عاجل
الجمعة 01 نوفمبر 2024 الموافق 29 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

التاريخ ليس للتباهي

إن نظرتنا للحضارة المصرية القديمة عند غالبية المجتمع المصري هي نظرة تباهي بما أنجزته من ألغاز معمارية عظيمة ما زال العلم عاجزا عن تفسير بعضها، مثل كيفية تم بناء الأهرامات أضف التباهي بذلك الجمال الأخاذ في النقوش الجدارية التي رغم آلاف السنين ما زالت تحتفظ بألوانها الزاهية وما شابه هذا الجمال من جمال الصانع المصري القديم في مجالات إبداعية عديدة.

نتباهى بكل ما تر كته لنا تلك الحضارة العظيمة والمظلومة من أحفادها من آثار مادية من معابد وتماثيل ومنحوتات من أصلب الأحجار وأشعة شمس تسقط على وجه الملك رمسيس في قدس أقداس معبد أبو سمبل في تاريخ ميلاده وتاريخ تتويجه، ومومياوات ملكية تقبع في صناديق زجاجية تشير إلى قدرة المصري القديم على تحنيط تلك المومياوات ونحاول الإجابة متباهين عن كيفية استطاع المصري القديم إدخال توابيت السرابيوم والتي تزن عدة أطنان عبر تلك الممرات الضيقة. ننتظر بشغف افتتاح المتحف المصري الكبير وتحول ذلك الميراث من الحضارة المصرية القديمة إلى مصدرا للمزيد من التباهي.

قيمة الحضارة المصرية القديمة

أضف إلى قيمة الحضارة المصرية القديمة كمصدر للتباهي فهي مصدر أيضا للمدخول الاقتصادي فكم من الأسر والعائلات تعيش على المردود المالي الذي يأتي من الأنشطة الاقتصادية المتعددة على حساب الارث المادي الذي تركه لنا أجدادنا أصحاب الحضارة المصرية القديمة.

جميل أن نفتخر بحضارتنا المصرية القديمة كما أن استغلال تلك المقدرات في العملية الاقتصادية هو حق مشروع. ولكن الأزمة والاشكالية أن علاقتنا مع الحضارة المصرية القديمة تقف عند حدود هاذين السلوكين فقط فهل تبتعد بنا تلك العلاقة إلى العمق ونتساءل هل نستحق أن نكون أحفادا لهؤلاء الأجداد العظام والذين صنعوا حضارة تاريخية من أوائل الحضارات الإنسانية التي أنشأت الدولة بمفهومها المستمر حتى الان.. ماذا لو أوقفت شابا مصريا في الطريق وسألته عن تعاليم (بتاح حتب) هل تتصور أن يعرف أصلا من هو بتاح حتب؟!

الفرق بين اللغة المصرية القديمة وخط الهيروغليفية

وهل تتصور أن يعرف الفرق بين اللغة المصرية القديمة وخط الهيروغليفية؟! هل تتصور أن يعرف البنية المجتمعية التي كانت تحكم المجتمع المصري القديم؟! أويعرف رؤية المجتمع المصري القديم للمرأة وطبيعة العلاقة القائمة على الاحترام والحب بين الرجل والمرأة في بنية الأسرة المصرية القديمة؟! هل قرأ المثقف المصري قصة سنوهي أو الفلاح الفصيح أو قصة الملاح التائه وكتاب الخروج إلى النهار قبل أن يقرأ تشارلز ديكنز وجان دي موباسان وشكسبير وتشيكوف وإليوت والمتنبي والجاحظ؟!

هل أدركنا أن الإنسان المصري القديم ما كان ليترك لنا كل هذا الارث دون أن يكون قد امتلك العلم والمعرفة والقيم واحترم العقل المفكر والمبدع والعلماء المبتكرون ووضع من يمتلك المعرفة ويعرف القراءة والكتابة في مكانة مجتمعية عالية؟!

هل اهتممنا بالتعلم منهم مهارة اتقان ما نعمل؟! هل درسنا وتعلمنا من القيم الإنسانية الإيجابية التي تركوها لنا كإرث مثل الارث المادي والعمراني؟!

التاريخ لم يكن فقط للتباهي والاسترزاق بل هو للتعلم والبناء

التاريخ لم يكن فقط للتباهي والاسترزاق بل قبل ذلك التاريخ هو للتعلم والبناء عليه والحضارة المصرية القديمة التي امتدت لأكثر من 5000 عام لديها من الإرث المعرفي والثقافي والمجتمعي والديني والوطني والعسكري ما يفوق في قيمته الارث العمراني العظيم الذي نفتخر به ولكنه جانب مهمل لا نهتم به.

أين حضارتنا المصرية القديمة بإرثها المجتمعي والثقافي والعلمي من مناهجنا التعليمية؟ ومن البرامج الإعلامية التي أصبحت تلهث وراء النماذج الشاذة والتي لا يمكن وصفها إلا بالبلاهة لتكون نجوم برامج التوك شو؟ وأين هي من الدراما السينمائية والتليفزيونية المعبأة بالكثير من النماذج المشوهة اجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا ويتم تقديمها قدوات للصغار؟ هل رأيتم طفل يمسك مفتاح عنخ (مفتاح الحياة) واعيا رمزيته في الحضارة المصرية القديمة بدلا من المسدس والسنجة وغيرها من أدوات البلطجة النازعة للحياة والتي يعي رمزيتها في الثقافة الشعبية المصرية الحديثة؟! وأين حضارتنا المصرية القديمة من إبداعات المثقفين والكتاب المصريين كم من الاعمال الإبداعية اتكأت على المفردات المصرية القديمة؟!

الحضارة المصرية القديمة هي أصل بنيتنا وأصلنا الذي لا يمكن أن يمحي من جيناتنا مهما حاول البعض وستظل هي منبتنا الأول. 

تابع موقع تحيا مصر علي