عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

لماذا العقلنة والإصلاح ضرورة؟

الوطن هو الخاسر الأكبر من الحرب الدائر رحاها مجتمعيًا ومؤسسيًا بين تيار عقلي محاصر ومقيد، وتيار تقليدي رجعي متسيد؛ الوطن في هذه اللحظة التاريخية الفارقة في حاجة ماسة إلى إحياء حقيقي يُعلي من قيمة العقلنة، ومواجهة العصر بمفرداته ولغته.

لا يمكن أن يستمر هذا التمكين المحصن بالعصمة الزائفة لتراث بشري مهما كانت مرجعياته في زمانه، خصوصًا وأن من يتدبر القرآن الكريم يجده في مواضع عدة يحث على العقلنة وخوض غمار الحياة بمنطقها وأسباب تحولاتها.

من يتدبر القرآن يجد أن الحث على العيش بكرامة ونشر المودة ومكارم الأخلاق، والعدل هي ملامح ساطعة، وتوجيهات قرآنية متكررة؛ فالقرآن لم يتشدد في فرض نموذج حكم ديني بعينه، فعاش المسلمون في قبائل، وممالك، وخلافة، ومهاجر، ودول، دون تقيد ديني بشكل واحد من أشكال الحكم.

لكن الأمر يختلف تمامًا عند العروج على المرويات والفقه والتراث في المجمل الذي هو في جله سردية بشرية، وأحكام كانت على مقاس بشر في عصرهم وظروفهم وطبيعة زمانهم؛ تبقى عملية إخضاع العصر الحالي لمازورة قديمة أشبه بالإصرار على حبس الفيل في الحقيبة، ولعل تلك الحقيقة الساطعة هي السبب الأهم في حالة الصدام الحضاري بين الإسلام كما يراه التراثيون وبين العصرنة بوجه عام.

الموضوع يتجاوز حادث هنا أو حكاية هناك، فالذين هالهم الحكم القضائي المبني على أساس من الفقه والشريعة بأن الولد للفراش، ومن ثم تم الحكم بتثبيت نسب ثلاثة أطفال ولدوا من علاقة خارج إطار الزواج كأبناء للزوج الضحية رغم إثبات تحليل الـ DNA إنهم ليسوا من صلبه، الذين فاجأهم هذا الحكم القضائي المتصادم مع قاعدة شرعية أخرى وهي تحاشي اختلاط الأنساب، والمتصادم أكثر مع العصر والإنسانية؛ عليهم أن يدركوا أن الإصلاح والاجتهاد من أجل إسلام معاصر بات أمرًا أكثر إلحاحًا الآن.

الإصلاح ليس حربًا على الإسلام، ولا استعداء لمؤسسات دينية، ولا يتعين وصمه بالتهم المعلبة كالمؤامرة وغيرها، بل إنني أذهب بعيدًا وأقول إن أي إصلاح مرجو هو احتياج لهذه المؤسسات لإخراجها من تكلس المرويات التي تعادي الإنسانية؛ المرويات التي أنتجها بشر لتناسب واقعهم وزمانهم الذي عاشوا فيه.
انطلاقًا من تلك الحقيقة يتعين أن يبدأ حوار جاد للتيار العقلاني مع المؤسسات الدينية تكون أرضيته الجامعة هي الإنسانية، وصلاح أحوال المجتمع، واستنهاض العقل النقدي الشارح والخلاق لمنهاج حياتي يستلهم كل القيم النبيلة في الدين، وينحي جانبًا كل ما هو مرتبط بزمانية وتاريخية سياقاته، كما يعمل العقل في التفسير بالنظر في أسباب النزول كذلك وسياقاته الظرفية.

إن عملًا كهذا سيكون إكليل غار على هامة مؤسساتنا الدينية، ومؤسسات صناعة الوعي، وسينعكس ذلك على أجيال تولد مستندة على منظومة قيمية وعقلية متسقة مع علم اليوم ولغته، وانطلاقًا من تلك النقطة يتعين تغيير المحتوى التعليمي ليصبح تعليمًا عقليًا علميًا يحتفي بالتجريب، والشك الإيجابي العقلاني،  والاستقراء، والسببية، واستبعاد أي نسق غيبي أو تواكلي أو أي إحالة إلى سرديات ماضوية، ويتعين كذلك زيادة الابتعاث الخارجي لدراسة العلوم والتكنولوجيا، ودراسات التربة، وشتي المعارف العقلية والإنسانية.

إن التفكير العقلاني ينبغي أن يستدعي التقرير الأعظم «أنتم أعلم بشئون دنياكم» عند كل اجتهاد، فإنما وُجد الدين لصلاح وخدمة البشر الذين منحهم الخالق عقولًا ورشدًا ليتبصروا بهما شئون دنياهم، ويخوضوا الرحلة بكرامة وعمل، وإعمار، وغرس لفسائل من روح الحياة.

تابع موقع تحيا مصر علي