تفاصيل تعديلات قانون الكهرباء بعد موافقة مجلس الشيوخ
وافق مجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عصام الدين فريد، من حيث المبدأ وبصفة نهائية، على مشروع القانون المقدم من الحكومة لتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015، والمحال من مجلس النواب، تمهيدًا لإرسال رأي المجلس إلى النواب.
وتأتي هذه الموافقة في إطار توجه تشريعي واضح يستهدف حماية قطاع الكهرباء من الاستنزاف، باعتباره أحد المرافق الحيوية المرتبطة مباشرة بالأمن القومي والتنمية الاقتصادية.
حماية قطاع الكهرباء أولوية وطنية
أكد المستشار عصام الدين فريد، رئيس مجلس الشيوخ، خلال الجلسة العامة، أن مشروع تعديل قانون الكهرباء يأتي في توقيت بالغ الأهمية، نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه الطاقة، وعلى رأسها الكهرباء، في دعم الاقتصاد الوطني واستقرار المرافق العامة.
وشدد على أن تحصين هذا القطاع من أي ممارسات تؤدي إلى إهدار موارده يُعد ضرورة تشريعية قصوى، تتطلب إطارًا قانونيًا صارمًا يضمن كفاءة الخدمة واستدامتها.
دور مجلس الشيوخ في تحسين جودة التشريع
وأوضح رئيس المجلس أن الدستور منح مجلس الشيوخ أدوات متعددة لممارسة اختصاصاته، من بينها إبداء الرأي في مشروعات القوانين، بما يسهم في تحسين جودة التشريع من خلال ضبط الصياغات القانونية، وإعادة ترتيب النصوص، وتحقيق الاتساق التشريعي وإزالة أي غموض قد يؤثر على حسن التطبيق.
تدخل تشريعي منظم من اللجنة المشتركة
من جانبه، استعرض المستشار أحمد حلمي الشريف، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشيوخ، تقرير اللجنة المشتركة، مؤكدًا أن مشروع التعديل يستهدف حماية التيار الكهربائي وصيانة موارده، عبر تحديد المسؤوليات بدقة، وفرض جزاءات منضبطة، واستحداث نظام تصالح متدرج.
وأشار إلى أن فلسفة التعديل تقوم على تطوير الأحكام الجنائية والتنظيمية المرتبطة بجرائم الاستيلاء غير المشروع على التيار الكهربائي، في ظل انتشار هذه الجرائم وتنوع أساليب ارتكابها، وما يترتب عليها من خسائر مالية وفنية جسيمة تؤثر على سلامة الشبكات وكفاءة المرافق.
إعادة بناء منظومة العقوبات
وأوضح تقرير اللجنة أن مشروع القانون أعاد هيكلة الإطار العقابي الوارد في المادتين (70) و(71)، حيث تم تشديد العقوبات على جرائم سرقة التيار الكهربائي، والتوصيل المخالف، فضلًا عن الامتناع العمدي عن تقديم الخدمة من بعض العاملين بالقطاع.
كما استحدث المشروع ظروفًا مشددة للعقوبة في حالات التدخل العمدي في المعدات أو الأجهزة الخاصة بإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، أو في حال ارتبطت الجريمة بإتلاف المنشآت، بما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، لتصل العقوبة في هذه الحالات إلى السجن.
فصل الجرائم وتكريس مبدأ شخصية العقوبة
وأدخلت اللجنة تعديلات جوهرية على المادة (70)، تضمنت الفصل بين جريمة التوصيل المخالف للتيار الكهربائي وجريمة الامتناع عن الإبلاغ، باعتبارهما جريمتين مستقلتين تختلفان في الأركان والآثار القانونية.
كما تم قصر إلزام رد مثلي قيمة الاستهلاك على مرتكب فعل التوصيل المخالف فقط، منعًا لفرض عقوبات مالية على من لم يحقق منفعة من الجريمة.
وأضافت اللجنة التزام المحكوم عليه بسداد نفقات إعادة الشيء إلى أصله، تحقيقًا للتكامل التشريعي، وعدم تحميل المرفق العام أو المال العام أعباء إضافية.
تخفيف الحد الأدنى للغرامة تحقيقًا للتناسب
وفيما يخص المادة (71)، قررت اللجنة تخفيف الحد الأدنى للغرامة من 100 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه، انحيازًا لمبدأ التناسب، خاصة في الحالات البسيطة أو محدودة الأثر.
وأكدت أن الردع الحقيقي لا يتحقق فقط بتغليظ العقوبات، بل بوضع جزاءات عادلة تتيح للقاضي تفريد العقوبة وفق ظروف كل واقعة.
تنظيم دقيق للتدخل العمدي في المرافق
كما أعادت اللجنة صياغة النص المتعلق بالتدخل العمدي في المعدات الكهربائية، من خلال حذف الإحالة المباشرة إلى الضوابط الفنية من متن التجريم، تفاديًا لأي التباس قد يُفهم منه أن الجريمة مشروطة بمخالفة اللائحة التنفيذية.
ونص التعديل صراحة على أن تتولى اللائحة التنفيذية تحديد الصور الفنية للتدخل العمدي دون المساس بأركان الجريمة.
نظام تصالح متدرج لدعم الاستدامة
واستحدث مشروع القانون مادة جديدة برقم (71 مكرر)، تنظم نظامًا متدرجًا للتصالح في جرائم سرقة التيار الكهربائي، بهدف تشجيع سداد المستحقات المالية، ودعم استدامة مرفق الكهرباء، وإنهاء النزاعات الجنائية بشكل يحقق العدالة الناجزة، مع مضاعفة مقابل التصالح في حالة العود.
رؤية الحكومة: حماية المواطن الملتزم
وأكد المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن الهدف من التعديلات ليس مجرد تغليظ العقوبات، وإنما حماية المواطن الملتزم، موضحًا أن الفاقد الناتج عن سرقة التيار الكهربائي يتحمل أعباءه في النهاية المواطن الملتزم بالسداد.
وأشار إلى أن التصالح يمثل جزءًا من السياسة الجنائية الحديثة، لافتًا إلى أن الدولة تحملت مسؤوليتها، وهو ما انعكس في مرور فصل الصيف الماضي دون انقطاعات في التيار الكهربائي، مع استمرار دعم الدولة لهذا القطاع ذي الطبيعة الاجتماعية.
مطالب بمراجعة الغرامات
من جانبه، شدد المستشار أحمد العوضي، وكيل مجلس الشيوخ، على أهمية إعادة النظر في بعض العقوبات، لا سيما الغرامات المالية في جرائم سرقة التيار، مؤكدًا أن الكهرباء تمثل ركيزة أساسية للأمن القومي واستمرار عجلة الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة.
رسالة تشريعية واضحة
ويعكس مشروع تعديل قانون الكهرباء توجهًا تشريعيًا متوازنًا يجمع بين الردع والعدالة التصالحية، وحماية مرفق حيوي للدولة، وضمان حقوق المواطنين، في رسالة واضحة مفادها أن التشريع الرشيد لا يقوم على العقاب وحده، بل على حسن إدارة الموارد العامة وضمان استدامتها.
تطبيق نبض