< فيضان النيل..من هبة الطبيعة إلى سلاح سياسي |تفاصيل
تحيا مصر
رئيس التحرير
عمرو الديب

فيضان النيل..من هبة الطبيعة إلى سلاح سياسي |تفاصيل

 محمد غانم، المتحدث
محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري

لم يعد فيضان النيل مجرد حدث طبيعي يحتفى به أو يخشى منه كما في الماضي، بل أصبح ملفا سياسيًا واستراتيجيًا تتقاطع فيه ملفات المياه، والسدود، والأمن القومي.
وفي قلب هذا المشهد، يبرز سد النهضة الإثيوبي كعامل محوري أعاد تشكيل العلاقة مع نهر النيل، مهددًا استقرار دول المصب، وموفرًا فرصة للتفكير في طرق جديدة لإدارة موارد المياه.

إثيوبيا.. اللقطة الإعلامية على حساب الاستقرار

كشف المهندس محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، أن إثيوبيا خالفت قواعد ملء سد النهضة، وقامت بتخزين المياه بشكل مفاجئ وسريع، من أجل الترويج لصورة إعلامية لافتتاح السد وهو ممتلئ، دون الالتفات لتأثير ذلك على دولتي المصب: مصر والسودان.
وعقب الملء، أطلقت إثيوبيا نحو 2 مليار متر مكعب من المياه بشكل مفاجئ وغير مدروس، وهو ما وصفه الخبراء بـ"الفيضان الصناعي"، الذي تسبب في أضرار جسيمة بالسودان.

فيضان صناعي يضرب السودان

بحسب غانم، فإن السودان فوجئت بتدفقات غير مسبوقة بلغت 485 مليون متر مكعب في يوم واحد، وهو ما تسبب في أضرار هيدرولوجية وأربك موسم الزراعة في أراض شاسعة، في غياب التنسيق أو الإبلاغ المسبق من إثيوبيا.
هذه الواقعة أعادت تأكيد التحذيرات المصرية المتكررة بشأن غياب الشفافية في إدارة السد، وأثرها المباشر على الأمن المائي لدول المصب.

وزارة الري: تصرفات إثيوبيا تهدد الأمن الإقليمي

في بيان رسمي، أكدت وزارة الموارد المائية والري أن ما قامت به إثيوبيا يعد مخالفة صريحة للقانون الدولي، ويهدد أرواح الملايين، مشددة على أن حديث إثيوبيا عن عدم الإضرار بدول المصب "زائف".
وأكد البيان أن إدارة السد تخضع لحسابات سياسية وإعلامية وليست علمية أو فنية، ما يزيد من مخاطرها على الأمن المائي للمنطقة بأكملها.

كيف كان سيكون الفيضان طبيعيًا؟

أوضح خبراء الري أن فيضان النيل الأزرق الطبيعي يبدأ من يوليو حتى أكتوبر، ويبلغ ذروته في أغسطس.
ورغم أن منسوب الفيضان هذا العام كان أعلى من المتوسط بـ25%، إلا أن سوء إدارة سد النهضة حوّل هذا الخير إلى كارثة على السودان، ولو تم التخزين والتفريغ بشكل تدريجي ومنظم، لما حدثت "الصدمة المائية".

الفيضان في ذاكرة المصريين: من رهبة إلى نعمة

عبر العصور، شكل فيضان النيل مصدر حياة للمصريين.
ففي الماضي، كان يُخشى من ارتفاعه الزائد أو نقصانه، لكن منذ بناء السد العالي تغيرت المعادلة تمامًا.
السد أصبح هو الضابط الرئيسي لمنسوب الفيضان، حيث يستوعب كميات ضخمة من المياه، ويُطلقها وفق خطط دقيقة، مما حول الفيضان إلى فرصة زراعية وتنموية.

الجمعية الجغرافية: الفيضان ليس خطرًا

أكد الدكتور محمد السيديمي، رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، أن الفيضان يمكن أن يكون فرصة عظيمة، وليس خطرًا، إذا تم استغلاله بشكل عقلاني.
وأشار إلى أن أراضي طرح النهر التي يغمرها الفيضان تحتوي على طمي غني يخصب التربة، مما يوفر فرصة كبيرة للتوسع الزراعي وزيادة الإنتاج دون الحاجة للأسمدة الكيميائية.

السد العالي.. الحصن المائي لمصر

أشاد السيديمي بالسد العالي باعتباره "أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين"، مشيرًا إلى أنه خط الدفاع الأول لمصر في مواجهة الفيضانات والجفاف، ومثال على الإدارة الرشيدة للموارد المائية.
ويؤكد أن السد قادر على استيعاب كميات كبيرة من المياه، وفي حالات الزيادة يتم استخدام مفيض توشكى لتصريف الفائض بأمان.

 أراضي طرح النهر.. ثروة زراعية في مأزق قانوني

رغم غناها، تواجه أراضي طرح النهر إشكالية قانونية، حيث تُعتبر ضمن أملاك الدولة ولا يُعوض المزارعون عند غمرها بالمياه.
ويطالب الخبراء بوضع آلية قانونية عادلة تتيح استغلال هذه الأراضي الخصبة دون تعريض المزارعين للخسائر.

قراءة في بيانات المطر هذا العام

شهد النصف الأول من موسم الأمطار تراجعًا عن المتوسط، بينما ارتفعت المعدلات في النصف الثاني، مما رفع منسوب التخزين في بحيرة ناصر دون حاجة إلى تفريغ إضافي للمياه حاليًا.

نظرة مستقبلية: من التهديد إلى الفرصة

تدعو الجمعية الجغرافية إلى إعادة صياغة العلاقة مع الفيضان، والاستفادة منه كأداة تنموية لا تهديد مائي، خاصة في ظل وجود السد العالي كوسيلة للتحكم والسيطرة.
وفي ظل التحديات التي يفرضها سد النهضة، يجب أن يتحول الوعي المائي إلى ثقافة عامة تُعزز من ترشيد الاستخدام وتحسين إدارة الموارد.

نهر النيل.. شريان الحياة في مهب السياسة

قصة فيضان النيل لم تعد فقط حكاية مياه وطمي، بل أصبحت ملفًا استراتيجيًا يرتبط بالأمن الإقليمي.
وإثيوبيا التي تُصر على التصرف بشكل منفرد، تهدد استقرار المنطقة، بينما مصر تبحث عن توازن دقيق بين حماية أمنها المائي واستثمار فيضان النيل كرافعة للزراعة والاقتصاد.
ويبقى النيل، كما كان عبر العصور، شريان حياة يتطلب عقلانية في الإدارة ومسؤولية في القرارات.