عاجل
الخميس 09 مايو 2024 الموافق 01 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

الإفتاء: لا مانع شرعًا من حديث الرجل مع المرأة بغرض التعرف عليها

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما هي حدود التعارف بين الرجل والمرأة قبل الخِطبة والضوابط الشرعية لذلك؛ حيث إنني شاب أدرس في إحدى الجامعات ولي زميلات تعرَّفت عليهنَّ أثناء الدراسة، وكثيرًا ما يحدث بيني وبين بعضهنَّ كلام، أكثره يتعلَّق بأمور الدراسة، وقد يتطرق أحيانًا للحديث عن بعض الأمور العامة، وأتحرى في حديثي معهنَّ دائمًا ألَّا يخرج الكلام عن حد الأدب والذوق العام، غير أنِّي ربَّما أحادث إحداهنَّ وأنا أنوي أن أتعرَّف على شيءٍ من طبائعها وطريقة تفكيرها وثقافتها بغرض أن أتقدَّم لخطبتها فيما بعد لو ظهر لي منها ما أرجو، وذلك من غير أن أصرِّح لها بذلك ومن غير أن أعِدَها بخطوبة ولا زواج؛ فما حكم الشرع في فعلي هذا؟

حكم مخالطة الرجال للنساء

وأوضحت دار الإفتاء، أن مخالطة الرجال للنساء والحديث معهنَّ مشروع من حيث أصله، ولا مانع شرعًا من حديث الرجل مع المرأة بغرض التعرف عليها للتقدم لخطبتها فيما بعد، وذلك متى روعيت القيود والضوابط الآتية: أن يغضَّ كِلَا الجنسين بصره عن المنهيات الشرعية، وألَّا يكون الكلام بينهما من باب الخضوع بالقول، وألَّا يحصل بينهما خلوة محرمة.

ولمَّا كانت المرأة شريكة الرجال في عمارة الأرض كان لا بدَّ لها أن تشارك الرجال في مجالات الحياة المختلفة، كلٌّ بما خوِّل إليه من وظائف ومهام؛ لذلك لم تحرِّم الشريعة الغراء على المرأة مخالطة الرجال الأجانب على حسب ما تقتضيه مصالحها ومصالح بيتها وما يقتضيه إعمار وطنها.

مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية

وأكدت دار الإفتاء، أن المتأمل في نصوص الشرع الشريف يلحظ أنَّ مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية -مع ما تقتضيه من مخالطة الرجال- كان سمتًا عامًّا للمجتمع في شتى المجالات -العامة والخاصة- منذ عصر النبوة.

فقد شرع لها الشرع الشريف الذهاب إلى المسجد لحضور الجماعات، كما حثَّها على طلب العلم وحضور مجالس العلماء، وأمرها بحجِّ البيت الحرام، وسنَّ لها الخروج لصلاة العيدين، وكلها -وغيرها كذلك- لا يخلو من وجود الرجال الأجانب.

وليس الأمر متوقِّفًا على مواطن الطاعة والعبادة فحسب، بل كان يتعدَّاه إلى غير ذلك من سبل تقوية الأواصر الاجتماعية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي.. إلخ» أخرجه الإمام البخاري.

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قَالَتْ: "تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ.. إلخ" أخرجه الإمام البخاري.

حدود التعامل بين الرجل والمرأة والضوابط الشرعية لذلك

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن الشريعة الإسلامية إذ أباحت التعامل بين الجنسين فإنَّها قد وضعت جملة من الضوابط الشرعية والأخلاقية يجب مراعاتها حتَّى يراعي الطلاب والطالبات شأن الآداب العامة والضوابط الاجتماعية والشرعية؛ ومن هذه الضوابط:

أولًا: أن يغضَّ كِلَا الجنسين بصره عن المنهيات الشرعية؛ لقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: 30-31].

ومن ثَمَّ؛ يجدر التنبيه على الطلاب خصوصًا بعدم الاقتراب من هذه الدائرة بما يشمله اسم التحرش المنهي عنه شرعًا وعرفًا وقانونًا.

ثانيًا: ألَّا يكون الكلام بينهما من باب الخضوع بالقول؛ وهو تليين المرأة كلامها وترقيقه عند مخاطبة الرجال؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32].

ثالثًا: ألَّا يحصل بينهما خلوة محرمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه سمع سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» أخرجه الشيخان. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» أخرجه أحمد في "مسنده".

وضابط الخلوة: اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادة فلا يعد خلوة.

واختتمت دار الإفتاء: بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمخالطة الرجال للنساء والحديث معهنَّ مشروع من حيث أصله، ولا مانع شرعًا من حديث الرجل مع المرأة بغرض التعرف عليها للتقدم لخطبتها فيما بعد، وذلك متى روعيت القيود المذكورة سلفًا.

تابع موقع تحيا مصر علي