عاجل
السبت 04 مايو 2024 الموافق 25 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (٣)

ياسر حمدي
ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.  

مقالي الثالث في سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم تحت مسمى «الجهر بالدعوة»، ففي أثناء الدعوة إلى الإسلام سرًا دخل الناس فيه ارسالًا من الرجال والنساء، وفشا بمكة وتحدث به الناس، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم
بالجهر بالدعوة بقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: ٩٤]، فجهر بالدعوة ونادى بطون قريش فاجتمعوا له فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصَدِّقِيَّ؟» قالوا نعم، ما جربنا عليك كذبًا، قال: «إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة».

فما كان من أبو لهب إلا أن قال تباً لك ألهذا جمعتنا؟ وهزأ به فنزل قوله تعالى: {تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ (1) مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ (3) وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ (5)}[المسد:١ - ٥]، ثم أنزل الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]، فقال لعلي بن أبي طالب: «اصنع طعامًا، واجمع بني طالب وحمزة والعباس، وكذا أبو لهب، وأكلوا، فبلغهم وأنذرهم، فتكلم القوم كلامًا لينًا، وقام أبو لهب وقال شدَّ ما سحركم به صاحبكم، خذوا على يديه قبل أن تجتمع العرب عليه.

فمانعه في ذلك أبو طالب، فتفرق الجمع، وصنع علي في الغد طعامًا جمعهم عليه ثانيًا فأكلوا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ما أعلم إنسانًا في العرب جاءكم بأفضل مما جئتكم؛ جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، فقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟»، فأحجم القوم جميعًا، قال علي: فقلت - وإني لأحدثهم سنًا، وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقاً - أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليهم.

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برقبة علي قائلًا: «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب مستهزئين به قد أمر أن تسمع لابنك وتطيع.. فأجمع القوم على خلافه وعداوته، وهبَّ أبو طالب عمه محاميًا دونه يحدب عليه ويذود عنه، وهو ماضٍ على أمر الله لا يرده عنه شئ، وأبدى للقوم نُصحه وزجره، وجاهر بسب آلهتهم وأصنامهم ونسب أهله وآباءهم إلى الكفر والضلال، فلما رأت قريش ذلك مشى رجال من اشرارهم إلى أبي طالب يقولون له: إن ابن أخيك عاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فانْهَهُ عنا أو خَلِّ بيننا وبينه، فرد أبو طالب ردًا حسنًا ووعدهم خيرًا.

ثم رأوه لا يزال عاملًا على سب آلهتهم فاشتد بهم الغيظ وعظم عليهم الأمر، فمشوا إلى أبي طالب ثانيًا قائلين له: إن لم تَنْهَ ابن أخيك نازلناك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين، فأشار على ابن أخيه أن يبقي عليه وعلى نفسه، فظن أن عمه يخذله، فشق عليه ذلك وقال: «يا عمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى يُظْهِره الله أو أَهْلِكَ فيه»، ثم بكى وهمَّ بالانصراف فناداه عمه، وقال: يا ابن أخي، قل ما أحببت فوالله لا أُسْلِمك إليهم أبدًا.

علمت قريش ذلك - وكان موسم الحج قد قرب - فرأوا أنهم يتفقون على كلمةٍ يقولونها للعرب الوافدين لزيارة الكعبة في شأن محمد، حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوسهم، ثم قالوا: إن أقرب القول أن نقول: إنه ساحر جاء بقولٍ هو سحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا على ذلك وصار لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا له أمره، ولم يحسبوا أن ذلك يكون سببًا في انتشار ذكْرِه في بلاد العرب كلها.

تابع موقع تحيا مصر علي