عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: سقطة محمد رمضان

تحيا مصر

بعد أن أشعلت أحضان محمد رمضان للإسرائيليين مواقع التواصل الاجتماعي مازالت تتوالى ردود فعل الرأي العام المصري والعربي مثيرة موجة سخط وغضب ضده ومعتبرة أن التقاط الممثل المصري لصور مع ممثلين إسرائيليين ولاعب كرة قدم في إمارة دبي بدولة الإمارات سقطة في بئر التطبيع.
وما زاد الطين بلة ذلك التعليق الذي غرد به محمد رمضان " لا يهمني اسمك ولا لونك ولا ميلادك.. يهمني الإنسان" حيث يعكس جهله السياسي وفقره الثقافي وقلة الحس الوطني لديه. وهو بالتأكيد "أعمى البصر والبصيرة" لأنه لم يشاهد الإنسان -الذي يدعي أنه يهمه- كيف تدوس عليه دولة الاحتلال يوميا بأبشع أشكال الاستيطان التي عرفها التاريخ. وقد عزز هذا الموقف آراء سابقة لمنتقديه حول أدوار الأكشن والعنف والجريمة في أعماله والتي يقتدي بها الشباب.. فهو ربما يكون صاحب موهبة لكنه لا يمكن أن يكون "نمبر وان" لأن رقم واحد في الفن لابد أن يكون مطلعا على تاريخه متشبعا بالحس الوطني محافظا على هويته.
وربما يظن رمضان وغيره ممن يستهويهم التطبيع بأن ردود فعل الشارع والنقابات مؤقتة سرعان ما تزول أو تُنسى، وأن الجماهيرية سرعان ما تعود ومعها الأعمال والأموال والمكاسب الشخصية لكن الحقيقة تؤكد أنه برغم مرور ما يزيد عن 40 عامًا على معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الاسرائيلي فإن العداء الشعبي مع مغتصب الأرض وسارق التاريخ والتراث وقاتل العجائز والأطفال والنساء والشباب لم ولن يفتر بل إن العداء تنكثه جراح عصية لا تندمل. صحيح أن المزايدات كثيرة على المتمسكين برفض التطبيع وصحيح أيضا أن هؤلاء ليس لديهم الكثير ليفعلوه كما أنهم لن يحملوا السلاح ليحرروا القدس -على طريقة نجيب ساويرس في المزايدة- لكنهم لن يطبعوا العلاقات وكأن شيئا لم يكن لأن قضايا الأرض والجغرافيا والشعوب لا تموت مهما طال الزمن وكما عادت طابا سيأتي يوم وتعود القدس. فلنقل اليوم إنها أحلام لكن فليترك أيضا العاجزون عن الحلم غيرهم من الحالمين يحلمون. وقد كان استقلال الجزائر بلد المليوني شهيدا حلما هو الآخر من الأحلام المستحيلة لكنه تحقق بعد أكثر من قرن ونيف!
سيبقى الشعب المصري والعربي يذكي ذاكرته بمشاهدة "دموع في عيون وقحة" و"رأفت الهجان" بنفس الحماسة والاقتناع لأن الدموع "الوقحة" لم تجف و"الهجان" لم يمت مهما مرت من عقود والأرض تعود يوما على يد من لا ينسون الحق مهما طال اغتصابه.
وقد حاول الكيان الإسرائيلي مرارا التسلل إلى الساحة الفنية المصرية ليختبئ في رواقات الفنون باعتبارها القوة الناعمة التي تنفذ للعقول بسلاسة وتتربع داخلها لكن لم تنجح تلك المحاولات وظل الالتزام بالقرارات المعروفة للنقابات الفنية منذ أيام الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، أشهر رؤساء مهرجان القاهرة السينمائي، والفنان الراحل السيد راضي، رئيس اتحادات النقابات الفنية.
كما لم تنجح محاولات التطبيع الشعبي من خلال استقطاب المسيحيين للحج إلى القدس، وأستحضر في هذا الإطار المقولة الشهيرة لقداسة البابا شنودة: " لن ندخل القدس إلا مع إخواننا المسلمين".
وقد استمر هذا النهج بمثابة ميثاق عمل في كافة النقابات والاتحادات ولدى جموع المصريين عموما -وليس لدى التيارات القومية فحسب- كما يصورها بعض المنادين بالتعامل مع التطبيع باعتباره "حرية شخصية" مثلما كانت المزاعم يوم تمّ إسقاط عضوية الروائي علي سالم مؤلف مسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة عندما زار دولة الاحتلال. وواصل اتحاد الكتّاب موقفه الثابت وهو الرفض الشعبي والثقافي للتطبيع وفصل سالم من عضويته. وها أن الشركة التي ارتبطت مع الفنان محمد رمضان بإنتاج مسلسل "موسى" في شهر رمضان المقبل قد أعلنت إيقاف التعامل معه، وسيفكر أي فنان آخر كثيراً قبل الإقدام على مثل خطوته.
رد الفعل الذي قابل به محمد رمضان رفض الجمهور لنشر الصور مع الشخصيات الإسرائيلية وتحقيق نقابته معه "غريب" ويدعو للتأمل في تعنت هذا الفنان الذي مازال حتى لحظة كتابة هذا المقال مستمرًا في رفضه الاعتراف بخطئه، بالرغم من تحويله للتحقيق من طرف نقابة المهن التمثيلية واحتمال شطبه كعقاب له على التطبيع، وقرار إيقاف عضويته من اتحاد النقابات الفنية، وكذلك قرار نقابة الصحفيين وقف تعامل الصحفيين معه ومع أخباره. ولم يتزحزح تعنته ولم يُحرج كبرياءه الاحتفال الذي أقامته وسائل إعلام دولة الاحتلال بهذه الصور، وكأن ما حدث يمثل نصراً كبيرا، ناهيك عن الحفاوة البالغة من قبل المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي غرد قائلا: "ما أجمل الفن والموسيقى والسلام"!
ولا يخفى على أحد- سوى محمد رمضان- الشغل الشاغل لدولة الاحتلال للحضور في الثقافة العربية واختراق مثقفيها وفنونها وفنانيها وخاصة الثقافة والفنون المصرية وإصرارها المرة تلو الأخرى على التطبيع الشعبي والثقافي والتسلل في المحافل المختلفة لتحجز تواجدا يوحي بأن العلاقات طبيعية لتكسر بذلك تلك العزلة التي تعيشها لعقود طويلة وسط جيرانها.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب عن فيلم هز العالم .. الوجه القبيح للرأسمالية!

مهما مر على بلداننا من أعداء ستبقى "إسرائيل" العدو الأول.. ولا يمكن أن ننسى دماء الشهداء التي سالت في تراب سيناء ولا بد من احترام مشاعر المصريين فكل بيت مصري لديه شهيد أو جريح، ولن ننسى القضية الفلسطينية وأرضها المغتصبة.. وستظل القدس في القلوب والعقول مهما اعترى الإرادات من وهن أو حاصرتها الضغوط؛ كما يظل الفن يحمل رسالة على عاتقه هي التي تكسبه قيمة وهي أيضا إحدى سمات الهوية الوطنية ولا يمكن لأي فن أن يدوم و لفنان أن يؤثر إذا لم يكترث بقضايا شعبه أو إذا كان يستخف بها ويسخر منها ومن نضالات أبطالها. ولابد أن يتعلم من أساتذته عادل إمام – الذي أهداه درع تكريمه مؤخرا- ومحمود عبد العزيز ونور الشريف الذين حلقوا عاليا بفنهم بفضل الرسالة التي حرصوا على تضمينها في فنهم. وستتوارى الشهرة ويشح المال وتضمحل المكانة ولن يتذكر مخلوق محمد رمضان إذا لم يتراجع ويعتذر وينحني تقديرا للقضية الفلسطينية واحتراما لدماء من سقطوا من أبناء شعبه في الحروب ضد هذا الكيان الاستيطاني المحتل. ومن غير المقبول أن يستمر محمد رمضان في استثمار هذا الجدل ليحقّق مزيدًا من الشهرة و"الترند" والترويج لإسمه.
هذه ليست الأزمة الأولى له، لكنها سقطة قد تعجل بنهايته، وتقوده نحو نعش شهرته وبخطى ثابتة هذه المرة!
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي