عاجل
السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: أهم ما في الحوار الوطني

تحيا مصر

أهم ما في إنطلاق جلسات الحوار الوطني يوم الأحد الماضي ليست إجراءات الجلسة والجلسات التالية لها رغم أهمية الإجراءات، ولا حتى التوصيات التي ستتوصل لها اللجان المختلفة رغم الأهمية البالغة للتوصيات، وليست التصريحات والكتابات التي يبدي فيها السياسيون والمختصون حماسهم للحوار وفوائده عن حق واقتناع، كل هذا مهم جدًا ولكنه ليس أهم ما في الحوار.

أهم ما في الحوار هو أن يجعل المجتمع كله يدخل في حالة حوار، والحالة كما عرفها المختصون هو شىء ممتد ومستمر وعابر للأشكال وللإجراءات والترتيبات، وهو أقرب إلى الروح التي تسري في جسد المجتمع فتستبدل الخصومة بالحوار، والقطيعة بالنقاش الممتد، وإعراض المختلفين عن بعضهم البعض بإقبالهم على بعضهم البعض، والإحساس بالارتياب من الخصم السياسي إلى الإحساس بالاطمئنان لدوافع هذا الخصم ومقاصده من الخلاف.

أظن أن أولى جلسات الحوار الوطني في المحور السياسي قد حملت بشائر هذه الحالة التي قلنا أنها أكبر من الإجراءات، فقد عبر المختلفون عن آرائهم بشكل علمي ومنضبط، وطرح كل طرف رأيه دون تسفيه من رأي الطرف الآخر، وقد كان النقاش في هذه الجلسة قد تركز على نقطة واحدة، وهي: ما هو أفضل نظام لإجراء الانتخابات البرلمانية: هل هو القائمة النسبية أم القائمة المطلقة المغلقة أم النظام الفردي؟.

تحدثت بعد الجلسة مع عدد من رؤساء الأحزاب والسياسيين المشاركين بها وعلمت أن الدكتور علي الدين هلال مقرر المحور السياسي قال إن الهدف الأساسي هو الانتقال إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ولا توجد دولة ديمقراطية بدون المدنية، وفي هذه الجلسة فإن الهدف الأساسي هو ضمان تمثيل نيابي صحيح وانتخابات تعبر عن هموم وآراء ورغبات الناس، وهو نفس المعنى الذي قاله الدكتور محمد عبدالغني مقرر اللجنة بتأكيده على أن الغرض النهائي لأي نظام انتخابي هو أن يعبر بصورة عادلة وشفافة عن آراء الناس.

ودون تعقيدات فإن القائمة النسبية تسمح بالتمثيل في المجلس للأحزاب الصغيرة وقليلة الجماهيرية، في حين أن القائمة المطلقة لا تسمح بهذا، وقد طرح كل طرف وجهة نظره، هناك من يرى أن وجود أطياف متعددة ممثلة في المجلس يضيف له تنوعًا ولا يخصم من قوة الأغلبية، وبالتالي فإن الأخذ بالقائمة النسبية يؤدي لمزيد من التعددية.

وهناك على الجانب الآخر من يرى أن القائمة النسبية تشجع الأحزاب الصغيرة على مزيد من الكسل وعدم بذل الجهد لتوسيع دائرة جماهيرها، وهناك من يرى أنها تنطوي على مخالفة قانونية أو دستورية، المفاجأة التي لفتت نظري حينما علمت من أحد الحاضرين بالجلسة وهو من المحسوبين على المعارضة أن المستشار محمود فوزي رئيس الأمانة الفنية للحوار وأحد أهم خبراء القانون في مصر كان أول المتحدثين في هذا الموضوع، وكشف بوضوح عن انحيازه التام للقائمة المغلقة المطلقة. 

كما علمت منه أيضًا أن مداخلة المستشار محمود فوزي وتأكيده بوضوح على إنحيازه للقائمة المغلقة المطلقة أثار اعتراض المعارضة على أساس أن منصبه يمنعه من ذلك، لكن الصحفي الكبير الدكتور ضياء رشوان المنسق العام للحوار حل هذا الأمر بصورة ذكية حينما قال إن من حق كل شخص أن يعبر عن قناعاته، وأنه هو شخصيًا منحاز إلى القائمة النسبية.

وخلال محادثتي التليفونية مع السيد ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل الديمقراطي، وعضو المجلس الرئاسي للتيار الإصلاحي الحر، علمت منه أن الفريق المحسوب على الموالاة كل المتحدثين عنه كانوا مع القائمة المطلقة المغلقة، وهم على سبيل المثال أحزاب: «مستقبل وطن، وحماة وطن، والشعب الجمهوري، والوفد، وجميع الأحزاب التي لها تمثيل فعلي في البرلمان الحالي»، معللين حجتهم الأساسية على الدستور، حيث يلزم بموجبه بوجود ما يسمى «كوتات» محددة لبعض الفئات كالمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب.

كما علمت منه أن جميع ممثلي المعارضة دافعوا بحرارة عن نظام القائمة النسبية باعتباره الأفضل تمثيلًا وعدالة لآراء الناس، وأكد لي أنه لا يعقل أن من يفوز بـ ٥٠٫١٪ يحصل على كل المقاعد ويتم إهدار إرادة ٤٩٫٩٪ من آراء الناخبين، كما أن القائمة النسبية تضمن تمثيل الجميع كل حسب الأصوات التي حصل عليها، وعلمت منه أن حزب التجمع إنحاز للقائمة النسبية.

وأوضح الشهابي خلال مهاتفتي أن إجراء الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب والشيوخ وانتخابات المجالس المحلية بنظام القائمة النسبية غير المشروطة هو نظام عادل يوزع مقاعد الدائرة الانتخابية بنسب حصول القوائم على أصوات الناخبين مما يجعل مجلس النواب والشيوخ يمثلان الشعب المصري تمثيلًا صحيحًا وحقيقيًا، وفي نفس الوقت يقوي الأحزاب والنظام الحزبي في البلاد.

الجدل ظل محتدمًا بين أنصار المطلقة والنسبية، وكانت هناك مداخلات مهمة أخرى قالت أن القضية ليست فقط في النظام المطبق، بل في المناخ الذي تجرى فيه الانتخابات نفسها، ورأت أن نزاهة الانتخاب وحياد الإدارة والمساواة بين الجميع على أساس القانون ونزاهة الفرز والإشراف القضائي هي الأساس أولاً، ولو توافرت هذه الظروف فإن أي نظام انتخابي سوف يكون عادلًا وجيدًا.

أكثر ما أسعدني هي حالة الحوار التي انتابت المجتمع ككل، وأن الحوار الذي دار حول قضية النظام الانتخابي كان حوارًا بين مواطنين مصريين وسياسيين مصريين، وأنه بعد عام من التحضير الجاد اقتنع الجميع أنهم مقبلون على حوار مجتمعي حقيقي لا على مفاوضات مع الدولة، كما ظن البعض في بداية الدعوة للحوار.

أظنه كان حوارًا متحضرًا وصحيًا وأفاد العلاقة بين ممثلي أحزاب الأغلبية أو المؤيدين للدولة، وبين الأحزاب المعارضة من حيث المبدأ، كما ستفيدها الجولات المقبلة من الحوار، ويبقى أن مكاسب الحوار قد بدأت بالفعل، وأنه يؤسس فعلًا لمرحلة جديدة من العمل السياسي في مصر نشارك جميعًا في جني ثمارها قريبًا بإذن الله.

تابع موقع تحيا مصر علي