عاجل
الخميس 02 مايو 2024 الموافق 23 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١٣)

ياسر حمدي
ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي الثالث عشر في السيرة المحمدية لخير البرية وشفيع الإنسانية بعنوان «إشاعة مقتل النبي وأثرها على الحرب»، مازلنا في غزوة أحد وقد ذكرنا في المقال السابق أن جيش المسلمين نفذ الخطة التكتيكية التي وضعها محمد صلى الله عليه فكانت سبب في محاصرة جيش قريش حتى وصل إلى إلقاء تروسهم ودروعهم تخففاً للهرب، وهنا خالف الرماة الذين وضعهم النبي صلى الله عليه وسلم على الجبل تعليمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنًا منهم اكتناز الغنائم.

وصاح الرماة الذين تم وضعهم على الجبل «الغنيمة، الغنيمة» ونزل 40 منهم إلى الغنيمة بينما بقيت ميمنة خالد بن الوليد وميسرة عكرمة بن أبي جهل ثابتة دون حراك وفي هجمة مرتدة سريعة أطبقت الأجنحة على وسط المسلمين، وتمكنت مجموعة من جيش مكة من الوصول إلى موقع الرسول صلى الله عليه، واستنادًا إلى الطبري فإنه عند الهجوم على الرسول تفرق عنه أصحابه وأصبح وحده ينادي «إليّ يا فلان، إليّ يا فلان، أنا رسول الله».

واستطاع عتبة بن أبي وقاص الزهري القرشي أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويكسر خوذته فوق رأسه الشريف، وتمكن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي من أن يحدث قطعًا في جبهته الشريفة، وتمكن عبد الله بن قمئة الليثي الكناني من كسر أنفه الطاهرة حتى سالت دمائه الذكية على جبهته المشرقة البهية.

وفي هذه الأثناء لاحظ أبو دجانة حال الرسول عليه الصلاة والسلام، فانطلق إليه وارتمى فوقه ليحميه فكانت النبل تقع في ظهره، وبدأ مقاتلون آخرون يهبون لنجدة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ منهم «مصعب بن عمير، وزياد بن السكن، وخمسة من الأنصار»، فدافعوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قتلوا جميعًا.

وعندما قتل عبد الله بن قميئة الليثي الكناني الصحابي مصعب بن عمير ظن أنه قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فصاح مهللاً «قتلت محمدا»، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأثناء كان يتابع صعوده في شعب الجبل متحاملًا على طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، واستنادًا إلى رواية عن الزبير بن العوام فإن تلك الصرخة كانت عاملًا مهمًا في هزيمة المسلمين حيث قال ابن العوام «وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا».

هناك آراء متضاربة عن الشخص الذي أطلق تلك الصيحة التي اشتهرت عند المسلمين باسم صرخة الشيطان فيقول البيهقي «وصاح الشيطان: قتل محمد» بينما يقول ابن هشام «الصارخ إزب العقبة، يعني الشيطان» وهناك في سيرة الحلبي الصفحة 503 المجلد الثاني، رواية عن عبد الله بن الزبير أنه رأى رجلًا طوله شبران فقال من أنت؟ فقال إزب فقال بن الزبير ما إزب؟ فقال رجل من الجن.

وقد أقبل أبي بن خلف الجمحي القرشي على النبي عليه الصلاة والسلام - وكان قد حلف أن يقتله - وأيقن أن الفرصة سانحة، فجاء يقول: «يا كذّاب أين تفر!»، وحمل على الرسول صلى الله عليه وسلم بسيفه، فقال النبي: بل أنا قاتله إن شاء الله، وطعنه في جيب درعه طعنة وقع منها يخور خوار الثور، فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات.. ومضى النبي يدعو المسلمين إليه، واستطاع - بالرجال القلائل الذين معه - أن يصعد فوق الجبل، فانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة وقت الفرار، ووجد النبي الكريم بقية من رجاله يمتنع بهم، وعاد لهؤلاء صوابهم إذ وجدوا الرسول حياً وهم يحسبونه مات.

ويبدو أن إشاعة قتل النبي صلى الله عليه وسلم سرت على أفواه كثيرة، فقد مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين ألقوا أيديهم وانكسرت نفوسهم فقال: ما تنتظرون: قالوا: «قتل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم» فقال: «وما تصنعون بالحياة بعده؟، قوموا فموتوا على ما مات عليه».. ثم استقبل المشركين فما زال يقاتلهم حتى قتل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنصفنا أصحابنا - يعني من فَرُّوا وتركوه».. وقتل من جيش أهل مكة أولاد سفيان بن عويف الكناني الأربعة «أبو الحمراء وأبو الشعثاء وخالد وغراب»، فتركت هذه الاستماتة أثرها، ففترت حدَّة قريش في محاولة قتل الرسول، وثاب إليه أصحابه من كل ناحية وأخذوا يلمون شملهم ويزيلون شعثهم.. وأمر النبي صحبه أن ينزلوا قريشاً من القمة التي احتلوها في الجبل قائلاً: «ليس لهم أن يعلونا»، فحصبوهم بالحجارة حتى أجلوهم عنها.

وقد نجح الرماة حول الرسول صلى الله عليه وسلم كسعد بن أبي وقاص وأبو طلحة الأنصاري في رد المشركين الذين حاولوا صعود الجبل، وبذلك أمكن المسلمين الشاردين أن يلحقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام ومن معه.

وقد أصاب الصحابة التعب والنعاس فقد داعب الكرى أجفان البعض من طول التعب والسهر، فإذا أغفى وسقط من يده السيف عاودته اليقظة فتأهب للعراك من جديد، ويقول المسلمون أن هذا من نعمة الله على القوم، فقد جاء في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: ١٥٤].

وظن المسلمون -لأول وهلة- أن قريشاً تنسحب لتهاجم المدينة نفسها، فقال النبي لعلي بن أبي طالب: «اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة؛ فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنَّ إليهم ثم لأناجزنهم فيها»، قال علي: فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل واتجهوا إلى مكة.

هند بنت عتبة بقرت عن كبد حمزة بن عبد المطلب فلاكته فلم تستطعه فلفظته، وبعد أن احتمى المسلمون بصخرة في جبل أحد تقدم أبو سفيان من سفح الصخرة ونادى «أفي القوم محمد»؟، ثلاث مرات لم يجبه أحد، ولكن أبا سفيان استمر ينادي «أفي القوم ابن أبي قحافة»؟ «أفي القوم ابن الخطاب»؟، ثم قال لأصحابه «أما هؤلاء فقد قتلوا»، ولكن عمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه وقال «كذبت والله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم»، ثم صاح أبو سفيان «الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم ببدر»، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «الله أعلى وأجل لا سواء ! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».

تابع موقع تحيا مصر علي