عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: حجر في مياه راكدة !

تحيا مصر

مسلسل يناصر نساء الطلاق ويثير ضجة كبيرة في مجتمع يبدو أنه مازال يقاوم التغيير برغم الدعم الذي تجده قضايا الأحوال الشخصية من الحكومة وأعلى سلطة في الدولة، رئيسها، وكذلك العديد من قادة الرأي والإعلام والشخصيات العامة إلا أن تلك الجهود مازالت قاصرة عن بلورة تغيير اجتماعي حقيقي ينصف المرأة.

قد يبدو انطباعي سلبيا على ردود الفعل المتضاربة حول مسلسل "فاتن أمل حربي" لكن الحقيقة هي العكس تماما حيث أنه يرمي حجرا في مياه راكدة والتغيير الجاد يتطلب محاولات متكررة لتحريك تلك المياه الراكدة، وفي مقدمتها محاولات الدراما التلفزيونية لسهولة إيصال الرسائل الاجتماعية من خلالها.

 وهذا المسلسل هو محاولة من ضمن محاولات كثيرة مطلوبة بإلحاح حتى يتحقق الهدف المنشود ألا وهو إنصاف المرأة في مجتمع يؤمن الكثير من أفراده بدورها وقدراتها ومازال عليهم أن يكسبوا الكفة لصالحها وصالحهم أمام الفئات والجهات المتشددة المنصِّبة نفسها متحدثة باسم الدين أحيانا وباسم العادات والتقاليد أحيانا أخرى.

 

ومن أبرز مظاهر المقاومة للتغيير ما أثاره المسلسل من جدل خلال الفترة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المتعددة حيث انقسمت الآراء بشأنه. ولعلَّ الآراء المتشدِّدة ضد أحقية الأم في حضانة أولادها والتنصّلِ من أداء النفقة للأولاد ودفع مصاريف التعليم وتوفير سكنٍ لائقٍ مازالت الأعلى صوتاً وتحول دون إنصافٍ حقيقيٍّ للمرأة والأمِّ عند انفصال الزوجين. 

كما أن الآراء الفقهية إذا ما أظهرت توضيحاً في صالح النساء سرعان ما تهبُّ آراء أخرى لإطفاء النور وحجب أي دور تنويري لهؤلاء تحاول الدراما أن تسلط الضوء عليه، حيث يشعر هؤلاء المتشددون - أعداء المرأة في السرِّ والعلن- بخطورة هذا الدور ويحاربونه بكل ما أوتوا من قوة حتى يبقى الحال على ما هو عليه. وأسهل طريق للحرب الرابحة إضفاء الطابع الديني على آراء بعض الشيوخ، رغم أنها غالباً ما تكون مجرد تفسيرات من جملة تفسيرات عديدة أخرى يتم طمس المستنير منها عمدا حتى يظهر فقط ما يرضي نزعاتهم وأفكارهم باعتبارهم رجال يخافون أن تنال المرأة حقوقها فتنافسهم وتناطحهم وتسحب مكاسبهم التي تمتعوا بها عن غير جهد أو عمل يُذكر وإنما ورثوها وتربوا عليها وتعششت في أفكارهم المحافظة التي تمجّدُ دورهم الذكوري في المجتمع وتفوّقهم الجندري دون مبرِّر. 

ولدي بعض الملاحظات على المسلسل وإن كانت لا تمسُّ بجوهر القضية وهدفها، من ذلك على سبيل المثال ذكر بعض الدفوع من طرف المحامين وهي ليست صحيحة وتفتقد للدقة القانونية. كذلك نلاحظ أن المتهم أول من يتحدث أمام القاضي بينما العكس يجب أن يحدث حيث أن المدعي بالحق المدني والنيابة يتحدثون أولا ثم المتهم.  وأهم ملاحظة في رأيي تتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون الأحوال الشخصية كقضية تتمحور حولها الأحداث، في حين أنها صياغة خاطئة مخلة، فالمحامون لا يطعنون بعدم دستورية "قانون" بأكمله خاصة عندما يكون له الصبغة العامة، لكن يطعنون على النصوص التي تتعلق بالقضية المطروحة لأن المصلحة يجب أن تتوافر في الطعن بعدم الدستورية. مثال على ذلك، كان من الممكن الطعن على نص بعينه أو خلو القانون من نص كان يجب أن يتوفر؛ مثل  صدور حكم سابق بعدم دستورية النص المنظم للرؤية لخلوه من حقِّ الأجداد في رؤية الأحفاد مع الأب، حيث كان مقصورا على الأب وحده أو الأجداد في حالة غياب أو فقد الأب.

فالطعن بعدم الدستورية هو طعن على نصٍّ يهدرُ حقاًّ يكفله الدستور.

لاشك أن نصوص قوانين الأحوال الشخصية تحتاج لمراجعة جادّة. كما أن تسليط الضوء على المرأة التي تعاني في محاكم الأسرة -وبالبلدي متلطمة في المحاكم- أمر في منتهى الأهمية في الوقت الحالي ويعكس صورة واقعية، مثل كثرة قضايا الطلاق التي تجاوز عددها مليون ونصف المليون قضية تنظرها محاكم الأسرة مما أدى لازدحام القاعات والدليل "القهاوي" الموجودة أمام المحاكم التي يضطر المتقاضون للجلوس عليها انتظارا لأدوارهم حتى أصبحت مثل السوق أو "سويقة" كما يقال مما يُخلُّ بمظهر العدالة.

المجتمع مازال منحازا للرجال ومازالت قيم المجتمع الغالبة ذكورية وغابت الرجولة بمفهومها الاجتماعي الإيجابي، حيث تحولت العلاقات عند الطلاق إلى انتقام وتنكيل على حساب الأبناء الذين دائما ما يكونون ضحايا ويتأزمون نفسيا مما يؤثر على كامل مسيرة حياتهم. 

كلمة أخيرة تعليق عن أداء الممثلين حيث أكدت نيللي كريم أنها ممثلة قوية وأداؤها مميز في الشخصيات التي تقدمها كل عام في رمضان، وتذكِّرنا فاتن أمل حربي بنجاحات نيللي في مسلسلات "ذات" و"سجن النسا".

 

ويقدّمُ شريف سلامة بجانبها دورا رائعا في المسلسل حيث ظهر ذلك الزوج السيء والشخصية المتنطعة "ابن أمه"، وأجاد أداء دوره بشكل مختلف وجديد وهي فرصة جيدة له اقتنصها وأظهر من خلالها مواهبه التي لم تظهر من قبل في أي شخصية من الشخصيات التي مثلها.

 

تابع موقع تحيا مصر علي