عاجل
السبت 04 مايو 2024 الموافق 25 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (٧)

الكاتب الصحفى ياسر
الكاتب الصحفى ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.  

مقالي السابع في السيرة المحمدية لخير البرية، بعنوان «أشهر غزواته»، وسوف تكون البداية مع غزوة بدر الكبرى، فلم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقاتل أحد على الدخول في الإسلام، بل كان يدعو إليه ويجاهد في سبيله بالبراهين الساطعة والحُجج القاطعة، متبعاً في ذلك قوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: ١٢٥]، ولكن قريش أمة معادية، آذت الرسول وأخرجت أصحابه من ديارهم، واستباحت أموالهم ومنعت المستضعفين من اللحاق بإخوانهم، ونالت منهم؛ فلذلك أذن الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم وقتال كل معتدٍ وصاد عن سبيل الله.

فكان عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يغزو أعداءه تارةً بنفسه وتارةً بإرسال البعوث والسَّرايا، ونحن هنا مثبتون أشهر غزواته التي خرج فيها بنفسه لقتال المشركين من قريش وغيرهم.. ونبدأها ب«غزوة بدر الكبرى»، وكانت في تسع من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، يوافق ٥ مارس سنة ٦٢٥ م.

ومن حديثها أن أبا سفيان بن حرب ومعه أربعون رجلًا قدم من الشام، وكان متاجرًا بها ومعه عير لقريش، فلما علم بها الرسول ندب الناس إليها، فخرج ومعه أصحابه وكانوا ثلاثمائةٍ وأربعة عشر رجلًا، منهم فارسان «الزبير والمقداد»، وسبعون من الإبل يتعاقبون عليها، فاتصل خروجهم بأبي سفيان، فاستنفر أهل مكة لعيرهم فنفروا سراعًا وكانت عدتهم نحو تسعمائةٍ وخمسين مقاتلًا، فيهم مائة فارس، فستشار النبي أصحابه، وقال: «إن الله وعدني إحدى الطائفتين العير أو النفير، والله لكأني أنظر مصارع القوم»، فكان رأي سادتهم أن يمضي إلى ما أمره الله، وقالوا لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك.

سار صلى الله عليه وسلم إلى بدر ونزل بعُدْوتِه الدنيا، وفي أثناء ذلك كان أبو سفيان تنكَّب بالعير إلى طريق الساحل ونجا بها، ثم جد في حمل الناس على مذهبه لولا أن أبا جهل جعل يستصرخ الناس ويهيج عواطفهم، ويقول لا نرجع حتى نرد ماء بدرٍ ونقيم به ثلاثًا وتهابنا الأعداء.

في صبيحة يوم الثلاثاء ١٧ رمضان سنة ٢ هـ (١٣ مارس سنة ٦٢٤م)، تراءى الجيشان، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتعديل الصفوف ثم رجع وجلس هو وأبو بكر على عَريشٍ بُني لهما، وأتى أبو جهل بمن معه وابتدأت الحرب بالمبارزة، فبرز ثلاثة من صفوف المشركين، وهم «عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة»، فأخرج النبي لهم عمه حمزة وعليَّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فقتل حمزة شيبة، وعلي الوليد، وكرَّا على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة فقطعت رجله ثم مات.

ثم بدأ الهجوم بالصفوف وحمي الوطيسُ والتحم الجيشان، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من العريش يشجع الناس ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر: ٤٥]، ثم أخذ حفنة من الحصباء ورمى بها في وجوه القوم وقال عليه الصلاة والسلام: «شاهت الوجوه، اللهم إن تُهْلِكْ هذه العصابة لا تُعبَدْ في الأرض، اللهم أنجز ما وعدت».

ثم قال النبي لأصحابه: «شدوا عليهم»، فما هي إلا جولة حتى هُزِم المشركون، فتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فقدِّرت قتلاهم بنحو سبعين رجلًا منهم أبو جهل، وأُسِر نحو السبعين منهم العباس عم النبي، وابنا أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، واستشهد من المسلمين نحو أربعة عشر رجلًا، ولما انتهت الموقعة أمر عليه الصلاة والسلام بدفن القتلى من قريش ومن المسلمين، وكانت هذه عادته في حروبه، ثم أمر بجمع الغنائم فجُمِعتْ.

وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، كما أصبح للدولة الإسلامية الجديدة مصدرٌ للدخل من غنائم الجهاد؛ وبذلك انتعش حال المسلمين المادي والاقتصادي بما غنموا من غنائم بعد بؤس وفقر شديدين داما تسعة عشر شهرًا.

أما نتائج الغزوة بالنسبة لقريش فكانت خسارة فادحة، فقد قُتل فيها أبو جهل عمرو بن هشام وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم من زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعةً وقوةً وبأسًا، ولم تكن غزوة بدر خسارة حربية لقريش فحسب، بل خسارة معنوية أيضاً، ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط، بل أصبحت تهدد أيضاً سيادتها ونفوذها في الحجاز كله.

تابع موقع تحيا مصر علي