قارئات للقرآن فى الإذاعة المصرية
ADVERTISEMENT
منذ إنطلاق إذاعة القرآن الكريم فى 25 مارس عام 1964 من مبنى ماسبيرو بالقاهرة، وهى تمثل وجه الوسطية والاعتدال لصورة الإسلام الحنيف، كما كانت المنبر الوحيد لنشر المدرسة المصرية فى قراءة القرآن الكريم والابتهال فى العالم كله، وكان لها الفضل فى تعليم القرآن الكريم لمتابعيها فى كل قارات الدنيا.
وفى عام 2015 كنت فى كينيا لتدريب بعض أئمة المساجد، واعترف لى بعض الحاضرين بفضل إذاعة القرآن الكريم المصرية فى حفظه للقرآن؛ فقال نصًا: «خذو العلم من علماء الأزهر ومن مصر؛ فمصر هي التي علمت الدنيا دين الله، واسمحوا لي أن أذكر لكم تجربتي الشخصية. قال: لقد نشأت في قرية فقيرة، وما وجدت وسيلة لحفظ القرآن الكريم غير إذاعة مصر؛ فكنت أضبط الإذاعة المصرية (يقصد إذاعة القرآن الكريم) كل يوم وأردد القرآن خلف الشيخ الحصري، والشيخ عبد الباسط عبدالصمد، والشيخ المنشاوي، حتي حفظت القرآن مثل اسمى وأنا لا أتحدث العربية، ثم التحقت بالأزهر الشريف وأنا الآن أستاذ فى الجامعة بفضل الله ثم مصر ».
ولا تزال إذاعة القرآن الكريم، تحمل عمقًا وعبقًا تاريخيًا مؤثرًا يُعد من أكبر القوى الناعمة لمصر على مستوى العالم، حيث يتابعها عشرات الملايين في مختلف ربوع العالم، فضلًا عن تعلق هوى الشخصية المصرية بها.
ومنذ زمن بعيد شهدت ساحة قراءة القرآن الكريم فى مصر تنافسًا كبيرًا بين قراء وقارئات القرآن الكريم؛ ففى كتابه «ألحان السماء»، يشير الكاتب الكبير الراحل الأستاذ محمود السعدنى، إلى أنه فى يوم من الأيام كان هناك قارئات للقرآن فى الإذاعة المصرية، نافست إحداهن الشيخ محمد رفعت، و هى السيدة نبوية النحاس التى توفيت عام 1973 م وبموتها انطوت صفحة قارئات القرآن بالإذاعة المصرية.
وفى عام 1939 م، وبفتوى من بعض شيوخ الأزهر تم منع بعض قارئات القرآن من التلاوة في الإذاعة، بدعوى أن صوت المرأة عورة!
وفى ذلك الوقت، كان هناك تسجيلات للقرآن على أسطوانات لقارئات مصريات شهيرات تذاع قراءتهن عبر أثير الإذاعة المصرية وإذاعتي لندن وباريس، ومن هؤلاء القارئة الشيخة منيرة عبده، والقارئة الشيخة كريمة العدلية.
وعندما تولى مولانا وسيدنا القاريء الشيخ أبو العينين شعيشع - رحمه الله - نقابة القراء، خاض معركة شرسة لقيد القارئات للقرآن فى النقابة كشأن القراء، كما حاول اعتماد ذلك فى إذاعة القرآن الكريم مثلما كان الحال فى النصف الأول من القرن العشرين والذى شهد الكثير من النابغات فى تلاوة القرآن وفق المدرسة المصرية المتفردة؛ إلا أنه حيل بينه وبين ذلك ورُفض طلبه لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن.
ورغم وجود عشرات القارئات فى مصر منذ عصر محمد على؛ فلا توجد إلا المصادر القليلة التى يمكن الرجوع إليها لمعرفة تاريخهن ، مثل كتاب «ألحان السماء» للسعدنى؛ يقول: «ولا توجد إلا تسجيلات نادرة جداً لهؤلاء القارئات، وأشهرهن: كريمة العدلية، ومنيرة عبده، وسكينة حسن، وخوجة إسماعيل، ومنيرة أحمد المصرى، ونبوية النحاس».
كما يذكر السعدنى، قصة طريفة تؤكد شهرة القارئة المصرية منيرة عبده، على مستوى العالم العربى التى بدأت ترتل القرآن وهى فى الثامنة عشرة من عمرها، يقول: «طلب أحد التجار الأثرياء فى تونس السيدة منيرة عبده لإحياء شهر رمضان فى قصره بصفاقس بأجر ألف جنيه وهو مبلغ ضخم فى تلك الفترة غير أنها رفضت فحضر التاجر لقضاء شهر رمضان فى القاهرة لسماع تلاوتها للقرآن الكريم».
وفى عصر الشيخ على محمود (وهو شيخ وأستاذ لأجيال العمالقة فى التلاوة، مثل: الشيخ محمد رفعت، والشيخ كامل يوسف البهتيمي، والشيخ طه الفشنى؛ كما تتلمذ على يديه زكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب)، ظهرت الشيخة كريمة العدلية، والتى كان يتابعها عبر الإذاعات الأهلية الآلاف حول العالم حتى الحرب العالمية الثانية.
وفى هذه الفترة ظهرت العديد من الثقافات الوافدة المغلفة بتغليف دينى بقصد ضرب الهوية الدينية فى مصر بجانب تهديد الهوية الوطنية، وانتشرت شائعة علمية دينية سيطرت على الشارع المصرى يزعم فيها من روجها أن «صوت المرأة عورة »!
وذلك بالرغم من أن الصحابيات شاركن فى تعليم الناس أمور دينهم، وظهرت فى تاريخ العلم الشرعى شيخات يشار إليهن بالبنان، وهم جزء من تراث المسلمين إلى يوم الناس هذا، وبهذه الفتوى (منع المرأة من التلاوة بزعم أن صوتها عورة) ضاع تراث الشيخات القارئات لكتاب الله، والذى كان بمثابة ثروة كبيرة فى عالم الابتهال والتلاوة.
ومع ضرورة العودة إلى إحياء المدرسة المصرية فى التلاوة والابتهال كقوة ناعمة على مستوى العالم كله، أطالب بنفس مطلب المرحوم القاريء الشيخ أبوالعينين شعيشع (المتوفى عام 2011) بفتح باب القبول للقارئات واعتماد الماهرات منهن فى الإذاعة وفق الضوابط والمبادىء المحددة لجودة التلاوة فى الإذاعة المصرية.
والله الموفق والمستعان.