عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

عمرو عزت حجاج يكتب: الغزو العثماني بين التاريخ وأكاذيب العثمانيين الجدد «2 -2»

تحيا مصر

فى مقالى السابق تناولت بعض الاكاذيب التى يروج لها العثمانيين الجدد واشياعهم  ،حول استيلاء العثمانيون على مصر .

فتوقفت عند تقنين مصطلح هذا الاستيلاء ،هل هو فتح ام غزو ، وبينت بالادلة اللغوية والتاريخية على انه غزو ،ولا يمكن ان يكون فتح باى حال من الاحوال ،وذلك لان لفظ الفتح يطلق على البلاد الغير اسلامية ،عندما يدخلها الاسلام ،بنما كانت مصر دولة اسلامية مزدهرة .

كما اوضحت الاسباب الحقيقية للغزو العثمانى المصري ،وكيف كان الهدف من ذلك تزعم العالم الاسلامى واخضاع الاراضى المملوكية للنفوذ العثمانى،وذلك بهدف السيطرة على دور الوسيط التجارى الذى كانت تلعبه دولة المماليك فى هذا العصر ،وتسيد تجارة المحيط الهندى ذات الارباح الوفيرة ،وليس التصدى للبرتغاليين كما يزعم البعض ،والدليل فشل العثمانيين فى القضاء على الوجود البرتغالى فى الخليج العربي وشرقي افريقيا .

وفى هذا المقال سوف استعرض بقية هذه الاكاذيب ،حيث سوف اوضح همجية وارهاب العثمانيين مع المصريين ، واثر هذا الغزو المخرب على اوضاع مصر المختلفة ،وذلك على النحو التاالى :-

ج – الارهاب العثمانى فى مصر

 

لقد ترك لنا ابن اياس الحنفى فى كتابه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" ،شهادة حية ومعاصرة عن جرائم وانتهاكات العثمانيين فى حق المصريين ،وسوف اترك بين يدى القارئ العزيز ،مقطتفات من الجزء الخامس ،طبعة دار الكتب المصريةعام 2009،والتى تدلل على همجية الغزاة وبربرية افعالهم :-  ص 146 و 147 " وصارت الزعر والغلمان ينهبون البيوت فى حجة "صحبة" العثمانيين ، فانطلق فى اهل مصر جمرة نار ، ثم دخلوا جماعة من العثمانية الى الطواحين واخذوا ما فيها من البغال والاكاديش ،واخذوا عدة جمال من جمال السقايين ،وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك ،وصاروا يخطفون جماعة من الصبيان المرد والعبيد السود ،واستمر النهب عمالا فى ذلك اليوم الى بعد المغرب ،ثم توجهوا الى شون القمح التى بمصر وبولاق فنهبوا ما فيها من الغلال ،وهذه الحادثة التى قد وقعت لم تمر لاحد من الناس على بال ،وكان ذلك مما سبقت به الاقدار فى الازل ،وقال الشيخ بدر الدين الزيتونى فى هذه الواقعة :-

نبكى على مصر وسكانها ...... قد خربت اركانها العامرة واصبحت بالذل مقهورة ...... من بعد ما كانت هى القاهرة.

ص 147 و 148 "وصاروا العثمانية ينهبون بيوت الناس حتى بيوت الارباع فى حجة انهم يفتشون على المماليك الجراكسة ،فاستمر النهب والهجم عمالا ثلاثة ايام متوالية "

ص 154 " ثم ان طائفة من العثمانية توجهوا من على مصر العتيقة ،وطلعوا على القرافة الكبيرة ،وملكوا من باب القرافة الى مشهد السيدة نفيسة رضى الله عنها ،فدخلوا الى ضريحها وداسوا على قبرها ،واخذوا قناديلها الفضة والشمع الذى كان عندها ،وبسط الزاوية ـوقتلوا فى مقامها جماعة من المماليك الجراكسة وغير ذلك من الناس الذين كانوا احتموا بها".

ص 156 "ثم ان العثمانية طفشت فى العوام والغلمان من الزعر وغير ذلك ، ولعبوا فيهم بالسيف ،وراح الصالح والطالح ،وربما عوقب من لا جنى ،فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة الى الرملة ومن الرملة الى الصليبة الى قناطر السبع الى الناصرية الى مصر العتيقة ،فكان مقدار من قتل فى هذه الواقعة من بولاق الى الجزيرة الوسطى الى الناصرية الى الصليبة فوق العشرة الاف انسان فى مدة الاربعة ايام ،ولولا لطف الله تعالى لكان لعب السيف فى اهل مصر قاطبة ".

ص 157 شبه ابن اياس جرائم العثمانيين بما فعله هولاكو فى بغداد حيث يقول " ولم تقاس اهل مصر شدة مثل هذه قط ... ثم وقع مثل ذلك فى بغداد فى فتنة هلاكو ملك التتار لما زحف على بغداد واخربها واحرق بيوتها ،وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل اهلها ،واستمرت من بعد ذلك خراب الى الان ،فوقع لاهل مصر ما يقرب من ذلك ،ومازالت الايام تبدى العجائب”.

هذه بعض المقتطفات القليلة لجرائم العثمانيين ،والتى يسعى البعض لتبريرها ،تارة بظروف العصر ،وتارة بالتشكيك فى دقة ابن اياس،اما عن ظروف العصر ،فنعم كان العصر سمته القسوة والعنف ،ولكن هناك فرق بين عنف العصر ،والمجازر والقتل الجماعى والنهب المنظم ،وطمس معالم الحضارة ،فهذه البشاعة لا تليق بجيش مسلم يدخل الى دار الحرب ،فما بالنا بدار الاسلام واهلها .

اما عن دقة ابن اياس ،فالرجل اجتهد ان ينقل كل ما عاشه هو والمصريين من اهوال ومظالم ،ولو قلنا ان الراجل لم يدقق فى بعض الاحداث او بالغ فى البعض الاخر ،فبالتاكيد كل هذا لا ينفى الاطار العام ،والذى يظهر مدى وحشية االعثمانيين ،وجرائمهم فى حق المصريين .

د- أثر الغزو العثمانى على مصر  

 

كان للغزو العثمانى لمصر عام 1517م ،نتائج كارثية على مصر وسكانها ،ويمكن ايجازيها فيما يلى :-

1 – فقدان الاستقلال السياسي :- كانت مصر المملوكية مقر دولة ممتدة الاطراف تمتد من قبرص شاملا الى النوبة جنوبا ومن حدود العراق شرقا الى اقليم برقة غربا ،بالاضافة الى اشرافها على بلاد بلاد الحرمين ،وهيمنتها التجارية على بلاد اليمن ،ثم تحولت الى عقب الغزو العثمانى الى مجرد ولاية سياسية كغيرها من ولايات الدولة العثمانية .

2- فقدان النفوذ الروحى :- عقب سقوط بغداد عام 1258م ومقتل الخليفة المستعصم بالله العباسي ،انقطع وجود الخلافة العباسية ،الى ان تمكن السلطان المملوكى الظاهر بيبرس من استدعاء احد ابناء المستعصم ،فبايعه ووجوه السلطنة بالخلافة ،ومنذ ذلك الوقت ،انتقلت الخلافة العباسية الى مصر ،وبذلك اصبحت حاضرة الخلافة ،ومحط انظار الحكام المسلمين ،باعتبارها مقر مانح الشرعية لهم ،وليس ادل من ذلك من رحلة حج سلطان صنغى "منطقة غربى افريقيا الان"الاسكيا محمد عام 1496/1497م والتى كان احد اهدافها الحصول على تفويض من الخليفة بحكم بلاد صنغى ،وعقب غزو سليم الاول للشام ومصر اصطحب الخليفة العباسي معه الى استنابول ، ثم انتزع الخلافة منه ،واصبح السلطان العثمانى هو خليفة المسلمين ومقره استنابول او الاستانة. 

3 – التدهور الحضاري :-عقب سقوط بغداد ،وتدمير المغول لمظاهر الحضارة بها وببلاد الشام ايضا ،أخذت القاهرة على عاتقها جمع اشلاء ،هذا التراث المغدور ،فنشطت حركة التأليف ،والابداع العلمى ،فظهرت الموسوعات الادبية والتاريخية الضخمة كنهاية الارب للنويري وصبح الاعشي للقلقشندى ومؤلفات المقريزى والسخاوى وابن خلدون ،وكذلك تصنيفات الحديث والفقه،كفتح الباري لابن حجر وعمدة القاري للعينى ،ومؤلفات السيوطى ،وذلك كله بتشجيع حكام دولة المماليك ،كما نشطت حركة البناء والعمران الباهرة ،التى مازالت تفتخر بها القاهرة وسائر انحاء مصر الى يومنا هذا ،اما فى العصر العثمانى فقد ضعفت الحركة العلمية والعمرانية الى ادنى درجة ،حيث تحولت مصر الى طرف من اطراف الدولة ،وليست المركز كما كانت .

4 – التآكل الاقتصادى :- كانت مصر هى الوسيط التجارى الاول فى العالم خلال معظم عصر المماليك ،كما ازدهر النشاط الزراعى بها ،وكان كل هذا العائد يعود الى مصر حتى لو من خلال الطبقة الحاكمة المملوكية ومشاريعها ،اما فى العصر العثمانى فقد ضعفت حركة الاقتصاد المصري ،وحتى الاموال  التى كانت تجنى منها كان معظمها يذهب كجزية للباب العالى او رشاوى له او يختلسها الولاة  المعينين من قبله . 

وهكذا يتضح ان الغزو العثمانى لمصر كان شراً مستطيراً ،حولها من دولة قوية ،الى ولاية تابعة ،ومن ايقونة للحضارة الى مثال للجهل والانحطاط ،هذا فضلا عن معاناة المصريين من عنف وارهاب العثمانيين ،هذه حقائق التاريخ التى تنطق بها المصادر ،ويحاول العثمانيين الجدد اخفائها .

تابع موقع تحيا مصر علي