا الحبيب الإمام الشريف الدكتور أحمد عمر هاشم".
وأقيمت صلاة الجنازة على روحه عقب صلاة الظهر بالجامع الأزهر الشريف، ثم شيع جثمانه إلى مثواه الأخير في مدافن العائلة بالساحة الهاشمية بقرية بني عامر مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث وُلد وبدأ رحلته مع القرآن. 
وقد نعاه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قائلاً إن الفقيد الراحل كان "عالماً أزهرياً أصيلاً، وأحد أبرز علماء الحديث في عصرنا، رزقه الله حسن البيان وفصاحة اللسان، والإخلاص في الدعوة إلى الله، وخدمة سنة نبيه ﷺ". لقد رحل الجسد لكن تبقى سيرته الطيبة وعلمه وآثاره ومحبته في قلوب طلابه ومحبيه، شاهدة على حياة قضاها في ميادين العلم والدعوة وخدمة الإسلام.