عاجل
السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: مهرجان الجونة وتجار الدين!

تحيا مصر

ما نعيشه من خرافات يحتاج إلى جهود مضنية حقيقية لتطهير العقل والقلب والثقافة الشعبية من رجس أصنام تُنصّب نفسها متحدثة باسم الله، تعاقب من تشاء وتثني وتعلي من قدر من تشاء.

 كيف يمكن أن نسكت أمام شخص يقول إن الحريق الذي حدث في قاعة من قاعات احتفالات مهرجان الجونة السينمائي بالغردقة ما هو إلا إنتقام من الله للفنانين.. وما دخل لبس الفنانات بالحريق، وإلى متى يظل أمثاله يرتعون في منابر المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي يعلفون ملايين العقول بترهات وأباطيل، وينصّبون أنفسهم قيّمين على سلوك الناس يكفّرون هذا ويقدّسون ذاك؟! 

على امتداد أكثر من أربعة عقود اختلط الطالح بالصالح في مجال الفتوى وعانى المجتمع ومازال يعاني من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم شيوخا في الدين والدين منهم بريء، حيث حوّلوا الدين إلى خرافة وشعوذة وفسروا الآيات حسب هواهم وقادوا المجتمع وشبابه إلى طريق الإرهاب والدمار وأبعدوه عن الدين السمح.. وويل لمن تسول له نفسه أن يفكر في الاعتراض عليهم أو التشكيك فيما يقولون.. يرمون عليهم التهم جزافا ويكفرونهم وينزلون عليهم العقاب ألوانا! 

ولهؤلاء الذين انتشروا كالذباب في لمح البصر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حريق الجونة يدّعون أن فساتين الفنانات كفيلة بجلب عقاب الله وإنزاله على المهرجان ويتشفون فيه وفي رواده بسبب الحريق.. أردّ متسائلة: ماذا عن حوادث الحرائق التي تنشب في المساجد وأماكن العبادة وقضى فيها ضحايا بالمئات نحبهم.. هل يصح أن تكون إنتقاما من ربّ العباد؟!

وبالنسبة للملاهي الليلية والحانات المنتشرة في أنحاء العالم كله وتزدحم بالرواد ولم يصبها مكروه، هل أن ذلك يعني أن الله راض عنها جل جلاله؟! فلتكفوا أيها المدعون والمتحدثون باسم الدين والله، فأنتم تسيئون للدين، وتتحدثون وكأنكم وسطاء بين الله وخلقه بينما لا يوجد في ديننا الحنيف وساطة بين المؤمن وربه. فلماذا تضعون نفوسكم المريضة في مكانه وتفسرون الحوادث على هواكم وتنسبونها لرب الناس؟! 

روجتم الشائعات وادعيتم أن المهرجان تم إلغاؤه وهذا عار عن الصحة؛ فالمكان الأساسي الذي تقام فيه فعاليات مهرجان الجونة السينمائي لم يتأثر بالحريق الذي اندلع بالقرب من مسرح البلازا. وقد نفى القائمون على المهرجان ما رددتموه جملة وتفصيلا وطمأنوا ضيوف المهرجان ومحبي السينما الذين يتابعون المهرجان من شتى أنحاء العالم، مؤكدين أن الافتتاح سيتم في موعده وأن المسرح بعيد عن الحريق الذي اندلع بإحدى المحلات الخارجية ولم يؤثر على المسرح الذي يقام فيه الحفل الرسمي والمنطقة التي يقام بها احتفالية ما بعد الافتتاح هي التي تضررت وجاري الانتهاء من كافة الإصلاحات بها وستكون جاهزة مساء الخميس قبل الافتتاح.

إن الإسلام دين عظيم ومن المفروض أن يكون المسلمون خير أمّة أخرجت للناس؛ فلماذا يصر بعض المسلمين أن يكونوا شرّاً للناس، ولماذا يدفعون مجتمعاتنا لتعود إلى الوراء وتتذيل الحضارات ليس لعيب في الإسلام وإنما لعيب فيهم.. لقد حان الوقت للوقوف في وجه هؤلاء فيكفي ما خربوه طيلة العقود الماضية، وقد أصبح فضحهم فرض عين وقد تم كشف القناع عن مصالحهم التي يحققونها باسم الدين والتجارة التي يشرعونها لأنفسهم ويشيدون بها قدسية حول آرائهم التي لا تناقش. لقد دخلوا البيوت الآمنة و زرعوا الفرقة بين الأزواج، وحرضوا الرجال ضد النساء، والآباء ضد البنات وأصبحت تغرد بفتاويهم الكثير من الألسنة.

لم يعد مقبولا في مصر بلد الحضارات وموطن الأزهر الشريف أن ترتع الخرافة في عقول أبنائه وبات من الضروري أن يتصدى بجدية لمروجيها الصادقون من أبناء وتلاميذ وزملاء فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب وأمثاله لمواجهتهم بحزم وبالحجة والتوضيح للناس وعلى نطاق واسع الدجل والخرافة والتحريف الذي علق بالدين بسببهم، فحولوه من دين سماحة إلى دين عنف، ومن دين رحمة إلى دين غلظة، ومن دين عقل إلى دين خرافة، ومن دين حضارة إلى دين تخلف. ولن ينفع الوقوف على الحياد بعد اليوم أو التصرف بسلبية أمام هؤلاء الذين يتحصنون بقول الله ورسوله وهم أبعد ما يكون عن القرآن والسنة، بل ويقفون وراء كل كنيسة حُرقت، أو مسجد انفجر بمصليه، أو سوق دمرت بمن فيها، أو أحرار يغرر بهم ويساقون وراء راعي القطيع لينزع عنهم الفطرة الجميلة وإعمال العقل والتفكير.

[email protected]

تابع موقع تحيا مصر علي