عاجل
السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: الموت بورقة الطلاق.. وليس بالسرطان!

تحيا مصر

وصلتني رسالة مؤثرة للغاية لصفحة "ثورة جسد" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والتي أنشأتها بهدف التوعية بمرض سرطان الثدي وتقديم الدعم للمصابات. صاحبة الرسالة سيدة صعيدية من محافظة أسيوط وتعيش في القاهرة وتعمل موظفة بإحدى الجامعات الخاصة. سبعة سنوات من الزواج بقريب لها تكللت بإنجاب فتاتين وانتهت باستدعاء لجلسة طلاق تسلمته "فتوح" وهي في منزلها بينما كانت تخضع لجلسات العلاج الكيماوي.
سأتخلى عن عباراتي البلاغية وصياغتي المنمقة التي قد تلون أو تزين مرارة الكلمات وأترك لصاحبة القصة ترويها بلسانها بلا مقدمات أو محسنات وهي بالتأكيد أكثر صدقا وأجود تعبيرا.

كان عندي ألم بسيط تحت ذراعي استمر لعدة شهور ولم أفكر في استشارة طبيب لأني أكره الأطباء و"تصعب علي نفسي" لما أكون مريضة أو متألمة وأستحمل الألم فمهما زاد أهون علي من الذهاب للطبيب وتجرع الدواء. وذات يوم، شعرت فجأة بخوف شديد لما استمعت لإعلان في الراديو ينصح السيدات بضرورة الكشف عند الطبيب لو شعرن بأي نتوء أو كتلة أو ألم تحت الإبط. وساعتها شعرت بذلك الألم الذي كان بسيطا قد أصبح شديدا لا يٌحتمل؛ وقررت الذهاب للكشف لدى الحكيم وفي داخلي أسمع كلمة سرطان.. سرطان.. تلح علي لدرجة لا أسمع غيرها وكأني سقطت في بئر عميقة وصدى الصوت المرعب يحاصرني من كل جانب. وقضيت أياما صعبة بين إجراء التحاليل والأشعات لم يكن يصاحبني أحيانا إلا جارة هي بمثابة الأخت والصديقة إلى أن وصلت إلى غرفة العمليات. الطبيب طلب أن يقابل زوجي مرتين لكنه رفض. فقمت أنا بنفسي بالدور وأخبرته أني سأجري عملية استئصال للثدي.. ولا يمكن أن أنسى ردة فعله آنذاك.. طلب مني في غضب ألا أجري العملية وأن أستسلم لقدري ومكتوبي وأنه لو ربنا "مقدر" لي أن أعيش فسأعيش! في تلك اللحظة فقط شعرت أن السرطان أصابني وأنه سيقضي علي لامحالة وأموت! حاصرتني كلماته أكثر من حصار السرطان وأدركت أن الأيام القادمة تخبئ لي المزيد من الألم والتعاسة. وانتقل كل تفكيري حول مرضي إلى بناتي وخوفي عليهما وعلى مستقبلهما بعد وفاتي. لذلك استجمعت قواي لأكمل المشوار من أجل زهرتين هما كل حياتي الآن وحاولت التماسك في رحلة العلاج الصعبة، لكني تأكدت حينئذ أن ضربة غادرة ستأتي من زوجي لامحالة وليس من المرض وبالتحديد في تلك الليلة الحزينة عندما دخل علي غرفة النوم ولاحظ شعري المتساقط على مخدتي فرمقني بنظرة قاسية سببت لي جرحا لا يلتئم. وأصبحت في انتظار نزول الصاعقة في أي وقت لذلك لم أتفاجأ باستدعاء المحكمة.
وخلال جلستي الصلح، قال زوجي للقاضي أنه يريد زوجة تقوم بواجباتها الزوجية -كما علمنا الله ورسوله- وأنها لن تستطيع ذلك بعد إصابتها بالسرطان واستئصال الثدي والعلاجات التي جعلتها طريحة الفراش وأثرت على صحتها وأدائها لواجباتها؛ ولبس زوجي عباءة الشيخ وأخذ يستعرض موقف أئمة وفتاويهم التي أحلت التطليق أو التعدد. وكان يسترسل في الحديث بكل وقاحة عن كونه "كسيب" ويقوم بواجباته وفي المقابل زوجته مشوهة ولا يمكن أن "تمتعه" وهو يبحث عن حقه الشرعي.. لولا أن القاضي أوقفه !! وقد حز في نفسيتي كثيرا كلامه وكأنه رصاص "طخني بالنار فقتلني". وهممت أن أقول له أني لم أتركه في أحلك الظروف وكيف أني ساندته مرارا لكن القاضي برد على قلبي ناره بتوبيخه الشديد له حيث أوضح له أن العكس تماما كان سيحدث لو أصيب هو بالسرطان لأن زوجتك كانت ستقف إلى جانبك مهما كانت درجة الإصابة وخطورتها. وسخر من أنه صعيدي "فالصو" حيث لا يملك ذرة من الشهامة التي يتميز بها الصعايدة. وخلال مراحل التقاضي تمسك بقراره وطلقني.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: متحرشون بالرجال!

في البداية أمرضتني ورقة الطلاق بل شعرت بعدها بأنها تقتلني.. موتا بطيئا.. أكثر من السرطان، لكن سرعان ما مسحت دموعي ونسيت تنهيداتي واستجمعت قوتي وقررت المقاومة لأجل بناتي ومحوته من ذاكرتي واعتبرته هو من مات. غير أنه لم يستسلم ومضى ليطعنني بقسوته، حيث حاول تسميم أفكار البنات بتعمد ذكر مغالطات من قبيل أن المرض معد وأنه لا يمكن الشفاء منه أومن قبيل أنه يريد خلفة الذكر وأمكم لن تقدر على الحمل وأنه "كده كده كان سيتزوج". ولا أخفي عليكم أني في البداية كنت متأثرة وكاتمة في قلبي خاصة حين أذهب للمستشفى لوحدي لأخذ الجرعة وأرى المريضات معهن أزواجهن فأشعر بالحزن والنقص لأني أحتاج لحد بجانبي وأتمنى لو كان معي أو حتى لو أجل الطلاق لبعد انتهائي من العلاج مراعاة لنفسية البنات بدلاً من الإهمال والوحدة؛ وكنت كثيرا ما أندب حظي في الحياة لأنها حكمت علي بأن أعيش مع السرطان وبلقب مطلقة.. وعندما يسألني طبيب أو ممرضة عن زوجي أجيب على استحياء: "مسافر". لكني بعد فترة أصبحت أرد بهدوء وثبات "ميت"! توصلت إلى أنه هو من يجب أن يموت داخلي حتى أستطيع أن أصمد في مواجهة السرطان. قتلته داخلي حتى أعيش!

وبعد مضي تلك الأوقات الصعبة، لا أخفيكم سرا أن شعوري تحول للنقيض حيث أصبحت سعيدة بتحسن حالتي ونجاحي في عملي وتوفيق بناتي كما أني أكرر في سري وعلني كل يوم "شكرا لربنا.. وشكرا للسرطان..وشكرا لطليقي" لأن كل هذه الظروف اجتمعت لأرى أقرب الناس لي على حقيقته ولتصنع مني بعد ذلك إنسانة أكثر قوة وصلابة!

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: معركة حول "الأستاذ" هيكل!

انتهت رسالة "فتوح" التي تعد من الناجيات المحظوظات لأن إصابتها بسرطان الثدي كانت بمثابة الرحلة المليئة بدروس الحياة والتي نمت داخلها مهارات وميزات صنعت منها شخصية إيجابية ناجحة ربما لم تتوفر لغيرها. ومن خلال اهتمامي بهذه الظاهرة اكتشفت خلال رحلة علاجي من مرض السرطان، أن هناك الكثير من السيدات انفصل عنهن أزواجهن بعد إصابتهن بالمرض مباشرة أو في أثناء رحلة العلاج وبدوافع مختلفة منها عدم رغبة الزوج في تحمل نفقة علاج زوجته، أو لأنه لم يعد يراها أنثى بمجرد استئصال نهديها وتساقط شعرها. وبعضهم يقرر أن يرحل عنها ويتزوج بأخرى، وأزواج آخرون يرفضون الطلاق ويكتفون بالابتعاد بشكل غير رسمي حتى لا يوفون زوجاتهم مستحقاتهن.

وبالنسبة لـ"فتوح" فرحلة علاجها لم تكن أقسى على نفسها من صدمتها في زوجها وكانت بذلك رحلة لاكتشاف أقرب الناس لها ولاكتشاف مكامن القوة داخلها في أشد لحظات ضعفها وألمها وطردت بفضلها وجع القلب وأسكنته بدلا عن ذلك ثقتها في نفسها وإرادتها التي حولت محنتها إلى قصة تحدي ونجاح.
لكن ليست كل المريضات كفتوح يحملن وعيها أو يمتلكن حظها في النجاة لذلك فإن نشر التوعية من المجتمع المدني والإعلام ضرورة ملحة سواء للأسرة أو للزوج بهذا المرض والتغيرات التي تطرأ على المصابة بالسرطان وكيف للزوج أن يدعمها ويقف بجوارها حتى يعزز من فرص التعافي والشفاء لديها وتوضيح بعض المغالطات والأفكار الخاطئة المنتشرة عن المرض مثل كونه معدي أو قاتل.. لأن المرض عارض وسينقضي وتصبح الزوجة أفضل مما كانت قبله إذا توفرت لديها العناصر المادية والنفسية الملائمة للعلاج. في حقيقة الأمر فإن المجتمع بأسره هو من يحتاج للعلاج من الجهل والخرافة ولعل الأمثلة السوية من الأزواج المساندين لزوجاتهم في ظروف مرضهن هم خير قدوة وإصلاح للبقية من المنحرفين ولابد من تكريمهم أيضا وإعلاء قيمة عطائهم فبفضلهم نعبر إلى بر النجاة!
تابع موقع تحيا مصر علي