عاجل
الأحد 19 مايو 2024 الموافق 11 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

علي متولي:يكتب: الأزمة الاوكرانية الروسية..التداعيات علي منطقه الشرق الاوسط

تحيا مصر

لم تكن أوكرانيا طوال التاريخ دولة مستقلة إلا في فترات قليلة كان آخرها 1917، وبعدها عادت إلى الحياة مرة أخرى في 1991.

تحيا مصر 

الأزمه الأوكرانية الروسيه ..التداعيات علي منطقه الشرق الاوسط

والحقيقة التاريخية الثانية هي الأوضاع الجيوسياسية لأوكرانيا، فهي واقعة في روسيا عمليًا، كما أن جزءًا من سكانها (تتراوح النسب المعلنة من 17٪ إلى 35٪) ينتمي إلى روسيا لغويًّا وإثنيًّا، وبينما صوّت جزء منهم لضم منطقة القرم مرة أخرى إلى روسيا، فإن الجزء الآخر المتبقي داخل أوكرانيا عبَّر كثيرا عن رغبته في الانفصال.

والحقيقة التاريخية الثالثة معاصرة، وهي أنه منذ الاستقلال الأخير، فإن أوكرانيا تأرجحت ما بين الاقتراب من روسيا؛ "اتقاءً لشرّها"، والابتعاد عنها والاقتراب من المدار الأوروبي والأطلنطي؛ "ردعًا لشرّها أيضًا.

وما بين هذه الناحية وتلك، تولدت الأزمة الراهنة بعد أن دخلت فيها عناصر جديدة ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وبينما كان العقد الأخير من القرن العشرين مواتيًا بقوة لفك الاتحاد السوفيتي، فإن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهد يقظة جديدة في القوة الروسية تحت لواء الرئيس "فلاديمير بوتين"، الذي وجد في تراجع القوى الغربية خلال هذا العقد فرصة من أجل استعادة روسيا لمكانتها مرة أخرى، وقد وقد ظهر ذلك في سلسلة من الخطوات، شملت التدخل العسكري في جمهورية جورجيا؛ لحماية أقليات روسية، ثم بعد ذلك ضم القرم مرة أخرى من خلال إجراء استفتاء، وخلال هذه الفترة بات لروسيا وجود عسكري فعّال في سوريا أضاف إلى نفوذها في الشرق الأوسط. ومنذ نهاية الحرب الباردة، وسَّعت الولايات المتحدة الضمانات الأمنية، في شكل عضوية الناتو، فشملت ست دول سابقة في حلف وارسو وثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة.

ويواصل حلف الناتو الآن الإصرار على أن بابه يجب أن يظل مفتوحًا، وأن ست جمهوريات سوفيتية سابقة متبقية، أربع منها على الحدود مع روسيا، يجب أن تتمتع -بالمثل- بالحرية في التقدم والحصول على عضوية الحلف.

 كما أدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى جعل أوروبا منقسمة بين الدول الأعضاء في الناتو والدول محتملة العضوية في الناتو، وروسيا... والحقيقة أن "ميخائيل جورباتشوف" -آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي- و"بوريس يلتسين" -أول رئيس لروسيا الاتحادية- عبَّرا عن اهتمامهما بعضوية الناتو، وتم تجاهل مطالبهما، بينما أصرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على أنه يمكن لجميع دول حلف وارسو السابقة والجمهوريات السوفيتية الموجودة في أوروبا التقدم بطلب للحصول على العضوية والنظر فيها بجديه، إلا أن الثابت أن الأزمة الأوكرانية -وهي لا تزال في مراحلها الأولى بعد عبور حاجز استخدام القوة المسلحة- خلقت حالة كبيرة من التضخم العالمي في مجالات الطاقة والغذاء والمعادن وسلاسل التوريد، تضاف إلى عقدة هذه السلاسل الناجمة عن "الجائحة"، مع ما أسفرت عنه من الاضطراب الكبير في البورصات العالمية والأسواق المالية وأسعار العملات إلى آخر مفاصل النظام العالمي المعاصر، وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل للصراع الروسي الأوكراني على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهو كالتالي:

أولًا: من المرجّح أن تخلق الحرب في أوكرانيا مشاكل جديدة لأوروبا في المنطقة، وفي حين أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن تكون قادرة بمفردها على إيحاد بديل لروسيا كمزود الطاقة الرئيس لأوروبا، فإنها ستضمن نفوذًا أكبر على الغرب. وربما يكون هذا انتكاسة لجهود إدارة "بايدن" لتحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط ونحو آسيا.

ثانيًا: قد تؤدي الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى زيادة حادة في أسعار الطاقة والقمح العالمية؛ حيث تمثل صادرات القمح من البلدين (روسيا وأوكرانيا) ما يقرب من 29% من العرض العالمي. في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية إلى حد كبير بسبب اضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بوباء كورونا، وهذا من شأنه أن يزيد من خطر انعدام الأمن الغذائي. 

كما أفاد تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط بواشنطن بأن "أوكرانيا تصدر 95٪ من حبوبها عبر البحر الأسود، وقد ذهب أكثر من 50٪ من صادراتها من القمح إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020. وقد يكون للأحداث تأثير إنساني مدمر على الدول الهشة بالفعل في بلاد الشام وشمال إفريقيا، ويمكن أن تجد الدول الإقليمية التي كانت تكافح بالفعل من الناحية الاقتصادية نفسَها أضعف وأكثر عرضة للضغوط الخارجية.

ويمكن أن يكون لارتفاع أسعار الخبز، إلى جانب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، تأثير مزعزع بشدة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعاني المنطقة بالفعل من أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي في العالم، ويمكن أن تؤدي الزيادات الإضافية في الأسعار إلى تعميق الأزمات الإنسانية، وخاصة في الدول التي تحوم بشكل خطير بالقرب من المجاعة، مثل اليمن ولبنان، وكلاهما مشترٍ رئيس للقمح الأوكراني. وعلى الرغم من ذلك، فإن قلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستنجو من هذه الآثار.

ثالثًا: يمكن أن يوفر الصراع الروسي الأوكراني لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفوذًا جديدًا مهمًا مع الولايات المتحدة وأوروبا، باعتبارها بديلًا محتملًا آخر لحل مشاكل الطاقة في أوروبا. 

رابعًا: ربما تؤدي التوترات المتصاعدة بين أوروبا وروسيا بشأن أوكرانيا إلى تعقيد موقف أوروبا في الأزمات، في سوريا وليبيا، حيث ترك التدخل الروسي الأوروبيين بالفعل في موقف ضعيف، وستؤدي التوترات المتزايدة مع موسكو إلى تقليل احتمالية تكاتف الغرب وروسيا لتوفير حلول سياسية مستقرة لهذه الأزمات.

خامسا: ستكون تركيا أيضًا جزءًا مهمًا من المعادلة؛ نظرًا لكونها عضوًا في الناتو، ولها علاقات وثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا. فالصراع في أوكرانيا سيعزز من أهمية تركيا، حيث تتنافس روسيا والغرب الآن على جذب أنقرة وراء مواقفهما بشأن أوكرانيا، فواشنطن تحرص على أن تواصل أنقرة مبيعاتها من الأسلحة إلى كييف. ومن غير المرجح أن تتحالف تركيا بشكل كامل مع الغرب ضد روسيا.

سادسًا: وفيما يتعلق بمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، فقد لعبت روسيا دورًا مهما في المحادثات الأخيرة، حيث عملت عن كثب مع الجهات الغربية لإعادة إيران إلى الامتثال للاتفاق. لكن الأزمة في أوكرانيا قد تدفع موسكو نحو نهج أكثر إرباكًا لتخفيف الضغط على طهران، وربما تشعر إيران أن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا مع ارتفاع أسعار النفط تمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس وتزيد من نفوذها في المفاوضات.

سابعًا: من المرجح أن تزداد التوترات بين روسيا والدول المجاورة الأعضاء في الناتو، والتي من المحتمل أن تشارك فيها الولايات المتحدة؛ بسبب الالتزامات الأمنية للتحالف. وبالإضافة إلى ذلك، ستكون للصراع في أوكرانيا تداعيات أوسع، خاصة بالنسبة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وللتعاون المستقبلي في القضايا الحاسمة، مثل: الحد من التسلح، والأمن السيبراني، ومنع انتشار الأسلحة النووية، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وأزمة المناخ.

تابع موقع تحيا مصر علي