الفرق بين الشعور والاثم
هل يُحاسَب الإنسان على ما في قلبه؟ الأزهر يوضح الفارق بين الشعور والإثم
أكد الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، أن الشريعة الإسلامية فرّقت بوضوح بين المشاعر القلبية التي لا يملكها الإنسان، وبين الأفعال والسلوكيات التي يختارها بإرادته، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى لا يُحاسِب العبد على مجرد الإحساس بالحب أو الكراهية، ما دامت هذه المشاعر لم تتحول إلى ظلم أو أذى أو اعتداء على الآخرين، لأن التكليف الإلهي مرتبط بالفعل الإرادي لا بالخاطر الوجداني.
المشاعر القلبية خارج نطاق الحساب
أوضح الدكتور يسري جبر أن الوجدانيات القلبية مثل الحب والكراهية والزعل أمور فطرية لا يمكن التحكم في نشأتها، خاصة إذا كانت ناتجة عن ظلم أو أذى تعرّض له الإنسان، مؤكدًا أن الشرع لا يؤاخذ العبد على ما لا يملكه، وإنما ينظر إلى كيفية تعامله مع هذه المشاعر، فالكراهية في ذاتها لا تُعد إثمًا إذا بقيت حبيسة القلب ولم تُترجَم إلى قول أو فعل محرّم.
متى تتحول المشاعر إلى إثم؟
وبيّن أن الحساب يبدأ عندما تتحول هذه المشاعر إلى سلوك عدواني، كالشتم أو الغيبة أو الظلم أو الاعتداء على الحقوق، أما إذا كره الإنسان شخصًا، لكنه التزم بكف الأذى عنه، ولم يتعدَّ عليه، وأدّى ما عليه من حقوق إن طُلِبت منه النصيحة أو المعاملة، فإنه لا يكون آثمًا عند الله، لأن المعيار الحقيقي هو العدل وضبط النفس.
العفو منزلة عليا وليس فرضًا
وأشار الدكتور يسري جبر إلى أن العفو والمسامحة منزلة إيمانية رفيعة، ينال صاحبها أجرًا عظيمًا عند الله، لكنها ليست واجبة على من لم يستطع الوصول إليها، فالإسلام لا يُعاقِب من عجز عن المسامحة، ما دام قد كفّ أذاه ولم يظلم ولم يعتدِ، لأن الأصل في الدين هو حفظ الحقوق وصيانة النفوس.
كفّ الأذى أساس الأخلاق الإسلامية
وشدد على أن جوهر التعامل بين الناس هو كفّ الأذى، مؤكدًا أن الله لا يسأل عباده يوم القيامة عن سبب كراهيتهم لشخص ما، وإنما يسألهم عن أفعالهم: لماذا ظلمت؟ لماذا شتمت؟ لماذا آذيت؟ لافتًا إلى أن حرمة المسلم في دمه وماله وعرضه أعظم عند الله من حرمة الكعبة، وأن اجتناب المحرمات، وعلى رأسها التعدي على الآخرين، من أعظم صور العبادة.
قدوة نبوية في الحلم والرحمة
واستشهد بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تعرض للأذى الشديد من أهل مكة والطائف، ومع ذلك قابل الإساءة بالدعاء والهداية، مجسدًا أسمى معاني الرحمة والحلم، داعيًا إلى الاقتداء بهذا الخلق الرفيع، والابتعاد عن الغل وتمني الانتقام والدعاء بالهلاك، لما في ذلك من تعارض مع روح الإسلام.
قاعدة جامعة للسلوك الإنساني
واختتم الدكتور يسري جبر حديثه بالتأكيد على قاعدة أخلاقية جامعة مفادها: أحب أو اكره، لكن لا تؤذِ، فالمحاسبة الإلهية لا تكون على الشعور المجرد، بل على الظلم والأذى، داعيًا الله أن يرزق الجميع أخلاق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من رحمة وحلم وعدل وحب للخير للناس أجمعين.
تطبيق نبض

