عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024 الموافق 06 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: من المستفيد من صراع الترحم على شيرين أبو عاقلة؟

تحيا مصر

قبل الإجابة على هذا السؤال المهم دعونا نوضح كيف تم اغتال الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي؟.. صباح الأربعاء الماضي تم إغتيالها بدم بارد، ليتأكد لنا أن الاحتلال الصهيوني يكره الصحافة والإعلام لأنها إحدى أهم وسائل فضحه وتجريسه، وأنه يسعى جاهدًا لقتل الكلمة التي تكشف الحقيقة، وتنير العقول والأبصار، مراسلة قناة الجزيرة القطرية بفلسطين كانت في مهمة لتغطية اقتحام قوات الإحتلال لمخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة لتطولها يد الخسة والنذالة.

تحيا مصر

وطبقًا لشهود العيان من الصحفيين والمراسلين الفلسطينيين فإن مجموعة من الصحفيين كانوا يغطون الأحداث في منطقة مكشوفة تماماً، ولم تكن بها مقاومة أو إطلاق نار من جانب الشباب الفلسطيني الذين يتصدون بأجسادهم العارية لبلطجة الإحتلال.. شيرين وزملاؤها وطبقًا لما شاهدناه من صور تليفزيونية كانت ترتدي خوذة على رأسها وسترة مضادة للرصاص مكتوبًا عليها صحافة وكما هو معهود باللغة الإنجليزية.

والصحفيون جميعهم كانوا يقفون مكشوفين أمام جنود الإحتلال وخلفهم جدار، ولا يوجد فلسطينيون مقاومون في المنتصف، ولذلك فإن القناص الإسرائيلي صوب على الصحفيين، وأصاب زميلها بقناة الجزيرة في ظهره، وحينما حاولت شيرين الاطمئنان عليه، صوب القناص الإسرائيلي رصاصة قاتلة أسفل أذنها، وهو ما يؤكد أن الرصاصة خرجت من قناص يستهدف قتلها وزميلها وكل من يحاول أن يقدم تغطية صحفية واقعية، ليتأكد لنا جميعًا أن الإحتلال كان يبيت النية لاغتيال أبو عقلة وأي نموذج مشابه لها يحاول أن يكشف طبيعة وحقيقة الإحتلال.

رحلت أبو عقلة النموذج المشرف للمراسل الميداني الحقيقي والفعال، الذي يقدم الوقائع والحقائق للمشاهدين، في مناطق الأحداث الساخنة بمصداقية ومهنية وإحترافية، وهي تدافع عن الكلمة وشاهدة على الحقيقة، وتأثر العالم بأثره لرحيلها وغضب وثار، وتركت في قلوب الجميع بصفة عامة وقلوبنا كصحفيين بصفة خاصة حزن عميق لرحيلها، فكانت نموذجًا حياً ومعبرًا عن المراسل الميداني الذي يتحمل الكثير من الصعاب حتى يؤدي مهمته على أكمل وجه.

الملفت للنظر في رحيلها هي حالة الإستنفار والغضب التي سادت الوسط الصحفي والإعلامي في جميع أنحاء العالم من شرقه لغربه وإدانته لهذا الحادث الخسيس، والغريب في الأمر هي حالة الصراع الدائرة على صفحات السوشيال ميديا ومواقع التواصل الإجتماعي كونها شهيدة من عدمه أم لا؛ وحالة الهيستيريا حول الترحم عليها بسبب ديانتها، والفزع الذي صار بين رواد الصفحات والمنصات والجروبات حول هذه الأمور العبثية التي أرى أنها لا تخص أحد في هذا الكون سوى الله، وتناسوا الجريمة النكراء التي قام بها الإحتلال في حق الإنسانية كلها.

تخيلوا أن قطاعاً عريضًا من العرب والمسلمين، ومعظمهم مصريون، انشغل بهذه العبثية عقب اغتيال شيرين أبو عقلة، وتناسوا أنها ماتت حينما كانت تمارس عملها لتفضح هؤلاء القتلة وتكشف زيفهم وخستهم، والقطاع الآخر لم ينشغل بالجريمة الإسرائيلية البشعة، بل ديانة الصحفية المسيحية، ولاحظنا كم الأسئلة العبثية التي ملئت السوشيال ميديا؛ أمثال هل يجوز الترحم على شيرين أبو عاقلة أم لا، وهل يجوز أن نصفها بأنها شهيدة أم لا، وهل ستدخل الجنة أم لا؟!.

لستُ متخصصًا في القضايا والمسائل التي تتعلق بالعقيدة والدين، وأحترم حق كل شخص في الإيمان والتدين، ولكن اليوم فإن هذا الموضوع خلافي جداً يناقشه المتخصصون من أهل الدين، وليس أهل السوشيال ميديا، والسؤال الذي يشغلني هو: كيف يفكر هؤلاء الذين عزلوا أنفسهم عن الدنيا بأكملها، بحيث أن كل ما يشغلهم في حادث خطير مثل اغتيال أبو عقلة هو النهي عن الترحم على شيرين أبو عاقلة؟!!.. الخطورة أن هذا الجدل ليس مقصورًا على المتطرفين، بل الأخطر أن هذا الداء أصاب مواطنين بسطاء كثيرين، وبعضهم كتب على صفحته على وسائل التواصل الإجتماعي ينهون عن الترحم على أبوعاقلة، ولا يرونها شهيدة.

والسؤال الهام هنا: لمصلحة من هذا الصراع والزخم حول الترحم عليها وكونها شهيدة من عدمة؟.. قولًا واحداً لمصلحة إسرائيل، هذا الجاني الذي يريد قتل كلمة الحق متجسدة في شيرين أبو عقلة وغيرها من جنود الصحافة والإعلام، وتوسيع الجدل حول الترحم على أبو عاقلة مقصود وهدفه صرف الغضب بعيداً عن الكيان الصهيوني، وأبو عاقلة شهيدة قضية عادلة والترحم عليها فطرة إنسانية ومصيرها ومصير الجميع في يد الله وحده.

مرة أخرى إسرائيل هي المستفيد الوحيد من إثارة مثل هذا النوع من النقاشات والخلافات، رحم الله شيرين أبو عقلة وألهم أسرتها وأهلها ومحبيها الصبر، ولعل هذه الجريمة الشنيعة تجعلنا نفكر بمنطقية وعقلانية أن الإنسان خلقه إلهاً واحد وهو وحده من سيحاسبه، وأن الصهيونية ضد الإنسانية، وأن الدم كله حرام، وعلى المتصارعين أن لا ينشغلوا بديانات وعقائد الناس بقدر إنشغالهم بحالهم فالجنة والنار من خلق الله الذي خلق البشر أجمعين.

تابع موقع تحيا مصر علي