عاجل
الثلاثاء 30 أبريل 2024 الموافق 21 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: سر الملياردير

تحيا مصر


قبل أيام، أثار مؤسس شركة تسلا الملياردير إيلون ماسك جدلا واسعا بعد أن ربح أكثر من 6 مليارات دولار في يوم واحد. جاء ذلك إثر القفزات التي حققها سهم تسلا للسيارات الكهربائية بنسبة 11% ليصل إلى مستوى قياسي عند 1544 دولار للسهم مدعوما بتصريحات ماسك خلال مشاركته في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي بشنغهاي التي أعلن فيها أن تسلا بصدد تطوير سيارة كهربائية ذاتية القيادة قادرة على التنقل بدون سائق؛ وقفزت بذلك القيمة السوقية للشركة لنحو 300 مليار دولار متجاوزة شركات السيارات العملاقة ومنها تويوتا.

ويستحق ماسك أن نتوقف عنده ليس كما فعلت غالبية وسائل الإعلام بتسويق فكرة خاطئة وهي ضربة الحظ التي أمطرت من السماء ذهبا على شاب في نهاية الأربعينات لكن التجربة التي صنعها ماسك هي التي تستحق التوقف لدراستها واستخلاص نتائجها من خلال مسيرة رائد أعمال شاب من جنوب إفريقيا يعمل بلا توقف 100 ساعة أسبوعيا على الأقل نجح مرة وفشل مرات وكسب مرة وأفلس مرات وبدأ من الصفر دون أن توقفه عثراته. لم تشغله ماركات الملابس أو الساعات التي يقتنيها بقدر ما يشغله ماذا صنع وكيف يحسن ظروف الحياة للبشرية.
ربما يتخيل أحد أن ماسك وفرت له عائلته التعليم المتطور والمدرسة الأجنبية أومصروف الجيب الكبير أو اشتراك في النادي لممارسة الرياضة أوتكاليف دورات الحساب العقلي يوسى ماس وغيرها من الرفاهيات.. على العكس، ماسك لم يكن محظوظا في أسرته لأنه عاش ظروفا قاسية خلال طفولته في جنوب أفريقيا خاصة بعد طلاق والديه حيث تركته أمه الكندية ليعيش مع والده وعانى من التنمر والعنف من زملائه وأقرانه حيث كثيرا ما كانوا يشبعونه ضربا وقد خلف له الاعتداء والضرب اعوجاجا دائما في الحاجز الأنفي. وكانت عائلته تظن أنه أصم وعانى من معاملة غير سوية خلال طفولته، وكان رد فعله الدائم السباحة في خياله وملكوته الإبداعي وعدم الالتفات إليهم لدرجة أن عائلته أجرت له عملية جراحية لإزالة اللحمية ظنا منها أنها العائق أمام تواصله معهم لكن الأمر لم يتغير حتى بعد إجراء العملية. كل هذه الظروف قد تدفع طفلا إلى أن يكون أقل من العادي لكنه مع ذلك تميز وأبدع وابتكر والفضل الأول هو وجود مكتبة بالقرب من بيته ومدرسته حيث اعتقد أمين المكتبة أن هذا الطفل سرعان ما يعزف عن تلك الكتب القديمة عديمة الجاذبية لمن هم في سنه لكن ما حدث هو العكس تماما وأكمل ماسك قراءة الكتب جميعها ولم يبق سوى موسوعات (انسيكلوبيديا) فلم يتوان والتهمها أيضا!
من خلال تلك المطالعات تأثر ماسك بمجموعة متنوعة من كتب الخيال العلمي منها سبعة كتب كتبها العالم والمؤلف إسحاق أسيموف وقال عنها ماسك بعد ذلك أنها كانت أساسية ليحلم وتتكون لديه تلك الريادية في التفكير وليقود معه العالم بأسره إلى المستقبل، سواء كانت تكنولوجيا الدفع الرقمي أو السفر إلى الفضاء أو السيارات الكهربائية أو تطويرات الطاقة الشمسية، أو جميع ابتكاراته التي تؤثر بشكل كبير على حياتنا اليومية وستكون لها الكلمة في مستقبل حياة البشرية.

اقرأ أيضًا..ألفــة السلامـي تكتب عن: "أم صابر وأم حنا وأم شريفة"

إن الطفل عندما يتميز بخيال لا حدود له يستطيع أن يقوده يوما ما إلى الفضاء كما فعل ماسك الذي سبح منذ تلك الطفولة المبكرة مع خياله المبدع ليبني سفنه الفضائية التي يسعى من خلالها لتوسيع مدى وصول الإنسان للكواكب الأخرى. وليس صدفة انه أسس شركة سبيس اكس بعد ذلك في 2014 والتي تقدم حاليا خدمات الفضاء لوكالة ناسا بعقد قيمته مليارات ويخطط لإتاحة تسيير رحلات سياحية للمغامرين على نطاق واسع نحو المريخ حيث يحلم بقرية ينشئها هناك. فالخيال الخصب والإلهام الذي قاده لصناعة لعبته الخاصة وهو في سن الثانية عشر و بيعها بمبلغ 500 دولار هو نفسه الذي أرسى خطواته الثابتة إلى مستقبل مختلف وهو نفسه الذي دفع هذا العبقري للتخصص في الذكاء الاصطناعي لتغيير العالم بشكل جذري، وخلق لديه التزاما شخصيا تجاه مصير البشرية ليحسن تكنولوجيا الطاقة النظيفة فيصنع السيارة تسلا التي تعمل بالكهرباء والتي تعد حاليا السيارة الأشهر الصديقة للبيئة كما أنه وبنفس هذا الالتزام جعل من الصواريخ مراكب فضائية قابلة للتدوير بحيث أوجد حلولا تتميز بالاستدامة تجاه التداعيات السلبية للتكنولوجيا المتطورة.
ويعد ماسك الآن المفكر الأول والمطور لنظرية الذكاء الاصطناعي والذي يسعى للدمج الوثيق بين الذكاء البشري الجماعي والذكاء الرقمي وسيستفيد العالم في المستقبل القريب أيما استفادة من هذا الاستثمار الذي يقوم به ماسك وفريقه البحثي. وأتمنى أن تستفيد منه مصر بالمثل وهي تعلن حاليا عن بدء العمل في وكالة الفضاء المصرية بحيث لا تبدأ من الصفر وإنما من حيث وصل هذا العبقري مع فريقه.

اقرأ أيضا.. ألفــة السـلامي تكتب: العقوبة مضاعفة لضحية التحرش!

ولا أشك أن هناك خطوات على الطريق بدأتها مصر بالفعل سواء من حيث تبني التكنولوجيا النظيفة للسيارات أو لعلوم الفضاء وهناك تلاميذ كثر من شباب ملهم يتابع ماسك ويقتدي به بل ويطمح للالتحاق بفريقه الذي ينكب على إنشاء نطاق ترددي عالٍ بين الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري. وسنستمع قريبا لهم يقودون مشروعات تنطلق بمصر في سرعة الصوت نحو المستقبل المبهر مثلما رأينا من قبل الدكتور فاروق الباز يقود فرق عمل بوكالة ناسا للفضاء والدكتور أحمد زويل يقود فرق عمل طورت تكنولوجيا الفمتو ثانية والدكتور مجدي يعقوب يقود فرق عمل طورت جراحة القلب في العالم. لكن الفرق الآن هو احتضان تلك المواهب داخل مصر حيث تتوفر الإرادة السياسية التي تؤمن بدور العلم والتعليم وضرورة تبني ريادة الأعمال لأنها المفتاح الحقيقي لنهضة الأمم. صحيح أن النظم التقليدية البائسة التي سارت عليها البلاد لعقود تحتاج "النفض" بلا تردد أو إبطاء حتى تواكب تلك الأفكار التي يحملها شباب ملهم لكن الطريق معبد وواعد.
إن الإيمان بالتعليم يحطم المستحيل والعلوم هي المفتاح لدحض الخرافة التي يتخبط فيها المجتمع والتي تدفع خيرة شبابه إلى القنوط أو الاتجاه للهجرة بحثا عن عالم رحب يتقبل أفكارهم ويتبنى ريادتهم. لابد أن يكون الموهبة والحلم هو القيمة الحقيقية الوحيدة وليس المحسوبية والفساد، وأن تكون القاعدة هو أن ما تحلم به وأنت صغير ستحققه يوما ما إذا كنت مثابرا في حلمك ولم ترتكن للمبررات التي تحبطك وتفشل محاولاتك. ولعل الدرس الأهم هو أن العبقرية لا تصنع بالمال وإنما هي التي تصنع المال ..والعلماء هم الذين يشيدون المجتمعات ويبنون نهضتها ولابد أن يكونوا القدوة ونراهم ونسمعهم يوميا في وسائل الإعلام ينيرون حياة الناس وليس أولئك المشعوذين الذين يستخدمون الدجل ليسيطروا به على عقول الناس في القرن الواحد والعشرين من خلال المنابر ووسائل الإعلام!
هذا يدفعني لأكرر الدعوة كما في كل مناسبة ومقال بضرورة الاهتمام بالتعليم بمفهومه الشامل وبطرقه المبتكرة في المراحل الأولى من حياة الطفل، وبأهمية توفر المكتبات سواء داخل المدرسة أو في محيط الأحياء السكنية لأن القراءة تقدم فرصا حقيقية لتنمية الخيال لدى الموهوبين. لدينا في مصر مباني كثيرة بلا أي نشاط يذكر اجعلوها مكتبات وسوف يتبرع الآلاف بمكتباتهم وكتبهم أو اجعلوا حافلة كتب في كل شارع وحي وقرية ستكون أفضل استثمار في أطفالنا!
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي